نظرة على المرحلة الأخيرة للديكتاتورية الدينية في إيران
على الرغم من ارتياح المقاومة الإيرانية لوجهة نظر أنه لم يكن هناك بديل أي آخر لهذا النظام ، إلا أنها في الوقت نفسه وكما هو الحال دائما أنها كانت تتمنى أن تكون هناك قوة جادة أخرى في الميدان تتحمل المسؤولية التاريخية للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الحاكم في إيران حتى يتمكن كلاهما من تحرير الشعب والوطن من براثن هذه الديكتاتورية التاريخية الأكثر رعبا!
لم يكن ما نراه الآن بدون توجيه وقيادة أو بدون وجهةٍ أو هدف، وهو كذلك ليس انتفاضة شعب وليدة اللحظة، وإنما محصول نتاج أربعة عقود من النضال الدؤوب والمتواصل للمقاومة الإيرانية ضد النظام الديكتاتوري الحاكم، والأمر الذي هو قبل كل شيء وأفضل من كل شيء هو أن قادة نظام سلطة ولاية فقيه الملالي لا يفهمون هذا فقط، بل لم يخفوه وقد أعلنوه في العلن مرارا وبشكل رسمي، ولا يمضي يوما لم يرتفع فيه أنينهم وصراخهم ونواحهم الى السماء بسبب المقاومة الإيرانية.
وأي شخص خاضت يداه في الكفاح الإجتماعي والسياسي يعرف جيدا أن النضال الوطني في بلد توجد فيه اتجاهات مختلفة يواجه الكثير من الحوادث العمياء، والاختبارات الصغيرة والكبيرة خاصة إذا كانت الحكومة من النوع الثيوقراطي وديكتاتورية دينية؛ ديكتاتورية دينية قل نظيرها في التاريخ.
وبالنسبة للأشخاص الذين يتابعون الأوضاع في إيران، يتضح لهم أن ما يحدث في إيران هو نتيجة ماضٍ مرتبط بالوضع الحالي، وبمعنى آخر أنه على الرغم من أن دماء مهسا أميني (جينا) هي العامل الرئيسي في تصعيد الاحتجاجات الشعبية ضد الديكتاتورية الحاكمة هذه المرة إلا أن الشعب الإيراني بما في ذلك مواطني كردستان إيران قلوبهم جميعا مليئة بالكراهية من السلطة الدينية الحاكمة، ذلك لأن هذا النظام لم يكن منذ بداية “مجيئه من الشعب” ولم ولن يكون “من أجل الشعب” فهو نتاجٌ فكر ونمطية فكرية حاصلة عن قرون من الجهل والعصف تحت إسم “الإسلام”.
يعرف شعب إيران جيدا أن وصول خميني والنظام الإيراني الحالي إلى السلطة سنة 1979 كانت نتيجة للوضع القاسي للمجتمع الذي تحرر من دكتاتورية ”محمد رضا بهلوي“ في تلك الأيام، وكانت التنظيمات الوطنية والشعبية والثورية قد تعرضت لضربات خطيرة من قبل نظام الشاه، وتم تقديم خميني بأيدٍ مريبة على أنه “بديل لنظام الشاه” وتحت نفس العنوان صعد على سدة السلطة على الفور، وفرض على الشعب الإيراني دكتاتورية أسوأ بكثير!
وفي حال نظرنا إلى ملخص ومسببات مجيء مثل هذا النظام نرى أن نظام الشاه كان يفتقر إلى بديل حقيقي، ذلك لأن القادة الحقيقيين للشعب إما أنهم كانوا قد أُعدموا من قبل نظام الشاه أو كانوا في السجن حتى الأيام الأخيرة من لحكومة الشاه، وبناءا عليه كان هناك “فراغ فعلي” في المجتمع وهو ما أتاح وصول خميني إلى السلطة وقمعه للحريات في إيران ولم يسمح بملىء هذا الفراغ بواسطة الأحزاب والتنظيمات الوطنية والشعبية والثورية في تلك الأيام والتي كان لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية دورا مركزيا فيها، وبعبارة أخرى يجب أن يُقال إن “عمل الشاه الذي لم يكن قد إكتمل” قد حققه و “أكمله” خميني، فقمع الحريات وسجن واعتقل دعاة الحرية، وأصبح التعذيب والإعدام شيئا يوميا في جميع أنحاء إيران، والتي لا يزال يعتاش عليها حتى اليوم، واعتقد الكثيرون أنه بإلغاء ترشيح السيد مسعود رجوي في أول انتخابات لرئاسة الجمهورية بعد سقوط الشاه في شتاء عام 1979 والذي كان مدعوما من قبل أطيافا مختلفة من الشعب الإيراني وكذلك من الأحزاب والتيارات الوطنية والشعبية والثورية بالمجتمع أنها بداية لمأسسة القمع والكبت والديكتاتورية الدينية في إيران، ذلك لأن خميني كان مرعوبا من النمو المتزايد باستمرار لهذه القوى.
وبهذه الطريقة أصبحت “الأيادي الخفية” في وصول خميني إلى السلطة وتغيير النظام من ديكتاتورية إلى ديكتاتورية “معلنة” أسوأ، ولذلك يوجد إجماع وجهة نظرعالمية الآن على حقيقة أنه “لولا المهادنين الغربيين لكان النظام الديكتاتوري الديني قد تكفن الآن بمائة كفن!”.
وفي حال قمنا بمقارنة بسيطة للغاية الآن مع أيام الإطاحة بديكتاتورية الشاه، سنشاهد أن إنتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة والتي اجتاحت الآن جميع أنحاء إيران هي حركة منظمة وموجهة على الرغم من أنها لم تجد الظروف الرسمية للظهور بعد، ولن يمر وقت طويل على تقدم الانتفاضة حتى نرى المزيد والمزيد من التطورات الواضحة بهذا الصدد، لكن كل الأنظار مُركزة الآن على القوة التي قادت ووجهت الانتفاضات السابقة خاصة انتفاضة نوفمبر 2019، وهي القوة التي لطالما كانت تخشاها الحكومة الدينية الحاكمة على الدوام، القوة التي على الرغم من الاعترافات التي تم الإدلاء بها أو عدمها هي البديل الديمقراطي الوحيد للنظام الديني الحاكم، ولديه الآن الآلاف من وحدات المقاومة في إيران وتمكنوا من نقل إيران من نقطة “الشرارة” للوصول إلى نقطة “الإنفجار” ووضع الرغبة وأمل النصر على وجوه كل الإيرانيين وأطيافا واسعة من شعوب المنطقة والعالم.
نعم توجد مثل هكذا إمكانيات في إيران، ومثل هذه القوة لتوجيه هذه الطاقات المتصاعدة في المجتمع الإيراني، وعلى الرغم من تشتت قوى المعارضة حاليا خارج الحدود، إلا أن هناك “حصنا مشتركا” و “نضالا مشتركا” للوصول إلى “هدف مشترك” وهو الإطاحة بالديكتاتورية الدينية في إيران الذي أصبح في متناول اليد تماما، وفي إطار المقدرات والضرورات الملحة المرحب بها بروح وجوهر التفاهم، ذلك لأن تحرير الشعب والوطن يعتمد على مثل هكذا نهج.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.