كانت القضية العربية، والعرب كقومية، شبه معدومة حضورها وسماتها في العالم الخارجي، وعلى طاولة المحافل الدولية، والمسلمون كانوا يصفون بـ (المحمديون) حتى قبل الحرب العالمية الأولى، أي قبل دخول بريطانيا وفرنسا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
والجغرافية المسماة اليوم جدلاً، بـ (الوطن العربي) كانت ولايات ودويلات متنوعة القوميات، لا علاقة لها بالعرب أو القومية العربية، كانت تعرف بأسمائها دون العربية، تابعة للإمبراطورية العثمانية، وشبه الجزيرة العربية، المنطقة الوحيدة التي كانت تأخذ صفة (وطن العرب) أو المحتضنة للشعب العربي، وما تم لاحقا، من تعويم الصفة العربية على الدول المسماة اليوم بالوطن العربي، وإعادة تسيدهم عليها، حصلت على خلفيتين:
أولا، مصالح بريطانيا وفرنسا، واستخدام العرب كأداة لتنفيذ معاهدة سايكس بيكو، وتسهيل عمليات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل التي رفضها السلطان عبد الحميد خوفا من عرشه وقد كان على أبواب الانهيار أملا الدعم من العالم الإسلامي بنداء الرفض، وبالمقابل وافق عليها كل من آل الشريف حسين وآل السعود، وعقد اتفاقية بين الملك فيصل وعازار وايزمان في مؤتمر باريس وبنوده واضحة حول دعم الهجرة وبقوة.
وثانيا، لخلق تبعية تعتمد عليها لتدمير الإمبراطورية العثمانية. وبما إنها كانت تظهر ذاتها حامية المسلمين، فكان لا بد من تجريدها من هذه الصفة، أي عرض البديل، قيادة إسلامية، فكان أصحاب لغة النص، وأحفاد الإمبراطورية الإسلامية الأولى، أنسب البدائل، وهو ما تم. ولذلك تم تنصيب أولاد الشريف حسين على سوريا والعراق والأردن، ومثلها آل السعود على منطقة الحجاز أولا وآل الرشيد على منطقة حائل، وما تم لاحقا من التغيرات حصلت على خلفية مصالح بريطانيا.
التعتيم الكارثي، الذي قامت بها الإمبراطورية العثمانية، منذ اليوم الذي تمكنت فيها سلاطينها من عرض ذاتهم كخلفاء للمسلمين، استمرت قرابة ستة قرون، كان كافيا للقضاء على الأمجاد العربية-الإسلامية وفرض العثمانية-التركية. وهو ما يود (رجب طيب أردوغان) إعادتها، وتظهر من خلال محاولاته التحكم بمصير ليبيا وسوريا، ومعاداة مصر، والسعودية لأخذ زمام العالم السني، وذلك بالاعتماد على الدول التركمانية الإسلامية، ودول غنية مهمشة كقطر.
تأكيداً على هذه الحقيقة التاريخية، كثيرا ما يتم التمجيد بالملك (فيصل بن حسين شريف مكة) وقلة من المثقفين العرب الذين اعتبروا رواد التنوير القومي، ويكررون مقولة الملك يوم قالها من على شرفة فندق بارون في حلب، حول القومية العربية على إنها قبل الإسلام والمسيحية واليهودية، في العديد من الكتب والأبحاث التي تناولوا بدايات تكوين الحراك القومي العربي، كشريحة خدمت مصالح البريطانيين والفرنسيين الذين قدموا خدمات للقومية العربية، لم تقدمها جميع الأحزاب العروبية العنصرية لاحقا، كالإخوان المسلمين، والشعب والبعث والناصرية وغيرهم. بتشكيلهم 22 دولة عربية من العدم.
وعليه فمعظم الدول العربية خارج شبه الجزيرة العربية، تعتبر دول محتلة لجغرافيات الشعوب الأخرى، أو دول سماتها عربية لكن ماهيتها قوميات أصيلة استعربت بالقوة وعن طريق الدين ولغة النص، وهي بعكس الدول الاستعمارية، والتي كانت تنهب الخيرات، لكنها حافظت على لغاتهم وماهيتهم القومية، باستثناء الإمبراطورية العثمانية والصفوية وأنظمتهما اللاحقة، كالدول العربية نهبت وتنهب خيرات الشعوب وعملت الكثير للتغير الديمغرافي والثقافي، والسمات القومية للشعوب المحتلة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/9/2022