تعتبر عيد الجما من الأعياد المهمة والأكبر من كل الأعياد في الديانة الإيزيدية، فيها تغفر الخطايا وتنزل الرحمة، ويستدل فيها الناس على معرفة السنة المقبلة إن كان خصباً أو جدباً.
وهذه إشارة واضحة الى الملائكة وكل الكائنات وحركة الأفلاك في الكون، يتحركون تبعية حول القوة العظمى في الأكوان، حيث أن كل ما في الكون من اجرام ومجرات تدور حول قوة خارقة، و إن عملية مراسيم وطقوس السما هي في هذا الاتجاه والمعنى.
إن حركة الكواكب والنجوم والمجرات والأجرام السماوية في الكون، وحركة الأكوان مجتمعة تدور حول نقطة مركزية للكون وهي ايضا متحركة وثابتة، ولابد أن تكون هناك مركز ثابت للأكوان، وجميع الاكوان تدور حول المركز والزمكان المطلقين، و نجد إن تأدية طقوس ومراسيم السما تأكيد واعتراف ضمني بأن كل الأجرام السماوية تتحرك في هذا الكون المترامي الأطراف، وكل المجرات وما فيها تتحرك وتدور حول نقطة ثابتة في الكون، وهذا ما تظهره ممارسة عملية مراسيم وطقوس السما عند دوران رجال الدين حول نور المعرفة (جري معرفتي) أثناء تأدية طقوس السما.
يقع هذا العيد في منتصف السنة الشمسية تقريبا. أي أن تاريخها يأتي بعد عيد سرسال عيد الخلق والخليقة بـ (180) درجة وكل درجة تساوي يوما واحدا وإحدى وعشرون(21) دقيقة في دائرة البروج الفلكي، وبمعنى آخر إن يوم (الأربعاء) لعيد رأس السنة الايزيدية (سرسال) يقابل يوم (الأربعاء) ليوم القباغ, لقدسيتها ومعناها الأزلي والفلسفي وتاريخها الفلكي لدى الديانة الإيزيدية, بحيث يشكلان نقطتان متقابلتان على طرفي قطر الدائرة الأهليجية التي يرسمها كوكب الأرض في حركتها المدارية حول الشمس.
يبدأ عيد الجما الآن بتاريخ (23/9) من شهر أيلول الشمسي (الشرقي) حسب التقويم الشمسي الايزيدي من كل سنة، الموافق ليوم (6/10) من كل سنة حسب تاريخ التقويم الميلادي، وفي التقويم الفلكي عندما يدخل الشمس إلى برج الميزان المقابل لبرج الحمل وبداية رأس السنة السومرية والبابلية في دائرة البروج الفلكي، وقد ازاح كوكب الأرض من دائرة البروج الفلكي (13) درجة من برج الميزان في دورتها حول الشمس.
هناك طقوس ومراسيم في عيد الجما تجرى في لالش ينبغي أن تكون مترابطة ومتلازمة في أيامها وتواريخها الصحيحة، ولا يجوز تقدمها أو تأخرها أو التلاعب بها بأي شكل من الأشكال ومهما كانت الضرورة المفروضة او المصطنعة، بسبب قدسية هذه الطقوس و إقامتها في أيامها المحددة وتواريخها الفلكية وما فيها من معاني مقدسة لدى الديانة الإيزيدية منذ آلاف السنين.
إن تحديد تاريخ سلسلة طقوس ومراسبم أعياد الجما، من خلال وضع يوم عيد الجما يوم تنصيب(بري شباكي) في شهر تشرين الاول الشمسي حسب التقويم الشمسي الايزيدي (الشرقي) لان العيد مرتبط بشهر تشرين الاول الشمسي، ولان في عرفات عيد الجما يوضع العودين الطويلين المتعلقين في تنصيب (برى شباكى) في أحواض الماء عند العين البيضاء(كانيا سبي) ولابد من شرب هذين العودين ماء تشرين الأول الشمسي, وهنا تظهر قدسية ماء (كانيا سبي) ويبقى فيها ليلة كاملة وتلك الليلة يجب أن تكون (ليلة نهار) ليوم من شهر تشرين الأول الشمسي وهو يوم العيد، ومن هذه النقطة و الملاحظة المهمة يتبين أن يوم تنصيب برى شباكي مرتبط بشهر تشرين الأول الشمسي وينبغي أن يكون العيد من شهر تشرين الاول الشمسي، ولا يجوز تغيره ابداً كما يحدث الآن .
أما الآن فلا وجود او الاخذ بهذه الملاحظة وقدسيتها في تحديد العيد في يوم تنصيب (برى شباكى) في اليوم السابع من عيد الجما(جمايا) وهذا قول واضح وصريح في تأدية مراسيم وطقوس نصب(بري شباكى) في يوم من شهر تشرين الأول الشمسي، وإذا لم يوافق ذلك التاريخ فلابد من تغيير تاريخ عيد الجما بما يوافق ترابط عيد الجما بشهر تشرين الأول الشمسي، او يؤجل إلى الأسبوع المقبل، مثل باقي الأعياد في الديانة الإيزيدية، اذا تم تحديد الطقوس بملازمة ايام محددة.
وهنا يتبين أن عيد الجما مرتبط بشهر تشرين الأول الشمسي، وليس بشهر أيلول الشمسي كما نجده قد ثبت في الوقت الحاضر في شهر أيلول الشمسي الايزيدي، أن يوم عيد الجما نجده على الاغلب من شهر ايلول الشمسي في كل سنة وهذا لا يجوز، ولابد من تصحيح هذا التجاوز والاختلاف .
وكذلك بالنسبة لمراسيم القباغ نجده تقام في كل الأيام، وهذا يخالف النصوص والأقوال والأدعية والمقدسات الإيزيدية، ولابد من مراجعتها من المرجعية الدينية والتاريخية والفلكية والفلسفية لتصحيحه وضع كل هذه الطقوس والمراسيم وتأديتها في أيامها وتواريخها الفلكية الدقيقة، وليس كيفما أتفق وكما يجري أحداث وطقوس ومراسيم أعياد الجما مثلما يحدث الآن.
القباغ (كاباغ) كلمة كردية تتكون من مقطعين الأول(كا) أو (كاي)وهما كلمتان تدلان على نفس المعنى وتعني الثور، أما المقطع الثاني باغ وهي أيضا كلمة كردية وتعني البستان، أي (كاي باغ) تعني ثور البستان(الربيع)، والذي يحضر ليوم القباغ لذبحه وتقديمه قربانا إلى الإله الملاك (شميشم)(شمش) الايزيدي و السومري البابلي.
وهناك تفسيرات عديدة لكلمة (كا) أهمها هي أسم لكوبة الثور وهي مجرة كمجرة أللنبي تبعد عنا بملاين السنين الضوئية تأتي ذكرها كثيرا في النصوص والأقوال والأدعية الإيزيدية، في النص الديني الثور والسمك (كايى وماسي) وهي أشارة ضمنية الى سعة الكون والفلك, وإلى التاريخ الفلكي الذي دونه المثرائية على جدران معابدهم.
وقد يصفها ويفسرها بعض رجال الدين في مغالطات منحرفة عن معناها الحقيقي والفلسفي.
وفي قول الكون والخليقة (ئافرارينا دنيايىَ) نجد فيها قولا صريحا في خلق الكون وكما يلي:ـ
شةمبوويىَ برِى كراسة ———- ابتدأ الخلق وتقسيمها في يوم السبت
ضارشة مبوويىَ كر خلاسة ———- وجعل الخلاص وأتمها في يوم الأربعاء
خودا وةندىَ مة ئينى كر ئةساسة ——— جعل الخالق الجمعة أساساً، وضع الفلك
وتشير هذه السبقات في النص الديني الى الخلق وتظهر مدى قدسية يوم الأربعاء، وهنا تبدو الوضوح في الحساب الفلكي والفلسفي لعيد الجما، حيث أن طقوس القباغ نجده تقام في كل الأيام، فسنة تقام في يوم السبت و اخرى في يوم الأحد والى باقي أيام الأسبوع, فلماذا نغير كيفما أتفق في تاريخ طقوسنا وشعائرنا المقدسة على اعتبارات غير صحيحة، وان تأدية طقوس ومراسيم القباغ مرتبط بيوم الأربعاء حسب فلسفة الديانة الإيزيدية، ليكون واضحا ودقيقاً على امتداد تاريخ جذورها العريقة قبل آلاف السنين في سومر وبابل واشور وعلاقتها الوثيقة بتاريخ الديانة الايزيدية .
قاسم مرزا الجندي
7/10/ 2022