تمتلك إيران سجلاً حافلاً بانتهاكات حقوق الإنسان، ولا تمتنع أجهزتها الأمنية عن قمع المعارضين أمام أعين المجتمع الدولي، وصولاً إلى قتلهم أمام عدسات الكاميرات التي وثقت العديد من عمليات القتل المتعمد لمشاركين في الاحتجاجات السلمية.
وبعيداً عن الأعين، تُتهم إيران بإدارة آلة التعذيب في عشرات السجون المنتشرة في أنحاء البلاد، مثل سجون قيزيل حصار، وبوشهر، ولاكان، وسجن تبريز المركزي، إضافة إلى مراكز الاعتقال التي يديرها الحرس الثوري.
وفيما “تفضح” شهادات الناجين وتقارير المنظمات الحقوقية جانباً يسيراً من تلك الانتهاكات، فإن الجانب الأكبر يبقى أسيراً خلف جدران السجون. حريق سجن “إيفين” في 16 أكتوبر الجاري، الذي نتج عنه مقتل وإصابة عشرات السجناء والموقوفين، أعاد تسليط الضوء على واقع السجون الإيرانية، والانتهاكات التي تمارس داخلها.
في هذا التقرير نلقي الضوء على ثلاثة سجون إيرانية ذاع حصيتها على صعيد الانتهاكات الحقوقية.
سجن “إيفين”.. من الشاه إلى الخميني
على سفح جبل أليرز بالقرب منطقة سعادت آباد شمال غرب العاصمة طهران، يتمدد على مساحة تقدر بـ 43 هكتار، سجن “إيفين”، واحد من أسوأ السجون الإيرانية سمعة، وأكثرها حضوراً في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.
شُيّد السجن عام 1972 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران، وأنيطت مهمة إدارته بجهاز المخابرات والأمن القومي “السافاك”، حيث خصّصه للمعارضين السياسيين.
بلغت طاقة الاستيعابية عند الافتتاح 320 سجيناً، يتوزعون على الهاجع والزنازين الانفرادية، وفي عضون خمس سنوات، ومع تنامي المعارضة السياسية لحكم الشاه، شهد السجن أعمال توسعة رفعت طاقته الاستيعابية إلى أكثر من 1500 سجين.
في العام 1979، أطاحت “الثورة الإسلامية” بحكم الشاه، لكنها لم تطح بسجن “إيفين”، الذي أحيط بعناية حكام إيران الجدد، عناية تمثلت بعمليات توسعة رفعت طاقته الاستيعابية إلى قرابة 15 ألف سجين، وإلحاق إدارته بجهاز المخابرات والحرس الثوري.
وتنقل تقارير حقوقية عن سجناء سابقين قيام السلطات الإيرانية بـ “تَكديس” السجناء داخل “إيفين”، بما يفوق طاقته، لاسيما خلال الانتفاضات الشعبية.
تصميم السجن وأدوات التعذيب تعتبر من أسرار الدولة العميقة، وفيما ترفض السلطات الإيرانية فتح أبوابه أمام المنظمات الحقوقية، تقدم شهادات سجناء سابقين صورة عن السجن والانتهاكات التي تمارس خلف أسواره، وبحسب الشهادات يضمّ السجن للإعدامات، وغرف استجواب تحت الأرض.
شهد “إيفين” العديد من الانتهاكات، من أشهرها مجزرة “تبيض السجون” التي حدثت في العام 1988، بعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية، وجرى خلالها إعدام آلاف السجناء في مختلف السجون الإيرانية، خارج نطاق سلطة القضاء.
وبسبب سجله الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، أدرجت الحكومة الأميركية في العام 2018 السجن ضمن القائمة السوداء.
وفي آب/أغسطس 2021، فضحت لقطات مسرّبة من داخل السجن جانبًا من التعذيب “الوحشي” الممارس بحق السجناء.
وبحسب منظمة العفو الدولية التي حلّلت 16 مقطعاً مسرّباً، فقد تراوحت عمليات التعذيب بين عمليات الضرب العنيف والتحرش الجنسي والإهمال المتعمد وسوء المعاملة بحق من يحتاجون إلى رعاية طبية، كذلك وثّقت المنظمة لعمليات بتر لأعضاء السجناء دون تخدير.
سجن “كوهردشت”.. أسماء عدة لـ “وصمة العار”
تتعدد أسماء سجن “كوهردشت” الواقع غرب العاصمة طهران، فيطلق عليه الإيرانيون “كوهردشت” نسبة إلى البلدة التي يوجد فيها، وفيما يطلق عليه آخرون سجن “الكرج” نسبة إلى المدينة، وغيرها من الأسماء مثل “رجائي شهر” و “جوهر داشت”.
أسماء يختصرها المعارضون الإيرانيون بـ “سجن الموت”، فيما تصف منظمات حقوقية الممارسات التي تحدث داخله بـ “وصمة العار”.
شُيّد السجن عام 1981، لتخفيف الضغط عن سجن “إيفين”، ويقول سجناء سابقون في شهادتهم إن السجن كان بمثابة عقاب للسجناء الذين يصمدون تحت التعذيب في سجن “إيفين” وغيرها من السجون.
استخدم السجن بعد وقت قصير من تشيده مسرحاً للإعدامات التي طالت مؤيدي النظام الملكي، كما كان أحد السجون التي نفذت فيها مجزرة “تبيض السجون” في العام 1988.
يمتلك الحرس الثوري زنازين داخل السحن يستعملها لاحتجاز وتعذيب من يصفهم بالعملاء.
وبرز اسم السجن في التقارير التي تنتقد الإعدامات الجماعية التي ينفذها النظام الإيراني على أسس مذهبية وطائفية، إذ شهد في أغسطس 2016 إعدام عشرين سجيناً سنياً دفعة واحدة، الأمر الذي وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش، بإنه “تراجع معيب في سجل إيران لحقوق الإنسان”.
ووفقًا العفو الدولية يعتبر العنبر 10 المخصص للسجناء السياسيين أسوأ العنابر، حيث يتعرض للتعذيب، والإهمال الطبي، والحرمان من الاتصال بعائلاتهم.
في العام 2018 أدرجت الولايات المتحدة الأميركية مدير السجن غلام رضا ضيائي على قائمة العقوبات، لاتهامه بإعطاء الأوامر للقيام بانتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان.
سجن “قرتشك” نساء بلا علاج
يقعُ سجن “قرتشك” المخصص للنساء في منطقة صحراوية قاحلة بمدينة ورامين، شرق العاصمة طهران، وتبلغ إجمالي مساحة السجن 1500 متر مربع، وتقدر طاقته الاستيعابية بـ 2000 سجينة.
تتعمد السلطات الإيرانية سجن النساء دون اتباع فرز بينهن بناء على طبيعة الجريمة المرتكبة، وهو ما يعرض العديد من السجينات من الناشطات الحقوقيات لحوادث عنف، كما تنقل تقارير حقوقية عن ناشطات سُجن في “قرتشك”.
وتطارد السطات الإيرانية اتهامات حقوقية بارتكاب “فظائع” بحق السجينات، حيت يتعرض للضرب المستمر، والاغتصاب، والشتم، وفقاً لتقارير صادرة عن منظمات إيرانية من بينها الجمعية الإيرانية لحقوق الإنسان.
وبحسب منظمات حقوقية، يعتبر السجن من أسوأ السجون الإيرانية على صعيد الرعاية الصحية، إذا تمارس سلطاته الإهمال الطبي، كما تمتنع عن إدخال الأدوية للسجينات.
منظمة مراسلون بلا حدود وصفت سجن “قرتشك” بإنه “معروف خصوصا لظروفه الصحية المروعة المخالفة لجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان”.
ومن أحدث الأمثلة على التعذيب من خلال الحرمان من العلاج، قيام إدارة السجن بحرمان الناشطة نرجس محمدي التي تقضي عقوبة بالسجن عشر سنوات وثمانية أشهر من الحصول على أدوية الرئة، وفقاً لبيان منظمة العفو الدولية الصادر في يونيو 2022.