مع استمرار روسيا في التهديد باستخدام السلاح النووي في حربها على أوكرانيا، هناك تساؤلات عديدة تتعلق بمدى استعداد الرئيس فلاديمير بوتين فعلا لشن هجوم نووي وكيف سيكون هذا الهجوم، وماذا يمكن فعله لمنع وقوع ضربة نووية؟
تشن القوات الأوكرانية منذ أواخر شهر سبتمبر/ أيلول هجمات مضادة حققت من خلالها نجاحات في مناطق خاركيف ودونيتسك ولوغانسك وخيرسون.
بيد أن هذه الانتكاسات العسكرية التي تكبدتها القوات الروسية على حين غرة زادت من التوترات في الداخل الروسي مع تصاعد القلق الدولي حيال أن تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية للرد.
وكانت روسيا قد شنت أعمال قصف استهدفت العاصمة الأوكرانية كييف في أعقاب الانفجار الذي استهدف جسر كيرتش الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.
وقد نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية عن مصادر داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) قولها إن روسيا تستعد لإجراء تجارب نووية في البحر الأسود.
تزامن هذا مع انتشار مقطع مصور على الإنترنت يُظهر قطارا عسكريا روسيا يتجه صوب الحدود الأوكرانية وسط مزاعم أن القطار تابع للمديرية الرئيسية الثانية عشرة بوزارة الدفاع الروسية المسؤولة عن حفظ الترسانة النووية للبلاد.
خطوات تصعيدية، ولكن؟
غرهارد مانغوت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إنسبروك النمساوية، قال إن نشر روسيا أسلحة نووية يعد بالأمر الخطير، مشيرا إلى أن القطار وتعبئة الغواصة “كا-329 بيلغورود” ربما يحملان في طياتهما رسائل نووي، على حد قوله.
وأضاف أن “القيادة الروسية ترغب في بعث رسالة لأوكرانيا و للحكومات الغربية مفادها أن روسيا قادرة بل وربما مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية. ويعد هذا في الوقت الحالي بمثابة رسالة ردع لدفع أوكرانيا إلى الكف عن هجماتها ولدفع الغرب إلى عدم مواصلة تسليح كييف”.
لكن مانغوت حذر من أنه إذا فشلت التهديدات الروسية في وقف الهجمات التي تشنها القوات الأوكرانية، فإن بوتين قد ينتقل إلى المرحلة التالية المتمثلة في “إجراء اختبار سلاح نووي تكتيكي فوق البحر الأسود أو في شبه جزيرة كامتشاتكا.”
وحذر أيضا من أنه في حالة عدم نجاح هذا السيناريو، فإن روسيا قد تنتقل إلى السيناريو الأخطر وهو استخدام سلاح نووي تكتيكي، مضيفا “لن يُستخدم هذا السلاح في الخطوط الأمامية أو خط المواجهة وإنما في أماكن بعيدة عن المناطق الأوكرانية الحضرية المأهولة بالسكان”.
بدوره، يعتقد رالف تيله، الخبير العسكري والكولونيل السابق في الجيش الألماني، أنه إذا فشل سيناريو استخدام روسيا للسلاح النووي في استهداف مناطق غير مأهولة، فإن موسكو قد تقدم على محاولة “مهاجمة أهداف سياسية واقتصادية في أوكرانيا.”
وفي ذلك، أوضح “قد يكون ذلك عبارة عن انفجار ينجم عنه نبضة كهرومغناطيسية من القوة بما يكفي لتدمير كل شيء يعمل بالكهرباء في منطقة تبلغ مساحتها مئات الكيلومترات المربعة: السيارات، التلفزيونات، الأقمار الصناعية، أجهزة الكمبيوتر ومحطات الكهرباء… قد يكون هذا خياراً”.
تحذيرات أمريكية
لكن معظم الخبراء الدوليين يتفقون على أي اختبار نووي من قبل روسيا سيؤدي إلى عواقب وخيمة على موسكو.
وفي هذا الصدد، قال مانغوت إن أي اختبار سيمثل “في الواقع انتهاكا لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي صادقت عليها روسيا مما سيؤدي إلى عقوبات اقتصادية ومالية شديدة”.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قد شدد في سبتمبر / أيلول الماضي على أن واشنطن أبلغت موسكو أنها ستواجه “عواقب كارثية” إذا اتخذت هذا الخيار، مضيفا: “كنا واضحين معهم وأكدنا أننا سنرد بشكل حاسم، جنبا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا”.
وانضم إلى سلسلة التحذيرات الأمريكية الجنرال الأمريكي المتقاعد، ديفيد بتريوس، الذي قال إن الولايات المتحدة وحلفائها سيدمرون الجيش الروسي في أوكرانيا ويغرقون أسطول البحر الأسود التابع له في حال استخدم روسيا السلاح النووي لضرب الأوكرانيين.
وفي مقابلة مع شبكة “آي بي سي نيوز”، قال بتريوس” لنفترض (أن بوتين استخدم السلاح النووي)، فإن الولايات المتحدة سوف تقود جهودا مشتركة يقوم بها الناتو لتحييد القوات الروسية التي يمكن تحديد مكانها في ساحة المعارك في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم بما في ذلك تدمير كل سفينة في البحر الأسود”.
وفي المقابل، قال مانغوت إن مثل هذه الضربة ستكون “غير متكافئة” بسبب أنها قد تنطوي على استخدام أسلحة تقليدية، لكنه قال إن الرئيس الروسي “يُجرى إحاطته ليس فقط حيال كيف سيكون الرد الغربي على أي هجوم نووي ولكن يُجرى إحاطته أيضا بأن روسيا ستكون معزولة على الصعيد العالمي، بما يشمل إدانة الصين والهند لمثل هذه الخطوة”.
الصين قد تساعد
ويرى مراقبون أن الصين قد تلعب دورا في ردع روسيا عن استخدام السلاح النووي، فيما دعا الكولونيل السابق تيله الغرب إلى بذل المزيد من الجهد لدفع الصين إلى الاصطفاف إلى جانبه وأن تكون الصين بمثابة “الحليف الاستراتيجي للغرب”.
وأضاف: “يعتمد بوتين على الصين، لكن في حالة دفع الصين للانخراط بشكل أكبر، فسيكون أمام العالم فرصة لتحقيق هدنة كخطوة أولى”.
لكن الكولونيل السابق بالجيش الألماني شدد على أنه يتعين على الغرب ألا يجبر الصين على الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا نظرا لأن هذا الأمر لن يصب في صالح بكين، مضيفا “الصين ترغب في إنهاء الحرب في أوكرانيا بشكل خاص لأسباب اقتصادية فضلا عن أنها لا تريد نشوب صراع نووي”.
وقال: “يريد (السياسيون الأوروبيون) إبعاد الصين عن أوروبا بسبب اعتقادهم بأنه سيكون من الصعب في المستقبل التعامل مع قوة الصين الاقتصادية ونفوذها السياسي، لكني أعتقد أن وجود الصين – القوي وغير المرحب به – هنا سيكون بمثابة أهون الشرين “.
القرم ..خط أحمر؟
من جانبه، يرى مانغوت أن التطورات الحالية في أوكرانيا ستقرر في نهاية المطاف ما إذا كانت التحذيرات التي أطلقتها الولايات المتحدة عمدت إلى ردع روسيا أم لا؟ لكنه قال إن روسيا قد تعتبر أي هجوم على شبه جزيرة القرم بمثابة تجاوز “للخط الأحمر”.
وأضاف “لا يمكنني أن أتخيل أن يقف بوتين صامتا إذا استعادت أوكرانيا شبه جزيرة القرم لأن هذا من شأنه أن يعرض وضعه ومركزه إلى خطر حتمي وفوري وسيؤدي إلى سقوطه، لكن السؤال الأهم هو: هل بوتين يمتلك ما يكفي من القوة وبدم بارد ليقدم على استخدام السلاح النووي لتجنب الهزيمة”.
وقال “أخشى ذلك. لكن هناك بعض الأمل في أن أوامره بنشر أسلحة نووية لن ينفذها من هم منوط بهم تنفيذ ذلك”، مضيفا أنه حتى الآن لا توجد مؤشرات على أن القيادة الروسية حسمت قضية استخدام الأسلحة النووية.
وأوضح “لم نصل بعد إلى هذه المرحلة المتمثلة في خطر خسارة روسيا الحرب على نحو كارثي، لكن مع كل هزيمة تتكبدها روسيا في ساحة المعارك أو مع استعادة الجيش الأوكراني للأراضي التي احتلتها روسيا، فإن الاحتمالات تتزايد بأننا نسير صوب هذا المسار”.
مارينا بارانوفسكايا / م ع