في إحدى مكتبات مدينة ستوكهولم، وقع نظري على كتاب لرواية تحت عنوان ” قصة (( أو )) ” للكاتبة بولين رياج، الذي أثار فضولي لغرابة العنوان وجاذبية الغلاف فإستعرت الكتاب.
المقدمة تثير المفاجأة، أما احداث الرواية المرعبة فتثير الصدمة، وقد خدعتني في البداية معتقداً أنها واقعية، وجعلتني استنكر ولا أصدق بأن مثل هكذا أمور ممكن أن تحدث في القرن العشرين، وإن كان من صنع خيال الكاتبة، وفي بلد متحضر يدافع عن المرأة ويدعوا لمساواتها مع الرجل، وقد حقق المجتمع الفرنسي أنجازات كبيرة في هذا المجال، ولكن من الصعب أن تقرأ أو تسمع مثل هكذا فضائع التي تعرضت لها بطلة الرواية ومن معها، لما فيها من سادية وإهانة وتحقير للمرأة، حيث تعرضت إلى تعذيب جسدي ونفسي، مثل الضرب بالسياط وتعليق بالسلاسل، وثقب الجسد في مناطق حساسة لتثبيت حلقات حديد، و وشم بالنار أسم المالك على أفخاذهن، وأستغلال أجسادهن بطرق مُذلة …، والغريب في الرواية لم تُبدي البطلة والفتيات الأخريات أي رفض ومقاومة تُذكر، للممارسات التي تحط من كرامتهن، بل إنقادن كألقطيع وساهمن بتلبية طلبات اسيادهن من الرجال، وكأن ذلك قدر محتوم ومقدس ؟!
علماً أن مثل هذا يحدث في أقبية أجهزة الأمن للأنظمة الدكتاتورية والفاشية ! كما مارسته القوات النازية الألمانية، عند أحتلالها لأراضي الأتحاد السوفيتي، فقامت بأغتصاب الفتيات وحرق القرى مع سكانها أحياءاً، وتم توثيق ذلك بفلم مؤلم جداً شاهدته في موسكو تحت عنوان ( تعال وشاهد )( إيدي إي سماتري )! كما أن ممارسات داعش لاتقل وحشية !
والأكثر غرابة أن كاتبة الرواية الفرنسية أمرأة مثقفة وشخصية معروفة، فقد تخرجت من جامعة السوربون وعملت كصحفية ومترجمة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد ترجمت للفرنسية العديد من اعمال كتاب مشهورين، فحصلت على وسام جوقة الشرف، وكان سبب كتابتها للرواية هو، إرضاءً لعشيقها المتزوج الكاتب والصحفي (جان بولان) ولكي تحافظ على علاقتها معه، ولتُثبت له بأن المرأة تستطيع ان تكتب رواية إباحية، على عكس مما كان يعتقد ؟!
ولإدراك الراوية بأن ماكتبته سيثير موجة من السخط، فقد حرصت على عدم الكشف عن أسمها الحقيقي، فأستخدمت إسمين مستعارين (باولين رياج)و(دومينيك أوري)، وقد قامت شرطة الآداب الفرنسية بالتحري والتحقيق مع مترجمها للأنكليزية (موريس جيروداس) وكذلك الناشر، ولكن الكاتبة أنكرت علمها بأمر الرواية، فأهملت الشرطة الموضوع !
فازت الرواية بجائزة (دوكس ماغوتس)، وعند تسلّم الجائزة غطت الكاتبة رأسها و وجهها، بقطعة قماش لكي لايتم التعرف عليها ولم يُكشف عن عنوان سكنها !
الرواية الإباحية حققت مبيعات كبيرة، بل تحولت إلى فلم فرنسي ألماني عام 1975 من إخراج غوست جايكن.
وبعد أن توفى حبيبها ووالديها وشارف العمر على نهايته ( 1907 – 1998 )، وافقت الكاتبة على الكشف عن أسمها الحقيقي، في مقابلة مع الكاتب البريطاني (جون دي سانت جور) ليضم المفاجأة لكتابه، وتنتهي فصول أغرب رواية لكاتبتها الحقيقية ( آن ديكلو ).
05-11-2022