كل ما توقعناه من اخطار واحتقان وانسداد وصراع لا مبدئي هو أمر جلل أصاب البلاد بالخسارة والخذلان ومنذ أن كان بالإمكان معالجة النواقص بالإصلاح والتغيير أصر من استولى على السلطة بطرق خبيثة وراح يمارس دوراً تعسفياً بعيداً عن نص وروح الوطنية والالتزام بمعايير الديمقراطية والمسؤولية واحترام مبدأ تبادل السلطة سلمياً لتفادت البلاد الكثير من العوائق والمشاكل وهذه المأساة التي أصبحت بالحجم المخيف ومن الصعب الخلاص منها إلا بتضحيات جسام سوف تستمر لسنين نتائجها الكارثية وتحتاج لجهود مضنية لعودة الاتزان والمساواة في القرارات الرسمية والشعبية ، ولعب السلاح المنفلت بيد الميليشيات الشيعية أدوارا غير طبيعية بسبب مهمات هذه الميليشيات وتنوع مرجعياتها فهي
1 – ميليشيات تكونت بعد الاحتلال ومرجعيتها إيران وهي لا تلتزم بقرارات الدولة والحكومة في قضايا عقدية وعادية تخص أمور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية وتأخذ اوامرها من طهران مباشرة
أ ــ هناك أكثر مما يتصور المرء من وجود فصائل وميليشيات تحت أسماء دينية وطائفية ( لا نريد ذكر أسماء هذه الفصائل لكنها معروفة على نطاق واسع)
ب ــ استغلال المناسبات الدينية محرم /عاشوراء زيارات الأربعين وغيرها، في الاخبار الأخيرة تداولت وسائل الاعلام عن توقعات وصول ” أربعة ملايين في أربعينية الحسين ” ثم إعلانات تعلن “ــــ الإيرانيون يغزون العراق” عبر رحلات جوية وسفرات برية وقطار للسكك الحديدية انشئ لهذا الغرض بينما البلاد تنوء تحت طائلة سوء الخدمات من كهرباء وماء من بينها وسائط النقل… الخ
2 ـــ ميليشيات سابقة تحولت إلى تنظيمات سياسية بقدرة قادر وبقوة المال والسلاح، وهي تحتل مساحات سياسية واجتماعية ولها ارتباطات تخدم مصالح تنظيماتها واحزابها السياسية والدينية الطائفية وتستغل الحشد العشبي لإضفاء التشريعية القانونية على تواجدها ضمن هذه المؤسسة الأمنية التي من المفروض أن تكون ضمن القطعات العسكرية الرسمية وإحدى دعائم القوات المسلحة تحت إمرة القائد العام للقوات للمسلحة وليس الانفراد في قيادة خارج هذه النطاق المخالف للدستور
3 ــــ ميليشيات لأحزاب والتنظيمات لها ادواراً في الضغط على الجماهير بواسطة استغلال اسم المرجعيات الدينية بالإضافة الى المال والهدايا العينية والعمل على زج المفهوم الطائفي كأنه جزء من الدين
4 ـــ ميليشيات سرية تحت طائلة المؤسسات الأمنية الرسمية تتعامل حسب المثل القائل ( قدمٌ هنا وقدم في المجال الآخر)
5 ـــ أكثرية الكتل الشيعية متمسكة بالطائفية على الرغم من أنها تحاول تبرير المواقف وتبرير العلاقات الخارجية وهي تعمل على الإبقاء على قانون الانتخابات القديم باعتباره معبراً للتزوير والهيمنة والاستيلاء على الأصوات ووجود مفوضية عليا للانتخابات ( مستقلة بالاسم ) تنفذ توجيهاتها فيما يخص الانتخابات ونتائجها
6 ــ المحكمة الاتحادية التي تتعامل بمكيالين في الأوضاع القانونية وتعتبر تبعيتها مُسلم بها للأحزاب والتنظيمات السياسية الدينية الشيعية
هذه النقاط ليس هي الوحيدة عما آل اليه الوضع وجعل من السلاح المنفلت يهيمن على الشارع واحتلال مؤسسات الدولة ( البرلمان والقصر الرئاسي وغيرهما من الدوائر الرسمية) بل هناك أمور عديدة أخرى سهلت لهذا الانفلات وحمت السلاح بيد الميليشيات مما جعل الأمم المتحدة تدعو الساسة العراقيين الى ” وضع خلافاتهم جانباً وأن يفكروا بأفضل حلّ لجميع العراقيين” وقد أشار ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة بخصوص الأوضاع السياسية والأمنية ” نحن قلقون من المشاهد التي رأيناها أمس في بغداد” وعقب ايضاً مؤكداً “من الضروري ان يجري السياسيون حواراً بنّاء في المستقبل” والح المتحدث الرسمي للأمم المتحدة بالقول ” على السياسيين ان يضعوا خلافاتهم جانباً ويفكروا بالحلّ الأنسب للشعب العراقي كافة.
وشدّد دوجاريك على ضرورة انهاء الأزمة السياسية في العراق، وبين أنه “على السياسيين أن يضعوا خلافاتهم جانباً ويفكروا بالحلّ الأنسب للشعب العراقي كافة”
كيف يضعوا خلافاتهم جانباً والكراسي تنتظرهم والسلطة هدفهم والمال العام الذين يسعون اليه موجود لا مالك له وهو حلال بلال عليهم ، الأيام العصيبة التي عاشتها أكثرية الشعب العراقي حين تم احتلال البرلمان واحتل الشارع والمؤسسات الحكومية، الآلاف من أعضاء ومؤيدي الأحزاب والتنظيمات والميليشيات الشيعية التي تحمل السلاح الخفيف والثقيل على حد سواء ، والابرياء من أبناء الشعب يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من لحظة الانفجار بينما القادة في أماكن سرية محاطين بحمايات تحمي البعض من البعض الآخر، إن تصريحات السيد مقتدى الصدر أخرت الانفجار ولكن الى حين فهناك التربص والايدي على السلاح وهناك التدخل الخارجي وتبعياته وهناك الحقد والغل والعداء على الرغم من الدعوات التي انطلقت ومازالت تعقد جلسات للحوار الوطني بين القوى السياسية المتنفذة ذات اللون الواحد ولم نسمع عن أي قوى سياسية وطنية ديمقراطية من حضور هذه الجلسات للحوار الوطني وها هي الجلسة الثانية “انطلاق أعمال الجلسة الثانية للحوار الوطني بين القوى السياسية التي دعا لها رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي” لكن هناك أسئلة معينية مهمة تطرح
ــــــ هل هذه الاجتماعات ستساعد على تجاوز الازمة
ــــــ وماذا عن موقف التيار الصدري؟ الذي لا يعرف موقفه من نتائج الجلسات والدعوات للحوار
ـــــــ لماذا لم نسمع دعوة رسمية قدمت لحضور القوى السياسية الديمقراطية من خارج الإطار أو التيار الصدري
وفي آخر المطاف نجد أن هناك صفقة سياسية تطبخ للخروج بماء الوجه ومحاولة لترقيع الوضع وهو عمل سطحي بعدما أصبح الإصلاح مطلب لن يكون المنقذ والمهم، بل هو التغيير الشامل للعملية السياسية وقيادتها المترهلة والمتهمة بالفساد والتقصير ويحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لملمت القوى المتنفذة حول طاولة الحوار الوطني وقد نجح مع الإطار التنسيقي دون التيار الصدري وهو ايضاً لم يدعو أي قوى وطنية خارج القوى المتنفذة المسؤولة عن تردي الأوضاع السياسية وبهذه المناسبة فقد أشار رئيس الوزراء ” البدء في حوار وطني جاد والتفكير المشترك؛ من أجل إيجاد حلول للأزمة السياسية الحالية” باعتقادنا لن تحل قضية الاحتقان والانسداد السياسي إلا بما جاء في بيان قوى التغيير الديمقراطية بخصوص حل الازمة ثم ما أكده الحزب الشيوعي العراقي في 29 / 8 / 2022 “حل الأزمة لصالح تنفيذ مطالب الجماهير عبر العمل فوراً على تشكيل حكومة انتقالية من شخصيات وطنية ذات كفاءة ومحايدة ونزيهة ومستقلة، بعيدا عن الأحزاب والكتل السياسية التي جربت سابقا وأثبتت فشلها، وبعيدا عن المحاصصة الطائفية والأثنية والطائفية السياسية.التوجه إلى إجراء انتخابات مبكرة على وفق منظومة انتخابية عادلة” ان الذي يريد التغيير الحقيقي ليس كما تحاول القوى المتنفذة التي فشلت في قيادة الدولة وعطلت العملية السياسية وعرقلة عمليات الإصلاح وأجازت عمليات الاغتيال لنشطاء انتفاضة تشرين وغض النظر عن الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة وغير التابعة أنَّ هذه ” الفصائل المسلحة تواصل استفزاز الشعب العراقي، من خلال استخدامها السلاح” والسكوت على منظومة الفساد المالي والإداري ومنع تحقيق قانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة لبقاء المحاصصة الطائفية والحزبية ، هؤلاء هم أحد الأسباب الرئيسية في هذه الازمة ولا يمكن أن يقوموا بتصحيح الأوضاع إن كان من خلال دعوات رئيس الوزراء أو تشكيل لجان تعني بحل الازمة، المتوقع السابق بالقول حول الانفجار اثبتته احداث احتلال البرلمان والمنطقة الخضراء وما دار من مواجهات مسلحة راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح ، الذي اطلق اول رصاصة باتجاه المسالمين هو نفسه من اطلق الرصاص على ابطال وشهداء انتفاضة تشرين. نعرف جيداً ان لحظة الانفجار عبارة عن ثانية لتعم فحذار الحذار!