في ساعات الظهيرة الأولى من يوم الثلاثاء (20 ايلول) حين بدأت اتصفح المواقع الالكترونية وصفحات السوشيال ميديا، كان الكرد قد تجاوزا كل الملفات الخلافية واتفقوا على مرشح توافقي واحد لمنصب رئيس الجمهورية، كما اتفقوا على ملفات معقدة وحساسة بشأن توزيع السلطة في اربيل وكردستان.
بعدها أتت تصريحات من مصادر قيادية عليا عن اجتماع حاسم للاطار التنسيقي يعقد مساءً، ستطرح فيه ورقة “كردية، سنية جامعة، اطارية شيعية) متفق على غالبية بنودها بعد اجتماعات حثيثة.ورقة تحدد ادارة الحكم في العراق، وترسم ليس مجرد مسار تشكيل الحكومة بل مهامها وآليات عملها. ورقة شبه جاهزة للتوقيع عليها، خاصة ان الملفات الخلافية بين القوى الممثلة للمكونات الثلاثة (طبعا بحسب الأخبار) باتت محل توافق واتفاق وبقيت ربما نقطة واحدة او اثنتان لحسم الامور، للانطلاق منها نحو اقناع التيار الصدري.
في ساعات العصر، ووفق الأخبار، تحرك قطار سريع بأحدث المواصفات العالمية من اقليم كردستان. قطار بدأ انجازه الفعلي ليمتد من شمال كردستان الى جنوبها ويمر بمختلف المدن الكردية .. قطار عظيم هو فاتحة جديدة للسياحة والاستثمار في كردستان.
في ساعات المساء كان هناك سيل من تغريدات عصفورية عن الاتفاقات والتوافقات وعن تجديد للسيد الكاظمي بمباركة جزء من الاطار نزولا عند رغبة التيار، كما كانت هناك تصريحات عن دخول العبادي حلبة المنافسة، وبعدها اخبار عن تهديدات الصدريين بالنزول الى الشارع وكلام للسرايا عن استعدادهم التام لأي أمر يأتي، كما كانت هناك اشارات عن كتائب تتحرك واوراق تتموضع.
في ساعات الليل المتأخرة، حصل انقلاب عسكري في بغداد، تناقلته الكروبات التي يقود اغلبها متمرسون في الصحافة العراقية يحددون سياسات القنوات والمواقع الاخباري نهارا، ويطرحون عبر الكروبات تغريداتهم وتحليلاتهم مساءً.. انقلاب انقلاب انقلاب، قطع طرق وجسور ونزول دبابات ومدرعات، وقادة يتحركون في الخضراء لأمر خطير وراءه خيوط دولية.
بعد اخبار الانقلاب نمت مباشرة، وانا متيقن من عدة امور لا مجال للخلاف والتأويل بشأنها:-
– لم يحصل اي اتفاق كردي على اي من ملفاتهم الخلافية اطلاقا، واي اتفاق حقيقي سيحتاج اسابيع من اللقاءات المتسلسلة وربما أشهر من الحوارات الجدية بسبب عمق الخلافات. ولا اتفاق الى اللحظة على أي مرشح توافقي لموقع رئيس الجمهورية. حتى لو نقلت الخبر كل وكالات العالم.
– لم يصل الأمر ابداً الى توافق “كردي سني اطاري” بشأن ورقة محددة عن (مهام الحكومة المقبلة وآليات عملها) حتى لو جرت نقاشات بشأنها، فالطريق مازال طويلا، واي ورقة لن يكون لها قيمة اصلا وسط صراع الكل على السلطة وان كان الثمن خرق ألف اتفاق ضامن ومئة دستور مكتوب.
– لم يجر الى اليوم وضع حجر واحد في سكة القطار المزعوم والامر في مجمله مازال في طور “دراسة الجدوى” غير المجدية اصلا في اقليم كل عائلة تملك فيه أكثر من سيارة، اقليم غالبية طرقه الخارجية مليئة بالحفر، ولا طريق حقيقي حديث يربط بين اربيل والسليمانية.. اقليم مازال يفتقد الى وجود نظام نقل عام، بل من المعيب عند الكثيرين ركوب منشآت النقل العام، فالسيارة قيمة وهيبة قبل ان تكون حاجة.
– 80% من التغريدات والتصريحات التي يسربونها كأخبار حصرية من مصادر عليا موثوقة، هي في الواقع ليست أخبارا، انما اعلانات ودعايات واشاعات جس نبض على مزيج من التمنيات مدفوعة الثمن. فالاخبار الحقيقة التي هي في الغالب “معلومات يتم اخفاؤها” باتت نادرة، وما يطرح في القنوات والمواقع والوكالات والصفحات “اعلانات.. مجرد اعلانات”.
– كيف يمكن ان يحصل انقلاب في بغداد؟ من سينقلب على من؟ فلا جيش موحد يتحرك، ولا رئيس محدد بصلاحيات حاكمة يتم الانقلاب عليه! ولا مؤسسات حاكمة يتم اخضاعها بقوة السلاح، ولا سلطة واحدة محددة يتم تطويقها واعلان النصر عليها… مصادر قرار متعددة وسلطات متناثرة وقوى امنية متعددة، وتنانيين برؤوس متعددة. فمن يستطيع الانقلاب وعلى من؟
– زملاؤنا في موقع “بحوش” تعبوا من رصد الأخبار الكاذبة والمضللة والمفبركة وغير الدقيقة. كيف لهم ان يتصدوا لهذا السيل الجارف من “الاعلانات والدعايات والاشاعات مدفوعة الثمن”. النكتة هنا هي ان صفحة “بحوش” على الواتساب ذاتها تنال نصيبها من “الاعلانات”. يوميا يؤكد صاحبها حد الرجاء للمتابعين “هذه صفحة لرصد الأخبار المزيفة فلا تنشروا فيها اخباركم” ويقصد طبعا اعلاناتكم.