آلاف الإيزيديين عانوا من ظلم وبطش داعش. عانى الناجون من صدمات شديدة بعد إنقاذهم. وبعد قضاء سنوات في مخيمات النازحين في العراق، تمكن أكثر من ألف إيزيدي من اللجوء في ألمانيا، نعرض ضمن هذا التقرير قصتين لاثنين منهم.
باد سارو، بلدة في شرق ألمانيا، وبها يوجد مرفق إقامة تديره منظمة الإغاثة الكاثوليكية كاريتاس. أصبحت هذه المنشأة موطناً لـ 51 شخصا من الإيزيديين الذين نجوا من فظائع تنظيم الدولة الإسلامية.
فاطمة* شابة تبلغ من العمر 36 عامًا، وصلت إلى باد سارو، في خريف عام 2019 مع خالتها واثنين من أبناء عمومتها.”قبل هجوم داعش، كنا نعيش حياة بسيطة وسعيدة في العراق، لكن بعد فرارنا، لم أشعر بالراحة أبدا. اشتقت إلى والدي وإخوتي كثيرا”، تقول اللاجئة الإيزيدية في مقابلة مع مهاجر نيوز.
نجا واحد فقط من إخوة فاطمة الأربعة من إرهاب داعش. أما الثلاثة الآخرون ووالداها، فهم في عداد المفقودين منذ أن هاجم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قريتها في شمال العراق. بدأت محنة الإيزيديين بمذبحة مروعة في مدينة سنجار في 3 أغسطس/آب 2014. كانت بداية هجوم عنيف من قبل تنظيم الدولة الإسلامية ضد الإيزيديين في المناطق التي يسكنوها في شمال العراق.
ظلم وإبادة جماعية!
خلال هذه الإبادة الجماعية، قُتل أكثر من 5000، وتم ترحيل أو اختطاف 7000 شخص. تعرضت الفتيات والنساء للاغتصاب بعدما أسرتهم ميلشيات داعش، وكانت فاطمة واحدة من بينهن. في عام 2016 ، تم إطلاق سراحها ونقلت إلى مخيم للنازحين داخليًا، بينما ظل ما لا يقل عن 2500 امرأة وطفل في عداد المفقودين إلى يومنا هذا.
بعد إنقاذها، دخلت فاطمة في مرحلة صدمة نفسية صعبة، قررت بسببها الانطواء وعدم التواصل مع محيطها، تحكي قائلة “لم أكن أريدهم أن يسألوني عما مررت به، ورفضت الإجابة عن أي أسئلة”. بفضل منظمة غير حكومية تدعم الإيزيديين المصابين بصدمات نفسية، حصلت فاطمة على العلاج النفسي في المخيم. تقول “لقد تمكنت من التعامل مع المشكلة، لكن لا يمكنني التخلص من آثارها النفسية إلى يومنا هذا.”
ذياب علي، إيزيدي ينحدر من قرية كوجو التي لا تبعد كثيراً عن مسقط رأس فاطمة في منطقة سنجار شمال العراق. وتقع على بعد 110 كيلومترات غربي الموصل و 60 كيلومترا شرقي الحدود السورية. عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على قريته في عام 2014، اختبأ رفقة 50 من أفراد أسرته في قبو أحد الأصدقاء قبل أن يتمكنوا من الفرار إلى جبال سنجار مع عشرات الآلاف من الأيزيديين الآخرين.
“إذا لم تغادر قبو منزلي، فسيعودون ليقتلوكم جميعًا هنا”، هكذا أنبأه الجار باقتراب داعش. “علمت أنهم إذا عثروا علينا، فسيقتلونني ويأخذون زوجتي وأولادي معهم، كان ذلك مرعباً. بعدها قضينا 12 يومًا في الجبال دون أكل وشرب”.
مقاتلو داعش كانوا يطلقون النار عليهم، بعدما حاصروا ما يصل إلى 50 ألف إيزيدي في جبال سنجار لأكثر من أسبوع. بدون طعام أو ماء أو رعاية طبية، كانوا يواجهون الجوع والعطش هناك طوال هذه الفترة. تمكن المقاتلون الأكراد والغارات الجوية الأمريكية من فك الحصارعنهم في نهاية المطاف، وتم نقل ذياب والعديد من الأيزيديين الآخرين إلى معسكرات النازحين في محافظة دهوك العراقية.
حياة ما بعد اللجوء!
مثل فاطمة، يعيش ذياب علي في منشأة كاريتاس في باد سارو مع زوجته وأطفالهما الثلاثة. يقول إن ترك عائلته في مخيم النازحين كان صعباً للغاية. “الابتعاد عن عائلتي وتركهم في مكان غير آمن يسبب شعوراً غير مريح. والدتي وعائلتي ليسوا بأمان في العراق، لذلك أشعر بالذنب عندما أتذكر أني تركتهم. ولهذا السبب لا أشعر بالأمان حتى وأنا هنا في ألمانيا”.
150 ألف إيزيدي تأويهم ألمانيا، لتكون بذلك موطناً لأكبر تجمع الإيزيدين في جميع أنحاء العالم. تقول فاطمة إنه بعد عامين ونصف في مخيم النازحين، طلب منها أشقاؤها الخمسة الذين وصلوا إلى بادن فورتمبيرغ في عام 2015 الانضمام إليهم. لكن الأمر استغرق ستة أشهر قبل أن تحصل على إذن للقدوم إلى ألمانيا.
تحكي فاطمة لمهاجر نيوز قائلة “عندما كنت في المطار، كان قلبي ينبض بسرعة، كنت أفكر أن مهمتي في الحياة، هي استلام ودفن جثث أقاربي في قريتي. لكني، قررت أن أترك كل ذلك ورائي وأسافر إلى ألمانيا”.
تقول فاطمة إنها وجدت “السلام الداخلي” في ألمانيا عندما علمت أنها تستطيع العودة إلى العراق في أي وقت شاءت.إلى الآن زارت بلادها مرتين، لكنها لا ترغب أبدًا في العودة إلى العراق للاستقرار على حد قولها.
حياة بلا خوف!
في يوليو / تموز المنصرم، وافق البرلمان الألماني بالإجماع على عريضة تدعو إلى الاعتراف بالإبادة الجماعية للإيزيديين عام 2014 على يد منظمة داعش الإرهابية. وقد اتخذت العديد من هيئات الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي وعشر دول على الأقل، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ، هذه الخطوة.
“اعتراف ألمانيا جيد، لكنه ليس كافياً”، يقول علي. “إذا اعترفت بذلك المزيد من الدول الأوروبية، والدول الكبيرة ، فذلك سيساعدنا أكثر”. على الرغم من أن ديانتهم كانت سببًا رئيسيًا لاضطهادهم لعدة قرون، إلا أن فاطمة ترى أنه من المهم جدًا بالنسبة للمجتمع الإيزيدي الاستمرار في ممارسته لشعائر ديانته بسلام. تقول “ديننا هو دين مسالم”.
توحد معتقدات الأقلية الدينية اليزيدية القديمة عناصر من ديانات مختلفة في الشرق الأوسط – لا سيما الإسلام والمسيحية. المركز الديني للإيزيديين هو لالش، التي تقع على بعد حوالي 50 كيلومترًا شمال الموصل. اليوم، يتواجد معظم الإيزيديين في شمال سوريا وشمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا وبشكل أساسي في شمال العراق.
إلى غاية شهر يونيو/حزيران، كان جميع السكان الإيزيديين يأخذون دروسًا إلزامية يومية في اللغة الألمانية ودروس الاندماج. في يوليو /تموز، اجتازت فاطمة امتحان اللغة للمستوى B1. كما يزور الأطفال والمراهقون والشباب مدارس في فورستنوالدي، المدينة الأكبر الأقرب لهم. بعض سكان المنشأة صاروا في مرحلة التقديم للحصول على تدريب مهني، وقد حصل عدد قليل منهم بالفعل على وظائف مدفوعة الأجر، بمن فيهم دياب علي، الذي بدأ العمل في وكالة مرسيدس بنز في فورستنوالدي في شهر أغسطس/آب.
لا تتواصل فاطمة إلا مع عدد قليل من الأشخاص خارج منشأة كاريتاس. قالت لمهاجر نيوز “أشعر أن الألمان في هذه المدينة لا يريدون أي علاقة بنا، ربما لأننا لا نتحدث اللغة بشكل جيد. لكن في بعض الأحيان أذهب إلى برلين مع الأشخاص الآخرين الذين يعيشون هنا”.
ألمانيا منحتهم أملا!
ما يقدر بنحو327 ألف لاجئ إيزيدي نازح يعيشون في مخيمات للنازحين داخليًا في العراق ولا يمكنهم العودة إلى وطنهم. وبحسب ذياب، الذي زار والدته وأقاربه مرة واحدة منذ مغادرته بلده، لا يزال الكثير من الأشخاص الذين يعيشون في خيام صغيرة في مأزق.
يقول: “لا أحد من الإيزيديين هناك راضٍ عن حياته. عندما يحل الشتاء، يواجهون العواصف الرعدية. وفي الصيف يعانون من الحر الشديد”. في مايو/أيار فقط، فرت حوالي ألف عائلة إيزيدية من القتال في منطقة سنجار بين الجيش العراقي وميليشيا يزيدية.
يخطط ذياب للخروج من منشأة كاريتاس مثلما فعلت عائلة أخرى، لكن محاولة العثور على شقة لأسرته في باد سارو مهمة صعبة في ظل نقص المساكن، على حد قوله. “سأبقى في باد سارو لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات وأكسب بعض المال بهدف الانضمام إلى أخي في مدينة كولونيا”. لكن يجب على ذياب اجتياز اختبار اللغة للمستوى B1 أولاً.
أما فاطمة فتخطط للانضمام إلى خمسة من أشقائها في بادن فورتمبيرغ، والذين رأتهم عام 2019 لأول مرة بعد ست سنوات من الفراق “كان من الرائع رؤيتهم، خاصة أطفالهم، الذين لم أرهم من قبل”. وتقول إنه بمجرد وصولها إلى بادن فورتمبيرغ ، كانت ترغب في العمل في مركز للرعاية النهارية أو دار للأيتام.
حتى بعد سنوات من العلاج النفسي، لا تزال فاطمة تواجه صعوبة في الثقة بالناس وبناء الصداقات. لكنها قطعت أشواطا كبيرة منذ وصولها إلى باد سارو، على حد قولها. “أشعر بالقوة في داخلي الآن. على مدى السنوات الثلاث الماضية، تعلمت كيفية التغلب على نفسي والمضي قدمًا في الحياة”.
بنيامين باتكه
dw