لم يكن العراق يوما مثل لبنان حتى جاءت الأحزاب الطائفية الشيعية، الكثير من العراقيين يرفضون التقسيم الطائفي والمحاصصة الطائفية في الحكم لكن للأسف الشديد ” تسري الرياح بما لا تشتهي السفنُ” فقد فرضت المحاصصة الطائفية والحزبية على الشعب العراقي بسبب توجهات الأحزاب والتنظيمات الدينية الطائفية الشيعية وهي التي ادارت السلطة تقريبا منذ 2003 بدعم حلفاء مستفيدين انتهازين يخدمون مصالحهم دون الاهتمام بمصالح اكثرية الشعب حيث وصلت الأمور على التطاحن والصراع والاقتتال على السلطة بين المكون الشيعي نفسه وهو أمر قد يشمل المجتمع العراقي برمته ويهدد السلم الاجتماعي وهذا الوضع المأساوي تنبأنا به منذ 16 / 7 / 2017 وحصرياً كتبنا على ما أتذكر مقالا مهما بعنوان “الخلاص من الطائفية طريق للتخلص من التخندق الطائفي*” كان المقال ذو وجه مطلبي حول إنهاء المحاصصة الطائفية لأهداف عديدة منها هدف المصالحة الوطنية في سبيل اصلاح العملية السياسية، وشددنا على رؤية المسار المتجه نحو الأزمات والخلافات وتهديد السلم الأهلي الذي بدأت أهدافه تتجلى في النهج الطائفي لقيادة السلطة الذي مكن الأحزاب والقوى المتنفذة لإيصال العراق إلى المعاناة والقهر والتراجع والتخلف والخراب والإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة والتدخل الخارجي وتبعية بعض من هذه الميليشيات واستشراء الفساد المالي والإداري ،وماذا حدث ؟ إن هذه القوى التي أوصلت البلاد إلى الهاوية لم تتعظ وعاكست التيار الوطني الذي كان وما يزال المنجى الحقيقي المخلص لخدمة البلاد والشعب العراقي، اليوم وقادة السلطة السياسية ظهرت على حقيقتها نوايا القوى المتنفذة في تهديد السلم الاجتماعي لا بل تهديد مصير البلاد وبمجرد التدقيق فيما آلت اليه الأوضاع السيئة نتيجة الطائفية والمحاصصة والصراع على الكراسي يؤكد تلك الاستنتاجات التي توصلت اليها جميع القوى الوطنية والديمقراطية بأن من الضروري القيام بالإصلاحات المهمة والجدية ثم البدء بعملية التغيير الجذرية بدلاً من البقاء على النهج المعادي للإصلاح والتغيير إلا أن القوى المتنفذة بقت على إصرارها وعملت المستحيل في محاربة أي توجه لأنهاء نهج المحاصصة ولم يبق الصراع سلمياً على مستوى الأفكار والعمل السياسي فحسب بل كان السلاح لغة تستعمل حين الطلب ومن يحمل السلاح هي الميليشيات الطائفية العلنية منها والسرية وما قامت به هذه القوى على الرغم من إنكارها ضد انتفاضة تشرين ونشطائها من اغتيال واختطاف واعتقال وملاحقة حتى وصل عدد من اغتيل حوالي ( 800 ) ناشط وناشطة وآلاف الجرحى ولم تقصر هذه القوى في مؤامراتها ونشاطاتها المعادية لكي تفشل الانتفاضة المجيدة حتى تسنى لها ذلك ولكن
ـــــ هل انتهى الغضب الجماهيري وروح التحدي للأوضاع السيئة والسياسية العدائية والفساد؟
الجواب الحقيقي لا يمكن ولن يكون فإن بقاء الغليان الجماهيري الذي يتحين الفرصة للخروج للشارع مرة أخرى مع العلم هناك العديد من الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات مستمرة في العديد من المحافظات.
لقد وصل النهج الطائفي والمحاصصة الحزبية الى طريق مغلق حتى أصبحت البلاد ساحة للصراع العلني بين التيار الصدري وحلفائه الذين يتبنون قيام حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة وبين الاطار التنسيقي بقيادة نوري المالكي وغيره من القوى التي بقت متربعة في قمة السلطة والبلاد تنحدر للهاوية ولم تنجح أكثرية المحاولات للتوافق وتشكيل الحكومة لكنها باءت بالفشل، وبقى الصراع على أشده حول منصب رئيس الجمهورية ولم تكن القوى الكردية بمعزل عن هذا الصراع حيث انقسمت بين التحالف مع الصدر والتحالف مع الاطار التنسيقي ، وفي هذا الصدد حذر في اتصال تلفوني مع (العربي الجديد) مهدي عبد الكريم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ” أن “بقاء الأزمة السياسية بلا حلول خلال الأيام المقبلة، سوف يعمّقها، وسيدفع الأطراف السياسية إلى التصعيد السياسي والإعلامي، وقد يدفع إلى التصعيد الشعبي في الشارع“. ولم يستمر التفاؤل بخصوص التفاهم وبوس اللحى ودخلت إيران كالعادة على الخط وحاولت جهد الإمكان بالضغط والتهديد وغيرهما من الوسائل إلا أن ذلك لم يجد نفعاً بل العكس فقد ” زيد الطين بلة ” حتى كانت احداث احتلال الخضراء والبرلمان والذهاب إلى استعمال السلاح، وتناقلت الأخبار والتصريحات بأن نائب وعضو بارز في الإطار التنسيقي ” أن شخصيات إيرانية، لم يحدد هويتها، حاولت أيضاً عقد لقاءات مع الصدر خلال زيارتها النجف بمناسبة أربعينية الإمام الحسين” وبالمناسبة فإن الأخير اعتذر بطريقة دبلوماسية أما الإطار التنسيقي فقد بقى على سعيه لعودة البرلمان العراقي للانعقاد بهدف تشكيل حكومة وبخاصة بعد استقالة 73 نائباً من التيار الصدري وحل محلهم نواب من الإطار التنسيقي.، إن الأوضاع السياسية في العراق بشكل عام تتجه من سيء الى اردء ولا توجد بارقة أمل في الحلول الوسطية ولا بد من التغيير الشامل وهذا ما أكدته قوى التغيير والوطنية والديمقراطية والتغيير المنشود يتطلب قيادة وطنية حكيمة ومخلصة وإلا لا يمكن من أوجد الفساد والطائفية أن يتكفل بهذه المهمة الجليلة ولهذا أكد رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي ” ان تاريخ الشعوب وثوراتها الناجحة والمنتصرة، يبيّن ان من غير الممكن حدوث التغيير المنشود من دون افكار ودليل نظري مرشد وبرنامج” وأشار فهمي بشكل واضح على أن ” الداعم للمطالب المشروعة التي رفعها المعتصمون، وشددت على ضرورة تعاظم الضغط الشعبي لتحقيقها انسجاما مع هذه الوجهة وتطبيقا لها. وفي الإطار ذاته حرصت على عدم التقاطع، وشددت على المشتركات والاهداف التي تتقاسمها مع المعتصمين في الخضراء حينذاك”، ولهذا فإن استمرار التعنت من قبل القوى المتنفذة في إطار من الصراع غير المبدئي يؤدي الى التهلكة وتدمير البلاد اكثر مما هي عليه من خراب وتدمير، الطائفية لم تكن يوما ما إلا التخلف والذهاب الى التفرقة والشقاق وإلى الحرب واستخدام السلاح وهناك تجارب عديدة تثبت هذا المعنى والدول التي اصابها مرض الطائفية لم تتوحد مكوناتها وبقت في تحارب وقتال وتقسيم وبقت الوحدة الوطنية عبارة عن شعار يستعمل للاستهلاك والتنابز والشاهد في منطقتنا لبنان وما أصابه من تفرقة واحتراب وتقسيم وعدم وجود دولة حاسمة تدافع عن الاستقلال والوحدة وحماية السلم الاجتماعي الذي ينهار بمجرد التوجه الطائفي في التقسيم السياسي ومنها الأحزاب الطائفية التي تجعل من مناطقها دويلات تتحكم فيها والمثال خير برهان ما يقوم به حزب الله اللبناني في لبنان وما تقوم به الأحزاب والميليشيات الطائفية التابعة في العراق حيث تسيطر على مناطق معينة هجرت المواطنين من المكونات الأخرى من مناطقها كما حدث في “جرف الصخر” كدليل ساطع وقد حدث هذا التهجير في مناطق عديدة من المدن الأخرى
—-
* نشر المقال حينها في العديد من المواقع والصحف المصرية والسورية والعراقية