جاء ردّ السيد علي الشرع على مقالي حول موقفه من المستشار الاقتصادي السيد الدكتور مظهر محمد صالح متوتراً وفيه الكثير من الشخصنة التي لا تنفع النقاش، بل يفترض أن نركز على المسائل المركزية، وهو في ردّه اتبع نفس الأسلوب في الهجوم والنصيحة بعودتي إلى الاقتصاد وترك السياسة ونقد المرجعية والاهتمام بقضايا الشعب لأني أعيش في ألمانيا خارج العراق ولأن الناس لا تهتم بمقالاتي ورسائلي. أدرك إن الجهل بالشخص ليس عيباً، ولكن العيب حين يتوجه كاتب ما بالنقد لشخص دون أن يحاول معرفة هذا الشخص وكتاباته وتاريخه السياسي مثلاً. إذ لا يكفي أن يعرف أن كاظم حبيب من مواليد كربلاء، وهو ليس سراً، ولا يكفي ان يعرف أنه يعيش في ألمانيا، أو يكتب مقالات سياسية ورسائل للمرجعية لا يقرأها أو يهتم بها أحد. هذا غير كافي أخي السيد علي الشرع. سأحاول توزيع مناقشتي على وفق النقاط التي وردت في مقاله الموسوم “مع كاظم حبيب في دفاعه عن المستشار الاقتصادي للعبادي”.
- كاظم حبيب والكتابة السياسية ونقد المرجعية
الكتابة السياسية ليست حكراً على أحد، بل يفترض أن يشارك فيها جميع أبناء الشعب، ويبقى السؤال مستوى المشاركة والاحتراف وتأثيرها. وبالتالي من حقي ومن حق كل إنسان أن يكتب في السياسة لأنها تؤثر على حياة الشعب ووجوده ومستوى معيشته ودوره ومستقبل العراق. ورغم ذلك فأنا من سياسي الخمسينيات من القرن الماضي وعضو في الحزب الشيوعي منذ العام 1952 وسجين ومُبعد سياسي في العهد الملكي لسنوات أربع، ومعتقل ومعذب في العهد البعثي في العام 1978، ونصير في حركة أنصار الحزب الشيوعي العراقي لسنوات خمس في النضال ضد نظام البعث. كما كنت لسنوات كثيرة عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ولسنوات عدة عضواً في المكتب السياسي للحزب. وبعدي عن العراق لم يمنعني من زيارة العراق باستمرار والتعرف على أوضاع الشعب، ومنهم أهلي، وأعرف بعمق معاناة الشعب والجوع والحرمان والموت المستمر بسبب سياسات الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها المسلحة ومن يدافع عنها وعن تدخل المرجعية في السياسة، التي نتج عنها الوضع المأساوي الذي يعيش تحت وطأته الشعب العراقي طيلة السنوات الـ 15 المنصرمة. فأنا سياسي ولست طارئاً عليها ولا من سياسيي الصدفة. أما في مجال الاقتصاد، حيث كنت أستاذاً في الجامعة المستنصرية وفي جامعة الجزائر، وصدر لي الكثير من الكتب في هذا المجال، ولي مقالات بالمئات حول الاقتصاد العراقي واقتصاديات البلدان العربية والنامية وعن الوضع الاقتصادي الخرب في فترة حكم البعث الإجرامي والفترة المظلمة الراهنة ومنشورة في الحوار المتمدن وفي الكثير من المجلات والمواقع والكتب. والجهل بها ليس عيباً، ولكن العيب في أن يُعيَّر الشخص لأنه يكتب بالسياسة ولا يكتب بالاختصاص. لقد طرحت مشروعاً متكاملاً حول تطوير الاقتصاد العراقي وحول اقتصاد كردستان العراق قبل الغزو والاجتياح الداعشي، ونشرته على نطاق واسع. وكم كنت أتمنى لو قرأت مناقشاتي مع الأستاذ الدكتور سيار الجميل أو الدكتور محمد علي زيني أو الدكتور بارق شبر أو غيرهم والتي هي منشورة في المواقع، وربما ينفع أن تقرأ الكتاب الموسوم الرثاثة في العراق: أطلال دولة … رماد مجتمع، نصوص تشريحية للوظيفة الهدمية للإسلام السياسي”، الذي صدر في العام 2015 عن دار ميزوبوتاميا لمجموعة من الكتاب وتحرير الدكتور فارس نظمي، يتصدر الكتاب مقالي الموسوم: “الاقتصاد السياسي للفئات الرثة الحاكمة في العراق” بقلم أ. د. كاظم حبيب.
أما نقدي للمرجعية، فهو حق مشروع لمن يعي دور الدين ودور المرجعية في المجتمع. وليس غريباً رفضك لموقف، إذ أن هناك فريقين، فريق يريد ربط الدين بالسياسة والدولة وفريق يرفض ذلك وأنا من الفريق الثاني، لأن مجتمعا مثل المجتمع العراقي حيث تتعدد فيه الديانات والمذاهب لا يمكن أن يربط أحد الديانات بالدولة حتى لو كان دين الأكثرية. فالدولة لا دين لها لأنها شخصية معنوية، ويتوجب على الدولة أن تكون حيادية إزاء جميع الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية غير العنصرية والشوفينية والطائفية، وأن تعامل كافة المواطنات والمواطنين على أساس المساواة في المواطنة الحرة والمشتركة وليس على أساس الدين والمذهب أو القومية. بغير ذلك يبدأ التمييز بين الديانات والمذاهب وأتباعها وهو ما يعيش المجتمع العراق الآن بسبب القول بأن الإسلام دين الدولة وأن المرجعيات الشيعية والمؤسسات الدينية السنية تتدخل بالسياسة من أوسع أبوابها، وكانت أحد أبرز الأسباب فيما يعاني منه الشعب من حكم الأحزاب السياسية الإسلامية، وهو خروج عن المعروف عن دور المرجعية الشيعية في زمن السيد أبو الحسن الموسوي وقبله وبعده بفترة.
المرجعية الشيعية يفترض فيها أن تتخذ موقفاً اجتماعياً إزاء ما يحصل في البلاد ولها الحق في نقد النواقص التي تؤذي الشعب، ولكن لا أن تتدخل في دعم هذا الحزب أو ذاك، أو في دعم الأحزاب الإسلامية السياسية التي خربت البلاد وساهمت في موت مئات الآلاف من البشر.
انتقادي للمرجعية يأتي من باب آخر أيضاً في كونها لا تتخذ الموقف المناسب من البدع التي يمارسها حشد من الشيعة في مناسبات العزاء على الشهيد الحسين بن علي بن ابي طالب وصحبه، والذي هو إساءة كبرى للإسلام والمذهب الشيعي معاً. كما إن هذه البدع ليس فيها أي احترام للشهداء الأبرار، وقد رفضها علماء أخيار في العراق ولبنان وإيران، ولكن لا يتصدى لها السيد علي السيستاني أو المراجع الشيعية الأخرى، وهو أمر غير مقبول. وإليك أراء بعض المراجع الشيعية بشان طقوس عاشوراء:
- آية الله العظمى السيد محسن الحكيم “إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات… هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرَ أيا من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى إن قضية التطبير هي غصة في حلقومنا“.
- آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي: في رده على سؤال حول إدماء الرأس وما شاكل يقول “لم يرد نص بشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه)) راجع: المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت.
- آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في جوابه لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف الاشرف ” ان ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجُهّالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه” راجع: كل الحلول عند آل الرسول ص 150 الطبعة الأولى 1997 م للتيجاني.
- آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني “ان استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين (عليه السلام) انما هو محرم وغير شرعي“. راجع: كتاب هكذا عرفتهم. الجزء الأول لجعفر الخليلي.
- آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي “على المؤمنين الأخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة (عليهم السلام) ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك…”
- آية الله العظمى السيد كاظم الحائري “ان تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخرا لذلك ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين (عليه السلام) من أعظم المحرمات“.
- آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله “… كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزنا على الإمام الحسين (عليه السلام) فانه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفا أو مغلفا ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.” راجع: إحكام الشريعة ص 247.
- آية الله الشيخ محمد مهدي الاصفهي “لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان له دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات.”. راجع: عن كيهان العربي 3 محرم 1410 هـ.
- آيه الله العظمى السيد محسن الأمين “…. كما ان ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال.” راجع: كتاب المجالس السنية. الطبعة الثالثة ص 7.
- آيه الله محمد جواد مغنية “…. ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم ان هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون ان يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الاهانة والضرر.” راجع: كتاب تجارب محمد جواد مغنية.
- آية الله الدكتور مرتضى المطهري “ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم.” راجع: كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي (عليه السلام). “
وهناك أسماء كثيرة ضد ظاهرة التطبير وغيرها ومنهم آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (1312هـ – 1415هـ)، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، وآية الله الشيخ محمد باقر الناصري، والعديد من كبار المراجع الدينية الشيعية.
وقولك بأن مقالاتي لا يهتم بها أحد، فهو ما لا استطيع تقديره ولك الحق في قول ذلك، وكان الأجدر بهيئة تحرير جريدة العالم أن تخبرني، إن كان حقاً عدم وجود اهتمام بمقالاتي، لكي أكف عن الكتابة لها.
انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية.
12/08/2018