في أكثر من مناسبة كشفت الوثائق التي رفعت الحكومة الأمريكية عنها السرية، عن تورّط أجهزتها الاستخباراتية، وخاصة المخابرات الأمريكية “CIA” ومسؤوليتها عن عمليات سرية، أقل ما يوصف به بعضها أنها غريبة، بينما كان البعض الآخر منها غير أخلاقي، وجلب الدمار لعدة دول.
وفي بعض الأحيان، لم تتردد الحكومة الأمريكية في أن تتعاون مع المنظمات الإجرامية، أو تلفيق عمليات إرهابية لتبرير شن الحروب، أو تشويه سمعة خصومها، واستخدام أسلحة سرية للتجسس على أعدائها أو تصفيتهم جسدياً، أو حتى “التحكم بعقولهم”.
عملية Northwoods: تزييف هجمات إرهابية لتبرير الحرب مع كوبا
بعد 3 سنوات من وصول الزعيم الشيوعي الثوري، فيدل كاسترو، للحكم في كوبا، وضع كبار القادة العسكريين الأمريكيين عام 1962، خطة للتخلص منه في سلسلة من العمليات السرية التي ستقوم بها المخابرات الأمريكية، حملت اسم العملية Northwoods.
كانت تلك الخطة تقتضي قيام عملاء الحكومة الأمريكية بسلسلة من الهجمات المضللة ضد مصالح أمريكية، وتلفيق التهمة لكوبا وفيديل كاسترو، لتكون مبرراً أمام الرأي العام الأمريكي، لشن الحرب على كوبا.
سبقت تلك الخطة الفشل الذريع لعملية غزو خليج الخنازير عام 1961، من قبل القوات التي درّبتها وكالة المخابرات الأمريكية، من الكوبيين المنفيين لغزو جنوب كوبا وقلب النظام على فيدل كاسترو.
لذلك قرر بعض قادة الجيش الأمريكي بتغيير الخطة والتخلص من فيديل كاسترو بتدخل عسكري مباشر من الجيش الأمريكي، لذلك بحثوا عن الذرائع التي من شأنها أن توفر مسوغاً لتدخل عسكري أمريكي في كوبا.
ثُمَّ أتت هيئة الأركان المشتركة، بقيادة الجنرال ليمان ليمنيتزر، بفكرة عملية سرية شملت سلسلة من الهجمات المضللة حملت اسم “العملية Northwoods”.
طرحت العملية Northwoods عدداً من الاستراتيجيات. أشارت إحداها إلى تدبير “حوادث في منطقة غوانتانامو على الحدود مع كوبا، ليبدو الأمر وكأنَّ القاعدة الأمريكية على الجزيرة تتعرَّض للهجوم. واستخدام الشائعات والعملاء الكوبيين والجنازات الوهمية لجنود أمريكيين، لجعل الهجوم يبدو حقيقياً.
واقترحت هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، إعداد “حملة هجمات إرهابية” في واشنطن العاصمة أو فلوريدا من شأنها أن تستهدف المدنيين الأمريكيين، واتهام كوبا، وتزييف حادثة إسقاط طائرة مدنية أمريكية، وتلفيق أدلة على أن طائرة كوبية قد هاجمتها.
واقترحت أيضاً إغراق زوارق لاجئين كوبيين، “حقيقةً أو تمثيلاً”، ومهاجمة لاجئين كوبيين في دول عدة، في سلسلة تفجيرات، وتلفيق أدلة تشير إلى أنَّ كوبا أرادت مهاجمة دول في أمريكا الجنوبية، لتأليب الرأي العام الدولي ضدها.
ولكن الرئيس الأمريكي جون كينيدي، لم يوافق على العملية، لأنه لم تكن لديه الرغبة في استخدام القوة العسكرية المباشرة ضد كوبا كما كانت تقتضي الخطة.
عملية Underworld: عندما تعاونت الحكومة الأمريكية مع المافيا
في يوم 9 فبراير/شباط 1942 وأثناء الحرب العالمية الثانية، شبّ حريق في السفينة العسكرية الأمريكية “SS Normandie”، والتي كانت ترسو في ميناء مانهاتن في ولاية نيويورك، على الرغم من أن الشهود أفادوا بأن سبب الحريق كان خطأ بشرياً أثناء عمليات اللحام.
لكن مكتب المخابرات البحرية الأمريكي، كان قلقاً للغاية بشأن جواسيس العدو الذين ربما يقومون بعمليات تخريب، خاصة الإيطاليون العاملون في المرسى، الذين شكت الحكومة الأمريكية، بأنه ربما يكون بينهم موالين للزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني، لذا تعاونت الحكومة الأمريكية مع المافيا الإيطالية التي كانت تسيطر على الموانئ ونقابات العمال هناك.
ووفقاً لشبكة History، تواصل العملاء الفيدراليون مع عضو من عائلة لوتشيانو الإجرامية، الذي سهّل لبعضهم الدخول والعمل في الميناء للتجسس على العمال، والتعاون مع لوكي لوتشيانو، زعيم المافيا، الذي كان يقضي حينها حكماً مطولاً بالسجن.
مقابل تخفيف الحكم، أمر لوتشيانو رجاله بالتجسس لصالح المخابرات الأمريكية، وأن يُبلِغوا عن أي نشاط مثير للشك في الموانئ، ولم يكن ذلك هو كل ما فعله الزعيم الإجرامي لمساعدة الحكومة خلال الحرب العالمية الثانية.
فعندما شنَّ الحلفاء عام 1943 العملية “Husky” لغزو جزيرة صقلية، تعاونت الحكومة الأمريكية مرة أخرى مع المافيا، هذه المرة لم يكن لوتشيانو وحده، بل العديد من رجال المافيا من أصول صقلية، الذين قدموا للحكومة الأمريكية خرائط وصوراً استراتيجية، بل جنّدوا مواطنين وأفراد مافيا متعاطفين في داخل صقلية.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومكافأة على خدماته تم العفو عن لوتشيانو وترحيله إلى إيطاليا.
العملية السرية “MK-Ultra” للتحكم بالدماغ
قد تكون وسائل الضغط النفسي والابتزاز والإقناع مقابل المال، أشهر طرق المخابرات الأمريكية لتجنيد العملاء، لكن في الخمسينيات، أثناء أجواء الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، بدأت المخابرات الأمريكية أبحاثها لتطوير تكنولوجيا التحكم بالدماغ وغسل المخ، فأطلقت برنامجها الخاص تحت اسم “MK-Ultra”.
خلال أكثر من 10 سنوات، تركزت أبحاث المخابرات الأمريكية على إيجاد عقار كيميائي للتحكم بالدماغ، ويعتقد أنه تم استخدام مادة ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك “LSD”، والتي تعتبر من “المهلوسات القوية”، والتي كانت جرعة صغيرة جداً منها، تكفي لإحداث اضطرابات في الرؤية، وردود فعل نفسية سلبية حادة مثل القلق، وجنون العظمة، والأوهام.
ووفقاً لمجلة Smithsonian الأمريكية، كان تطبيق واختبارات ذلك البرنامج، حدثت داخل الولايات المتحدة وخارجها وشملت 80 مؤسسة و185 باحثاً، لم يكن يعلم الكثير منهم أنهم يعملون لصالح المخابرات الأمريكية.
أما الأشخاص الذين تم إجراء التجارب عليهم فلم يعلموا ما هي تلك المادة التي يتعاطونها، وتم خداعهم على أنها علاجات طبية لعلاج السرطان أو الأمراض النفسية، أو حتى للمساعدة على التخلص من الإدمان على المخدرات.
وتم إعطاء عقار “LSD” للسجناء ومدمني المخدرات والعاملين في عالم الجنس ومرضى السرطان في مراحله النهائية.
في واحدة من التجارب استهدفت المخابرات الأمريكية الرجال في بيوت الدعارة، في عملية حملت اسم “Midnight Climax” “نشوة منتصف الليل”، ومنحتهم عقار “LSD”، وراقبت سلوكهم من خلف مرآة ذات وجهين.
في تجارب أخرى كان السجناء هم فئران التجارب في تلك العمليات، أحدهم هو زعيم العصابات وايتي بولغر. الذي زعم عام 1957، أنَّه مُنَح مادة “LSD بشكل يومي لمدة عام، بعد خداعه بأنه يتناول علاجاً لانفصام الشخصية.
ولكن تفاصيل ذلك البرنامج ضاعت بعد إتلاف معظم السجلات الرسمية الخاصة به عام 1973، ولا يُعلم على وجه اليقين هل نجح برنامج MK-Ultra في تحقيق أهدافه في التحكم في الدماغ البشري أم لا، لكن من المعروف أنه قدم عقار الهلوسة “ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك” للأمريكيين.
عملية PBSuccess: عندما دبّرت المخابرات الأمريكية انقلاباً عسكرياً طمعاً في “الفاكهة”!
عام 1954 دبّرت المخابرات الأمريكية مؤامرة، بالنيابة عن شركة الفواكه المتحدة ضد الرئيس الغواتيمالي “جاكوبو أربينز”، وأنهى هذا الانقلاب الفترة الحقيقية الأولى للديمقراطية التي عرفتها غواتيمالا.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت في البداية داعمة للرئيس “أربينز”، وشعرت وزارة الخارجية أن تقوية “أربينز” من خلال الجيش المدرب والمسلح من قبل الولايات المتحدة، سيجعله أحد حلفائها، فإن العلاقة توترت عندما حاول أربينز إجراء سلسلة من الإصلاحات على قانون تملك الأراضي الزراعية.
الأمر الذي هدّد نفوذ “شركة الفواكه المتحدة” الأمريكية والتي كانت تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، فدبّرت المخابرات الأمريكية -بتحريض ومساهمة من شركة الفواكه- انقلاباً عسكرياً في غواتيمالا، وبموافقة الرئيس أيزنهاور، أطلقوا العملية PBSuccess.
تضمنت الخطة تقديم السلاح والمال للجماعات المعارضة للحكومة المنتخبة، وكانت تلك الجماعات بقيادة شخص يدعى كاستيلو أرماس والذي كان موالياً لأمريكا، وبثت المخابرات الأمريكية الاشاعات عن طريق محطة إذاعية حملت اسم “Voice of Liberation” (صوت التحرير).
وفقاً لصحيفة The Washington Post الأمريكية، نشرت الإذاعة الخوف ومعلومات مضللة من خلال بث رسائل مثل: “ليس صحيحاً أنَّه جرى تسميم مياه بحيرة أتيتلان. ولا يمكننا من مقر قيادتنا هنا في الأدغال أن نؤكد أو ننفي التقرير بشأن امتلاك كاستيلو أرماس جيشاً مؤلفاً من 5 آلاف رجل”.
أجبر انقلاب عام 1954 أربينز على التنحي عن السلطة، مما سمح بتولي المجالس العسكرية الحكم، لتدخل البلاد بعدها دوامة الحكومات العسكرية التي دمرت الاقتصاد، ودخول البلاد حرباً أهلية، لأكثر من نصف قرن، راح ضحيتها نحو 200 ألف شخص، في ما يشير إليه كثيرون اليوم باسم “المحرقة الصامتة” أو “المذبحة الغواتيمالية”.
وظهرت التفاصيل السرية لتورط وكالة المخابرات المركزية في الإطاحة بالزعيم الغواتيمالي، بعد رفع السرية عن تلك العملية عام 1999.
عملية Acoustic Kitty (الهريرة الصوتية): القطة الجاسوس بـ20 مليون دولار، لكنّها فشلت فشلاً ذريعاً.
خلال فترة الحرب الباردة، لم تدخر المخابرات الأمريكية أي جهد، لجمع المعلومات عن الاتحاد السوفييتي، وجربت جميع طرق التجسس؛ مثل أجهزة التنصت والمراقبة، أو تجنيد العملاء والجواسيس، وحدث ذات مرة أن مزجت بين الاثنين ودمجت أجهزة التنصّت والمراقبة داخل جسم الجاسوس.
وعن طريق عمليات جراحية معقدة، زرعت في أذنه ميكروفوناً لتسجيل الصوت، ووضعت جهاز الإرسال أسفل جمجمته، أما الهوائي لإرسال الإشارات فزرعته على طول عموده الفقري وذيله!، نعم ذيله، فالجاسوس هذه المرة لم يكن سوى قط عادي. في عملية حملت اسم “Acoustic Kitty”
بعد 5 سنوات من التدريب والتحضير وصناعة الأجهزة وتجربتها وزراعتها داخل القطة، والتأكد من أنها تعمل بشكل جيد، وصلت تكلفة العملية برمتها إلى حوالي 20 مليون دولار، وبعد كل تلك السنوات من التدريب داخل المختبر، والملايين التي صرفت على الخطة وتطوير الأجهزة، حان وقت تجربتها في الميدان.
فانطلق عملاء المخابرات الأمريكية إلى حديقة عامة في شاحنة صغيرة، فتحوا الباب وأعطوا “القط الجاسوس” مهمته الأولى، التسلل إلى رجلين يجلسان على مقعد قريب والتنصت على محادثتهما.
قال “فيكتور ماركيتي“، المساعد الخاص السابق لمدير الوكالة: “لقد أخرجوها من الشاحنة، ومباشرة جاءت سيارة أجرة ودهستها، وها هم جالسون في الشاحنة ينظرون إلى 5 سنوات من الجهد و20 مليوناً من التكاليف ميتة!”.
في النهاية خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أنه بالنظر إلى “العوامل البيئية والأمنية في استخدام هذه التقنية في بيئة خارجية لن يكون ذلك عملياً”.
مسدس النوبة القلبية: عملية سرية لصنع سلاح لا يمكن اكتشافه
في كثير من المرات تورّطت المخابرات الأمريكية في عمليات سرية لاغتيال أعدائها، وكانت واحدة من الأمور التي تحاول تطويرها هو التأكد من عدم وجود أدلة تربط عمليات الاغتيال بالجهة المنفذة، أو حتى لمحاولة جعلها تبدو ميتة طبيعية.
بعد فضيحة “ووترغيت” وتآكل الثقة في المؤسسات الأمريكية، طالب الكثير من الأمريكيين بمعرفة ما كانت وكالة الاستخبارات المركزية تفعله. وأنشأ السيناتور فرانك تشيرش عن ولاية أيداهو لجنة لمعرفة ذلك.
وانعقدت في 17 سبتمبر/أيلول 1975 جلسة استماع استثنائية في مجلس الشيوخ الأمريكي. فكان من ضمن ما كشفته اللجنة، عمليات سرية مثل MK-Ultra، وعملية حكومية مختلفة تُسمَّى “مشروع MKNOAMI”. ووجدت اللجنة أنَّ المخابرات الأمريكية كانت تعمل على أسلحة بيولوجية، بما في ذلك “مسدس للنوبة القلبية“.
كان المسدس يبدو شبيهاً بالمسدس العادي من طراز”Colt M1911″، لكن مع فارق أنه كان مزوداً بآلية إطلاق كهربائية ما يجعله صامتاً، ومزود بطلقات لها رأس شبيه بالإبرة، مصنوع من سم المحار ممزوج بماء تم تجميده.
كان بإمكان هذا المسدس أن يقتل شخصاً ما بسرعة وهدوء من مسافة 100 متر، وبمجرد إطلاق الرصاصة على الضحية، تذوب الإبرة. وبما أنَّ سم المحار هو سم غير قابل للاكتشاف، سيظهر سبب الوفاة لأي طبيب دوماً على أنَّه نوبة قلبية عادية.
خلال جلسة الاستماع اعترف مدير المخابرات الأمريكية حينها قائلاً: “جرى تطوير مسدس خاص يمكن أن يكون قادراً على الدخول إلى الهدف دون ترك أثر. من المستحيل اكتشاف أنَّ الهدف قد تعرَّض لاستهداف”.
وتماماً كما اختفت وثائق برنامج MK-Ultra الخاص باستخدام عقار الهلوسة والتحكم بالدماغ، اختفى المسدس والسجلات الرسمية المتعلقة به.
المشروع Thor (ثور): عملية سرية لوضع أسلحة في الفضاء
استخدم الجيش الأمريكي في حرب فيتنام بعض الأسلحة التجريبية، منها قنابل “Lazy Dog”، والتي كانت عبارة عن قطع فولاذية صلبة ذات زعانف أشبه برصاصة عملاقة منها بالقنابل المتفجرة.
وبحسب موقع We Are The Mighty العسكري، طُوِّرَت هذه الفكرة تحت مسمى “مشروع ثور”. لكن بدلاً من إلقاء قطع الفولاذ من ارتفاع 914 متراً تقريباً، ابتكر سلاح الجو الأمريكي خطة لإلقاء قضبان عملاقة بطول 6 أمتار تقريباً وقطر 30 سم تقريباً من الفضاء الخارجي.
والسقوط من هذا الارتفاع وبمساعدة الجاذبية الأرضية يمكن أن تصل سرعة تلك القضبان إلى 805 كم/ساعة تقريباً مثل سابقاتها، ويمكن أن ترتطم بالأرض بعشرة أضعاف سرعة الصوت.
والتأثير المدمر لتلك القضبان، يمكن أن يخترق الارض بسهولة، حتى المخابئ الحصينة تحت الأرض، ويمكن أن يحدث انفجار يكافئ قنبلة نووية، دون أن تتسبب في التداعيات النووية مثل الإشعاع النووي والتلوث.
لحسن الحظ لا يزال هذا السلاح مجرد فكرة، لكن لا نعلم إذا كان سيتم تنفيذها يوماً ما، لكن وفقاً لموقع Business Insider الأمريكي، كان التفكير في إمكانية تنفيذها مستمراً حتى وقت إدارة جورج بوش الابن”، من أجل ضرب المواقع النووية تحت الأرض في البلدان المارقة في السنوات التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول”.