.
بعد نحو عقدين على إلغاء التجنيد الإجباري لـ”خدمة العلم”، يقرأ مجلس النواب العراقي الأحد مشروع قانون لإعادة العمل بالخدمة الإلزامية، التي كانت قد ألغيت عام 2003.
وتحدث رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، في تغريدة، الخميس، عن أهمية إعادة التجنيد الإجباري، وقال إنها تضمن “إعداد جيل من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، ملم بالحقوق والواجبات، ومتحفز لحفظ الدولة وسيادتها، ويسهم في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط والالتزام بالهوية الوطنية”.
إنَّ المضي بتشريع قانون "خدمة العلم" يضمن إعداد جيلٍ من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، مُلِمٍّ بالحقوق والواجبات، ومتحفِّز لحفظ الدولة وسيادتها، ويسهم في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط والالتزام بالهُوية الوطنية.
— محمد الحلبوسي (@AlHaLboosii) November 3, 2022
في مارس 2003 ألغى الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر قانون الخدمة الإلزامية، ليصبح الانضمام للجيش العراقي تطوعيا.
ويعتقد نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب سكفان يوسف سندي، أن مشروع قانون خدمة العلم “من أهم وأفضل القوانين التي سيصوت عليها البرلمان العراقي خلال الفصل التشريعي”.
ويوضح سندي في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن هذا القانون ستكون له “مخرجات ونتائج هامة، أبرزها تعزيز الشعور بالوطنية، الحد من البطالة، وتوحيد وتقرب مكونات الشباب العراقي بعضهم ببعض بعيدا عن عناصر الاختلاف أو الطوائف المختلفة”.
في المقابل، لا يرى الكاتب المحلل يحيى الكبيسي أي “مسوغات منطقية لإقرار القانون سوى محاولة استثماره انتخابيا بعد غلق باب التعيينات والعقود”. وحذر الكبيسي في تصريحات لموقع “الحرة” من محاولات عسكرة المجتمع العراقي، مضيفا أنه “في ظل الفساد المستشري في العراق لن تكون الخدمة الإلزامية سوى رشوة للمكلفين بها من جهة”، ومورد مالي للضباط الفاسدين من جهة ثانية.
وينص مشروع القانون على إعادة التجنيد الإلزامي لمدة عام ونصف، وبراتب شهري قدره 700 ألف دينار عراقي شهريا (أقل من 500 دولار) للمجند.
ويجادل الكبيسي بأن العراق لا يحتاج إلى مزيد من القوات المسلحة، واصفا مشروع القانون بأنه “نوع من العبثية والعشوائية” خاصة في “ظل وجود جيش مكون من 420 ألف منتسب، وجهاز مكافحة إرهاب مكون من 28 ألف منتسب، وحشد شعبي مكون من عدد غير معلن، لكن التقديرات تشير إلى أنه يتكون مما يزيد عن 220 ألف منتسب، وجهاز أمن وطني فيه عشرات آلاف منتسب، وقوات أمنية عددها 680 ألف منتسب، وما يقرب من 200 ألف في الشرطة الاتحادية التي لا تختلف كثيرا في تسليحها عن الجيش”، وفق معلوماته.
وكانت حكومة تصريف الأعمال، التي ترأسها مصطفى الكاظمي قد أقرت مشروع القانون في أغسطس 2021. واعتبر الكاظمي حينها إقرار الحكومة لمشروع القانون “إنجازا” لما “تعهد به منذ لحظمة تسلمه المسؤولية أمام الشعب والتاريخ”.
أنجزنا اليوم ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار "خدمة العَلم" التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا، وطرحنا مشروع "صندوق الأجيال" الذي سيحميهم من الاعتماد الكامل على النفط، ومعاً سنمضي إلى الانتخابات المبكرة وفاءً للوعد.
العراق خيارنا الوحيد.— Mustafa Al-Kadhimi مصطفى الكاظمي (@MAKadhimi) August 31, 2021
ووفق معلومات كشفها النائب سكفان سندي لموقع “الحرة” يشمل مشروع القانون الفئات العمرية (18 إلى 35 عاما)، وسيكون فيه مرونة في مدة الخدمة تعتمد على التحصيل العلمي. وستكون مدة الخدمة لمن أنهى الدراسة الابتدائية 18 شهرا، ولمن أنهى الدراسة الإعدادية ستكون الخدمة لمدة عام، ولمن أنهى درجة البكالوريوس تسعة أشهر، وللحاصلين على شهادات الماجستير 6 أشهر، و3 أشهر خدمة للحاصلين على درجة الدكتوراة.
وتأمل النائبة المستقلة، نور نافع الجليحاوي، أن ينهي إقرار مشروع القانون ما وصفته بـ”المحسوبية في الجيش العراقي، والتي اتسعت بعد 2003، وبما يؤدي إلى تحقيق المساواة بين جميع أبناء الشعب العراقي”.
وفي تصريح لموقع “الحرة”، أبدت النائبة الجليحاوي مخاوف من أن “القانون قد يعني عسكرة المجتمع العراقي من جديدة، وزيادة اتساع ظاهرة العسكرة”، إلا أنها ترى في الوقت ذاته أن هناك جانبا إيجابيا في تطبيق القانون بشكل صحيح، يتمثل في “تقويض وجود الميليشيات، بإضافة عناصر للجيش النظامي من دون محسوبيات، وبما لا يؤثر على وحدة وعقيدة القوات المسلحة”.
تحديات أمام “خدمة العلم”
وشدد الخبير الدستوري، علي التميمي على ضرورة “إعطاء الحرية في هذه الخدمة مقابل رواتب مجزية وبالتالي الحصول على نوع من الشباب المؤمنين بهذا الموضوع من حيث المبدأ كما في العديد من الدول حول العالم”.
ودعا التميمي إلى وجود “مرونة في القانون وعدم تطبيقة بالقسوة التي كانت سائدة قبل 2003”.
واعتبر الكبيسي أن “هذا القانون في حال تمريره سيضيف عبئا إضافيا على الموازنة العامة، فعدد المشمولين به سنويا سيكون بين 250 إلى 300 ألف شخص، وهذا يعني رواتب لا تقل عن 2 مليار دولار سنويا، فضلا عن ضعف هذا المبلغ لأغراض التدريب والتجهيزات”.
وأعرب الكبيسي عن مخاوفه من أن تكون “خدمة العلم أشبه بدورة تدريب لضم الشباب للمليشيات المسلحة”، وزعم أن “الحشد الشعبي بموجب القانون هو جزء من القوات المسلحة، وبالتالي سيضمن القانون مواد تتيح لهم الحصول على نسبة معينة من هؤلاء المكلفين ليتدربوا ويكونوا ضمن هذه المليشيات، وهو ما سيشمل قوة إضافية عدديا من جهة، وموردا ماليا ضخما إضافيا للحشد من جهة ثانية”.
وحذر الكبيسي من “خطر تنظيم الشباب عقائديا ليكونوا جزءا من المنظومة العقائدية لولاية الفقيه في العراق”.
وبحسب نسخة متداولة، لا يرد ذكر الحشد الشعبي في مسودة مشروع القانون، إلا إن الحشد يعتبر أحد تشكيلات القوات العراقية التي تتبع القائد العام للقوات المسلحة.
وقلل النائب سكفان سندي من شأن المخاوف من إعادة خدمة العلم في ظل وجود ميليشيات مسلحة عديدة في العراق، مؤكدا “أنها مخاوف في غير محلها”، مضيفا أن كل قانون يمكن النظر إليه بشكل “سلبي”، ولكن هذا “الأمر لا يعني عدم المضي في إقرار القانون الهام”.
وأوضح أن “الشباب العراقي يحتاج إلى تأهيل وتدريب”، وعلى عكس المخاوف “فهو سيوجد نوعا من التوازن داخل القوات العراقية بضمه شبابا من جميع الطوائف والفئات المختلفة”، مستبعدا أن هذا يعني بالضرورة “ضم الشباب للميليشيات المسلحة”.
لكن سندي يرى أن هناك عوائق قد تعترض تطبيق القانون، وفي مقدمتها “الإمكانات المادية، إذ سيتطلب تحديد مخصصات لبناء مراكز تدريب وصرف الرواتب للمجندين”، بحسب ما تحدث لموقع “الحرة”.
وترى النائبة الجليحاوي أنه قد “تكون هنالك تحديات عديدة أهمها احتمال عدم تطبيق القانون على الجميع خصوصا وأن سلطة الدولة غير مبسوطة على جميع مناطق البلاد”، ناهيك عن وجود “تحديات مالية”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها محاولات لإعادة تطبيق قانون الخدمة العسكرية، إذ تم طرحه أكثر من مرة خلال السنوات الماضية.
ويحمل العراقيون ذكريات قاسية جدا عن الخدمة العسكرية الإلزامية التي بدأت في العهد الملكي عام 1935 وما تلاها من مراحل سياسي. وكانت الغالبية العظمى من العراقيين يرغمون، خلال فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين، على البقاء أسرى لهذه الخدمة سنوات طويلة بسبب الحروب المتلاحقة.
وبلغ تعداد الجيش العراقي الذي كان يعد الأكبر في الشرق الاوسط، قرابة مليون مقاتل إبان حكم نظام صدام حسين، وكانت تترواح مدة الخدمة الإلزامية قانونا آنذاك بين 18 شهرا وثلاث سنوات، إلا أنها كانت تمتد إلى أكثر من ذلك بكثير.