قدم معهد “المجلس الأطلسي” الأمريكي ملخصاً لمؤتمر نظمه حول العراق استمر ليومين في العاصمة واشنطن، شارك فيه العديد من صناع القرار وكبار الخبراء والباحثين الامريكيين والعراقيين، وذلك تحت عنوان “الاضطرابات والانتقال: العراق بعد عشرين عاما من الغزو”، في محاولة لرسم صورة للعراق خلال العقدين الماضيين، وتحديد الفرص والاحتمالات التي تواجهها الأجيال الجديدة في العراق.
وفي التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أوضح المعهد الأمريكي أن المؤتمر انعقد يومي 25 و26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتضمن خطابات ونقاشات تتعلق بالمشهد الامني في العراق، والدور الاقليمي في القيام بوساطات والسياسة الخارجية عموما، بالاضافة الى قطاع الطاقة، وجهود التعامل مع التحديات المناخية، الى جانب ما يواجهه العراق من تحديات تتعلق بانتقاله الى الديمقراطية.
شرق أوسط تكاملي
وفيما يتعلق باليوم الأول من المؤتمر، لخص التقرير أجزاء من كلمة ألقتها نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران والدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الامريكية جينيفر جافيتو، تناولت فيها جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعي من اجل اقامة شرق اوسط تكامليا بشكل أكبر وذلك من خلال تسريع الدعم للشركاء الاقليميين، بمن فيهم العراق.
وبالإضافة الى ذلك، بحثت جافيتو ايضا مسألة الشراكة المثمرة بين الولايات المتحدة والعراق، وشددت على ان العراق برغم من انه واجه وتجاوز العديد من التحديات، إلا أنه يواجه تحديات جديدة حاليا، بما في ذلك البطالة ونقص الكهرباء، معتبرة أن الحكومة الجديدة تتحمل المسؤولية من أجل وضع سياسات تحقق التحسين في حياة المواطنين والحد من الفساد.
وبحسب المسؤولة الامريكية، فإن شباب العراق هم موارده الأكثر أهمية، حيث أن 60% من سكان البلد هم دون الـ25 من العمر.
الامن ومكافحة الارهاب
وتحت عنوان القوات المسلحة والأمن ومكافحة الإرهاب، تحدث رئيس جهاز مكافحة الارهاب الفريق اول الركن عبد الوهاب الساعدي الذي أكد ان التحديات الامنية تقع في صميم كل المشكلات في العراق، خصوصا منذ العام 2003، على الرغم من أن الولايات المتحدة ساعدت في تطوير قدرات الجيش العراقي.
ونقل التقرير عن الساعدي قوله إن الجيش ما يزال يحتاج الى عملية تطوير كبيرة ويحاول القيام بذلك بمساعدة وزارة الداخلية وغيرها من المؤسسات الحكومية.
من جهته، تحدث الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي مايكل دي باربيرو، حول اهمية استمرار مساعدات الولايات المتحدة ودعمها للعراق وانما شريطة معالجة الفساد والتعامل مع “النفوذ الخبيث” لايران، وذلك الى جانب استمرار نشاط المخابرات الامريكية ميدانيا بهدف مكافحة الارهاب في العراق.
كما شدد الجنرال باربيرو ايضا على اهمية الحد من الفساد والتخلص منه في داخل المؤسسات الامنية في حكومة اقليم كوردستان.
اتفاقية الاطار الاستراتيجي
أما وزير الخارجية العراقي الاسبق محمد علي الحكيم، فقد تحدث عن اهمية اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، معتبرا أنها تمثل الاساس للعلاقات الثنائية بين البلدين، لكنه اشار الى ضرورة ان يوازن العراق علاقاته مع كل من الولايات المتحدة وإيران.
ودعا الحكيم العراق الى استقطاب المزيد من شركات القطاع الخاص، ما من شأنه ان يؤدي الى تعزيز الحوار السياسي مع الولايات المتحدة، بالاضافة الى تطوير الاقتصاد والوضع الامني في البلد.
كما دعا الحكيم الى تفعيل استغلال الطاقة المتجددة على غرار ما تقوم به مصر، حيث يتمتع العراق بوفرة من الشمس من أجل توليد الطاقة.
مرحلة الكاظمي
وتحت عنوان “العراق في المنطقة”، تناول الباحث في “المجلس الأطلسي” عباس كاظم مرحلة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كما تناول فكرة أن الضعف داخليا يفتح الباب أمام النفوذ والتدخل الخارجي، واكد على اهمية ان يتعافى العراق داخليا، من خلال التركيز على معالجة الانقسامات المدنية القائمة على أسس عرقية – طائفية.
أما المستشارة في مكتب وزير الخارجية بالمملكة السعودية منال رضوان فقد اعتبرت ان العراق تمكن من استعادة الثقة فيه في المنطقة، خاصة من جانب السعودية، برغم ان وكلاء ايران في العراق ما يزالون يشكلون قضية اساسية مهددة للسلم والأمن الإقليميين والدوليين.
واكدت رضوان على اهمية تقوية مؤسسات العراق، مضيفة ان على السعودية العمل مع العراقيين وغيرهم من الشركاء الدوليين من اجل تقوية العراق.
ومن جهته، تحدث القنصل العام السابق لتركيا في اربيل ايدين سيلجن عن العلاقة الوثيقة بين تركيا والعراق، خاصة تجاريا، مضيفا أن تركيا تشكل الطريق امام العراقيين كافة من أجل الترابط مع الغرب.
العراق وايران
أما الباحث البارز في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني سنام وكيل، فأشار الى ان ايران كانت سباقة بمدة 13 سنة بتطوير علاقات مع العراق، ولهذا فانها تعتبر اللاعب الاجنبي الاكثر اهمية في العراق حاليا.
وبحسب وكيل، فقد الحقت هذه العلاقة ضررا كبيرا بالاستقرار الداخلي للعراق، حيث استخدمت ايران العراق لتعزيز طموحاتها الإقليمية الأوسع.
الاصلاحات الدستورية
وبحث مدير مجلس الإدارة في “المجلس الأطلسي” اولين ويثينغتون، بمداخلته الترحيبية في اليوم الثاني من المؤتمر، الوضع غير المستقر للعراق والتطورات اللاحقة المتعلقة بالاخفاقات، بالإضافة إلى الحلول المحتملة لتحديات متعددة، كالاعتماد على الاصلاحات الدستورية.
وأبرز ويثينغتون فكرة ان العراق برغم كونه دولة تعتمد على النفط، إلا أن التحديات الهيكلية ما تزال ماثلة، اضافة الى ان الفرص التي يمثلها القطاع الخاص ما تزال محدودة.
وبحسب ويثينغتون، فإن الاحتجاجات الواسعة تعني أن هناك مظالم عامة وفقدان للصبر، خاصة بين الشبان، لافتا ايضا الى “الهشاشة السياسية” بسبب عدم التمكن من تشكيل حكومة جديدة طوال أكثر من عام منذ الانتخابات الاخيرة.
لكنه شدد على أن جيل الشباب يمثل مستقبل هذا البلد، مضيفا أن “صياغة المستقبل هو مهمتنا الجماعية الاساسية، وانه من هنا تأتي اولوية هذا المؤتمر”.
وأشار ويثينغتون إلى أن “الولايات المتحدة ملتزمة بشراكة استراتيجية مع شعب العراق وحكومته، وهي تسعى إلى دعم عراق مستقر ومزدهر وديمقراطي وموحد”.
الطاقة والاقتصاد والبيئة
وتحدث أيضا الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال ماجد جعفر، معتبرا ان قضية النفط لم تحدث بعد حرب اوكرانيا او وباء كورونا، مضيفا انه كان هناك “عجز هيكلي مزمن في النفط”.
واعتبر جعفر أنه في ظل نقص إمدادات الغاز، فإن على العراق ان يقوم بدور رئيسي في إمداد الأسواق العالمية بعد ان يلبي احتياجاته الخاصة من الطاقة.
من جهته، تناول وزير الكهرباء العراقي الأسبق لؤي الخطيب قضية الربط الكهربائي قائلا انه يحل ازمة الكهرباء في العراق.
ونقل التقرير عن سارة فاخشوري، وهي من مؤسسة “اس في بي انترناشيونال للطاقة” قولها ان بإمكان العراق ان يحقق استقلالا بالطاقة وفي مجال التخلص من الكربون، مؤكدة على اهمية استخراج الغاز الطبيعي وزيادة انتاج النفط.
ولفتت الى ان ان نقص الاستثمارات في مجال الوقود الاحفوري يشكل سببا رئيسيا لارتفاع أسعار الطاقة والنقص في امداداته، مشيرة الى ان مسائل انتاج الطاقة والأمن ما تزال حاضرة بسبب المشكلات المتعلقة بتنظيم الاستثمار التي تحول دون تقدم العراق محليا وعالميا.
الثقافة والتعليم والتكنولوجيا
قدم التقرير ملخصا لكلمة وزير الثقافة العراقي السابق حسن ناظم التي تناول فيها العراق في مجالات الثقافة والتعليم والتكنولوجيا، مناقشا قضايا لا تتمحور حول الأمن، حيث اكد على تصميم العراق على اعادة الإعمار وتجديد نفسه برغم كل التحديات الموجودة.
واكد ناظم ان العراق اصبح بمثابة مركزا للتوافق بينما كان مركزا للصراعات في الماضي، مشيرا الى علاقة العراق المتطورة بوضوح مع الولايات المتحدة، برغم التحديات السابقة والحالية.
التجربة الديمقراطية
وتحت عنوان “تجربة العراق الديمقراطية”، تحدث الدبلوماسي السابق فيصل الاسترابادي، الذي أسس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة انديانا الامريكية، مشيرا إلى أن المهمة الأكثر صعوبة أمام الحكومة العراقية الجديدة، تتمثل في خلق شعور بالثقة بين الشعب العراقي والحكومة.
لكن الاسترابادي اعتبر ان الفساد في العراق سيظل مستمرا ولن يتحقق اصلاح كبير.
من جهته، تطرق المستشار المستقل حول العراق ليث كبة، الى حركات الاحتجاج السابقة وتأثيرها، لكنه اعتبر أن “النظام المختل” لم يتمكن من إصلاح نفسه من الداخل، الا ان شباب العراق يجبرون النظام على التغيير.
اما النائب السابق في البرلمان العراقي سركوت شمس الدين، فقد لفت الى وجود افراداً مستقلين وإنما “عديمي الكفاءة” داخل النظام السياسي في العراق، وهو ما من شأنه ان يتسبب بعدم الدقة في عملية صناعة القرار داخل البرلمان.
وتابع قائلا إن البرلمان ما يزال فعليا تحت سيطرة الاحزاب السياسية الكبيرة أو “اللاعبين الأساسيين”.
ونقل التقرير عن البروفيسور في جامعة بوسطن شاميران ماكو، تشديده على إيجاد الوسائل امام الحكومة من أجل استعادة الثقة عبر توفير الإصلاحات المؤسساتية الضرورية، واتباع سياسات تصالحية بشكل أكبر.
وختم بالقول إن ما يشهده العراق لم يكن ديمقراطية فاعلة، وانما لعبة النخبة فيما يتعلق بكيفية إدارة عمل الحكومة.