على ما يظهر أن الأنظمة الدكتاتورية والمعادية للحريات والديمقراطية لم تستفد ولن تستفيد من التاريخ وتبقى تمارس الدور المتسلط المخل بالشرف وباللاأخلاقي وما آلت اليه أنظمة دكتاتورية عتيدة سبقتها في السقوط والإزاحة إلى مزبلة التاريخ، العكس هو الصحيح في كل مرة توغل هذه الأنظمة في ممارساتها القمعية واضطهادها لشعوبها ويعتقد قادتها أنهم خالدون ولن تمسهم أية رياح غاضبة ومناوئة ومعارضة بل يمعنون في التنكيل ونشوة التحكم المفرط بالسلطة، وقد اثبتت التجارب كم كانوا اسلافهم اغبياء أمام انتفاضة أو ثورة شعوبهم واسقاطهم ومحاكمتهم وانتصار الشعوب على الطغيان والاستبداد، هناك أمثلة حية وغير بعيدة أظهرت أن الشعوب لا يمكن ان تسكت الى الابد وإن التراكم النضالي خلال اكثر من (40) عاماً لن يذهب سداً لأنه يخضع إلى قانون التراكمات الكمية يؤدي إلى تغيرات نوعية وسوف تبعث نوعية جديدة اكثر قوة وتصميم لإزاحة الدكتاتوريين وأعداء الحرية والديمقراطية، من هذه الشعوب الشعب الإيراني الذي أطاح بنظام الشاه وإسقاطه على امل قيام حكم وطني ديمقراطي لكن الذي حدث هو العودة للحكم الفاشي أو الديني الطائفي والأوتوقراطي في استحواذ شخص على كل السلطات السياسية والاجتماعية والعسكرية بشكل مطلق ولا حدود بمفهوم شمولي مؤدلج ممزوج بالشريعة الدينية لا يخضع لأي تشريعات أو قوانين وضعية بحجة التقديس والمفهوم الإلهي وإن القائد هو من يتمتع بموافقة إلهية، ما زالت انتفاضة الشعب الإيراني في 2019 حاضرة في اذهان العالم حيث هددت بشكل مباشر سلطة حكومة طهران حتى وصفها مرشد الدولة الإيرانية علي خامنئي ” مؤامرة عميقة وواسعة وخطيرة جداً” هذا الوصف الذي يدل على مدى الخوف والرعب الذي ساد الحكومة الإيرانية حينذاك، اليوم تتجدد المظاهرات والاحتجاجات في عشرات المدن الإيرانية بما فيها العاصمة طهران وقد قامت القوات الإيرانية بأطلاق النار على المتظاهرين مما أدى إلى جرح مئات المواطنين وقتل 50 متظاهر لحد يوم السبت 24 / 9 / 2022، لم تكتف الحكومة الإيرانية ولا المرشد الأعلى بما آلت اليه الأوضاع من خسائر بشرية واقتصادية بل بقت التهديدات تتصاعد والاتهامات توجه لأعداء الثورة واعداء ايران وقد دخل الجيش الإيراني على خط المواجهة حيث قام يوم الجمعة 23 \ 9 \ 2022 باتهام الانتفاضة الشاملة في 31 محافظة ومدينة إيرانية بأن هذه الاحتجاجات عبارة عن ” مؤامرة خارجية” كما هي العادة ففي كل احتجاجات واعتصامات ومظاهرات تتهم بالمؤامرة الخارجية وعملاء الأجنبي مثلما حدث في 2019 وكأن مئات الآلاف من المحتجين هم عملاء تحت تصرف المؤامرة الخارجية، وهدد الجيش الشعب الإيراني أنه سيقمع الاحتجاجات السلمية وكلل تهديده ” قواتنا مستعدة لمواجهة مؤامرات الأعداء“. ان حجة المؤامرة الخارجية والعملاء المندسين عبارة عن حجج تدل على الإفلاس والتدليس بدلاً من الاعتراف بالمطالب المشروعة وفسح المجال لقيام الحريات الخاصة والعامة وإنهاء السياسة الدكتاتورية والكف عن التدخلات في شأن البلدان الأخرى، على ما يظهر أن المئات من الآلاف المحتجة والمتظاهرة لم تأبه لهذه التهديدات وغيرها وقد قامت آلاف النساء في أكثر من بلد اوربي من حرق الحجاب وقص شعورهن احتجاجاً وتضامناً مع مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا ، والتي توفيت في حجز الشرطة الإيرانية الأسبوع الماضي. ويقال إن المرأة الكردية قد ألقي القبض عليها لارتدائها الحجاب بطريقة خاطئة، وهتفت آلاف النساء “لا نريد الإسلاميين في جمهورية إيران ، ولا نريد الحجاب. لا نريد الملالي ، لقد انتهينا منهم ” ولقد ظهر الاختلاف الجذري ما بين انتفاضة 2019 والانتفاضة الحالية لأن المتظاهرين اخذوا يهاجمون بدلاً من الدفاع وهناك إمكانية للتحول الى حرب أهلية وبخاصة دعوة أكثر من مسؤول للانشقاق عن النظام الإيراني، لهذا واصلت الاحتجاجات المتواصلة طريقها نحو التصعيد على الرغم من اعتماد الأجهزة الأمنية الإيرانية القمع الوحشي ضد المتظاهرين بما فيها اطلاق الرصاص الحي وقد كشفت في تسجيلات وصور موثقة عمليات اطلاق الرصاص من قبل مسلحين تجاه متظاهرين سلميين ، ومع استمرار قيام الشرطة ورجال الأمن بإطلاق الذخيرة الحية والاعتداء بالضرب ضد النساء المحتجات وقد أدى ذلك الى قتل ووفاة معتقلات وعلى رأسهم المواطنة الكردية مهسا اميني، وبهذا ادانت منظمة العفو الدولية قوات الشرطة والأمن بسبب إطلاق الرصاص على المتظاهرين “بصورة متعمدة على متظاهرين، داعية إلى “تحرك دولي عاجل لوضع حد للقمع“.
وتواصل السلطة الإيرانية في عمليات التعتيم وقطع الانترنيت لحجب الحقائق والانتهاكات غير الإنسانية وبدلاً من ايقافها يتوعد إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني المحتجين بعقاب صارم وعدم السماح بما يدعيه ويطلق عليه زوراً ” أعمال الشغب “.
في يوم الاثنين المصادف 26 \ 9 \ 2022 دخلت الاحتجاجات والمظاهرات يومها العاشر مع دوي الهتافات في سماء العاصمة والمدن المنتفضة ” الموت للديكتاتور” وتدعو المعاهد والمدارس للأضراب العام وقام المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في ايران بالدعوة لامتناع المعلمين والتلاميذ من الذهاب الى المدارس ، وفي خبر نقلته ( شبكة ايرن انترناشيونال) قيام السلطات الإيرانية تحويل المدارس إلى ثكنات لاعتقال الطلاب والمحتجين والمتظاهرين السلميين المطالبين بالدولة المدنية رافضين الدولة الدينية وحسب المعلومات والمصادر ومنذ التظاهرات في 16 \ 9 \ 2022 تم اعتقال اكثر من ( 700) شخص في محافظة واحدة في الشمال بينما يزيد هذا العدد في محافظات ومدن أخرى بما فيها العاصمة طهران حسب مصادر (منظمة إيران هيومن رايتس )، أمام هذه الحقاق وحقاق أوسع فقد انكر احمد وحيدي وزير الداخلية عن عدم تعرض المواطنة الكردية مهسا اميني للضرب ونقل الوزير كذباً وتزويراً أنه ” تلقي تقارير الهيئات المشرفة وإجراء مقابلات مع شهود والاطلاع على تسجيلات مصورة والحصول على رأي الطب الشرعي وتم التوصل إلى أنه لم يكن هناك أي ضرب“. وهي طريقة لطالما قامت بها السلطات في كل مرة وفي كل احتجاجات ومظاهرات الى استخدامها للتمويه عما تقوم به من اضطهاد وقمع وممارسات عنفيه ولم يكتف الوزير بهذا التلفيق فقد انتقد مهدداً ” أولئك الذين اتّخذوا مواقف غير مسؤولة.. وحرضوا على العنف وتبعوا الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمجموعات المناهضة للثورة” وعلى الرغم من اللهجة التي حاول فيها تسهيل الوضع المتأزم التي قال معترفاً في 2022-09-28 حسين عبد اللهيان وزير الخارجية الإيرانية“هناك متظاهرون بالطبع وهم يعبرون عما يطالبون به بطريقة سلمية لكن معظم هؤلاء الناس في الشوارع الآن يقودون ويوجهون من قبل قنوات جيدة التنظيم ” والعالم يعرف تاريخ النظام الدموي ومنذ 12 يوماً والاحتجاجات تزداد وتتطور، بينما ادانت منظمة حقوق الانسان الإيرانية (IHR) عن قتل ما لا يقل عن ( 50 ) شخصاً خلال السبع أيام الأولى ثم “ تم اعتقال عدة مئات في اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين.” وأكدت يوم الاحد 25 \ 9 \ 2022 منظمة (هيومن رايتس ) عن مقتل حوالي (59) متظاهراً وهناك اخباراً بثت من قبل وسائل الإعلام على أن اعداد القتلى والاصابات أكثر بكثير من الارقام الرسمية والاعتقالات شاملة وواسعة متناغمة مع تهديدات رؤوس النظام والسلطة القضائية فرئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني اجني أكد على أن الشرطة ورجال الأمن ينتشرون بشكل مباشر خلال (24) ساعة في اليوم وهم “ لم يناموا الليلة الماضية والليالي السابقة” ورئيس السلطة القضائية اجني شدد في السابق على “ضرورة التعامل بدون أي تساهل” كما تعهد إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني ” بالتعامل بحزم” مع المتظاهرين والمحتجين السلميين ولعبت ما يسمى بشرطة الاخلاق دوراً عدائياً مع الكثير من النساء الإيرانيات بدعوى عدم ارتداء أو انتهاك الحجاب وهم الذين استعملوا الهراوة وقاموا بضرب رأس مهسا أميني في احدى سياراتهم، لا يمكن أن تحسم قضية الشعب الإيراني وثوراته وانتفاضاته باستخدام القوة والقتل والاعتقال والإرهاب والتهديد لأن قضية الحقوق المشروعة لا يمكن التنازل عنها مهما كانت العوائق والصعوبات وقول الحقيقة أن الشعب الإيراني كسر حاجز الخوف فإذا استطاع الشعب الإيراني في تغيير الأوضاع والنجاح في إقامة الدولة المدنية وإلغاء الدولة الدينية او فشل في تحقيق ذلك، فإن انتفاضة أيلول 2022 دلت على تكاتف جميع المكونات والقوميات في ايران ضد الأوتوقراطية والدولة الدينية وسوف يستمر النضال مهما كانت الظروف قاسية من تحقيق المسار الديمقراطي ويجب على حكام إيران ادراك الحقيقة بأن أفول الدكتاتورية وسقوطها حتمية تاريخية لابد منه وخير مثال دكتاتورية الشاه وغيره من الحكام الذين انزاحوا إلى مزبلة العار والهزيمة.