صلاح حسن بابان
أنهى الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤتمره الـ14 بإعادة انتخاب مسعود البارزاني رئيسا للحزب للمرة السادسة على التوالي، وسط جدل مُحتدم يشير إليه مراقبون ويتمثل بصراع خفي بين أبرز قطبين فيه، بين رئيس الإقليم الحالي نيجيرفان البارزاني -نجل الشقيق الأكبر لمسعود- وبين رئيس حكومة كردستان مسرور البارزاني -النجل الأكبر لمسعود- على خلافة البارزاني الأب مستقبلا.
وكان مؤتمر الحزب قد انطلق الخميس الماضي بمدينة دهوك في إقليم كردستان العراق بعد تأخره لـ 12 عاما، وانتخب المؤتمر نائبين للرئيس وهما نيجيرفان ومسرور، خلافا لنظامه الداخلي الذي يؤكد وجود نائب واحد فقط، وهذا ما دفع الكثير من المراقبين لتأكيد وجود صراع خفي بين قيادات الحزب.
طريقة الانتخاب
وتمخض عن المؤتمر الذي شارك فيه 1032 مندوبا انتخاب 41 شخصا من بين 123 مرشحا لعضوية ثاني أعلى هيئة قيادية داخل الحزب “اللجنة المركزية”، التي
تتألف من 51 عضوا، في حين حجز 10 من “الصقور القدامى” مقاعدهم في اللجنة المذكورة بتزكية مباشرة من مسعود البارزاني بعيدا عن الانتخاب.
وكانت وسائل إعلام كردية قد كشفت، قبل انعقاد المؤتمر، عن وجود خلافات داخلية وصلت إلى حد “كسر العظم”، وظهرت ملامح ذلك جليا بصعود نحو 7 أعضاء فقط مقربين من نيجيرفان إلى اللجنة المركزية من مجموع 51 مقعدا تضمه اللجنة.
في الوقت ذاته، توسع نفوذ مسرور بعد صعود 22 عضوا جديدا إلى اللجنة المركزية، كان من أبرزهم من يوصف بـ “ظله الأمني” وزير الداخلية في حكومة كردستان ريبر أحمد، وفقا لوسائل إعلام كردية.
صراع على النفوذ
وبعد انتهاء مراسيم المؤتمر الأخير وانتخاب نائبين لرئيس الحزب، باتت وسائل الإعلام التابعة لنيجيرفان تُشير إليه بالنائب الأول وإلى مسرور بالنائب الثاني، في الوقت الذي اكتفت فيه وسائل الإعلام التابعة لمسرور بالإشارة إليهما بالنائبين فقط، الأمر الذي عدّه مراقبون دليلا على وجود صراع بين القطبين.
في غضون ذلك، يفسِر المحلل السياسي الكردي إحسان ملا فؤاد اختيار نائبين لرئيس الحزب -خلافا للنظام الداخلي- بأنه جاء بتوجيه من مسعود البارزاني لإخماد نيران الصراع بين نيجيرفان ومسرور، في الوقت الذي بات فيه دخان الصراع واضحا قبيل انعقاد المؤتمر من خلال تصفيات كبيرة بين الجناحين في جميع الأفرع الحزبية في إقليم كردستان.
وكان البازراني الأب قد طالب في كلمة له بنهاية المؤتمر، الأحد الماضي، كلا من نائبيه بتنفيذ وصيته والعمل بيد واحدة لكبح الشائعات التي تتحدث عن وجود صراع بينهما، على غرار الإشاعات التي كانت تشاع عنه وعن شقيقه الأكبر إدريس البارزاني -والد نيجيرفان- في سبعينيات القرن الماضي.
من جهته، يؤكد ملا فؤاد للجزيرة نت أن هذه الوصية من البارزاني الأب إشارة واضحة إلى وجود الصراع داخل العائلة الواحدة منذ ذلك الزمن وليس الآن، مشيرا إلى أن اختيار مسرور نائبا لرئيس الحزب ما هي إلا خطوة من خطوات مسعود وابنه لقطع الطريق على نيجيرفان من تسنّم زعامة الحزب مستقبلا، مؤكدا أن تطور الصراع بين قطبي الحزب بصورة أكبر مستقبلا يعتمد على بقاء مسعود البارزاني على قيد الحياة من عدمه، بحسب تعبير ملا فؤاد.
نقاط قوة القطبين
من جانبه، يقول الكاتب والصحفي المستقل سامان نوح، إن هناك منافسة داخل الحزب الديمقراطي منذ سنوات بين نيجيرفان ومسرور، سواء في أروقة الحكومة أو الحزب، بمحاولة كل طرف تعزيز نفوذه في المواقع الرئيسية واستقطاب كبار المسؤولين ضمن التنظيمات الحزبية كلٌ إلى جانبه.
ويضيف نوح في حديثه للجزيرة نت “كان متوقعا أن يكون لمسرور دور أكبر داخل الحزب، بعد أن نجح في تعزيز وضعه داخل المؤسسات الحكومية. وذلك الدور كان يتطلب وجوده في أعلى هيكلية سلم القيادة”.
ويصف اختيار نائبين لرئيس الحزب بـ “حل متوازن” بين الشخصيتين النافذتين في الحكومة والحزب وقيادة الإقليم، لمنع إثارة خلافات أو مشاكل كانت يمكن أن تحصل في حال تمّ إبعاد أحدهما على حساب الآخر، مؤكدا أن ذلك أجّل عمليا حسم من سيخلف الرئيس الحالي للحزب في المستقبل، وفق نوح.
وعن نقاط قوة كل من قطبي المنافسة، يُشير إلى أن قوة نيجيرفان تتمثل في علاقاته الداخلية الجيدة مع القوى الكردية والعراقية، بحكم قيادته منذ سنوات للدبلوماسية الكردية، وكذا الحال على المستوى الدولي والإقليمي مع تركيا وإيران، بينما تتمثل قوة مسرور على المستوى التنظيمي داخل الحزب وفي السلك الأمني وقد بات أكبر نفوذا في الحكومة مقارنة بابن عمه.
وبشأن نتائج المؤتمر، لفت نوح إلى التوزيع المناطقي للفائزين بعضوية اللجنة المركزية، إذ إن نصف قيادة الحزب الآن تمثل منطقة بادينان (دهوك)، والنصف الآخر من أربيل وكركوك والسليمانية، والأخيرة رغم ثقلها السكاني فإن حضور الحزب الديمقراطي فيها يتراجع لأسباب عديدة.
وبالعودة إلى ملا فؤاد، يبدو متفقا مع نوح بشأن نقاط قوة نيجيرفان وامتلاكه زمام جميع عقود ملفات النفط والغاز، الأمر الذي يُعزّز جبهته أكثر أمام ابن عمه، متوقعا أن يستمر مسرور في محاولاته معالجة جميع إشكاليات عقود النفط والغاز بين حكومة الإقليم التي يترأسها والحكومة الاتحادية في بغداد من أجل سحب بساطها من تحت يد ابن عمه نيجيرفان.
ليس هذا فقط، فوفق ملا فؤاد، يمتلك كل من نيجيرفان ومسرور مصالح اقتصادية عملاقة وآلات إعلامية ضخمة تمول شهريا بملايين الدولارات، متوقعا أن يستهدف مسرور جميع تلك المصالح والإمكانيات التابعة لنيجيرفان مستقبلا.
جناحان في طير واحد
وبالانتقال إلى الديمقراطي الكردستاني، فإن العضو البارز فيه ريبين سلام فند وجود صراع بين نيجيرفان ومسرور، مستندا بذلك إلى أن اختيار مسرور نائبا لرئيس الحزب جاء باقتراح من نيجيرفان وبحضور مسعود البارزاني.
وفي تعليق منه على وجود جناحين في الحزب يتمثلان بمسرور ونيجيرفان، يوضح سلام للجزيرة نت قائلا “إذا كان هناك جناحان فعلا، فهما في جسد طير واحد وهو الديمقراطي الكردستاني”.
وتابع سلام مؤكدا عدم وجود أي كتلة داخل الحزب باستثناء كتلة البارزاني فقط، مبينا أن هناك فرقا بين العمل من أجل المنافسة لتقديم الأفضل وبين الصراع من أجل محو الآخر، وأن الأخير غير موجود في الحزب.
مُخالفات قانونية
من جانبه، كشف القاضي والخبير في القانون الدستوري لطيف مصطفى عدة مخالفات للمنهاج الداخلي في المؤتمر 14 للحزب الديمقراطي الكردستاني، أبرزها مخالفة المؤتمر للمادتين 19 و22 من النظام الداخلي للحزب من خلال انتخاب نائبين لرئيس الحزب.
وتابع في حديثه للجزيرة نت أن المخالفة الأخرى تتمثل في تأخر انعقاد المؤتمر 12 عاما، الأمر الذي يعد “انتهاكا” للفقرة الثالثة من المادة 22 من النظام الداخلي، التي تحدد الفترة الانتخابية للمؤتمر بـ 4 سنوات فقط، حسب قوله.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يضيف إلى جملة تلك المخالفات، واحدة أخرى تتمثل بمخالفة انتخاب 10 شخصيات من أعضاء مجلس القيادة بناء على اقتراح وتزكية من رئيس الحزب والتصويت لهم بشكل علني، الأمر الذي ينتهك الفقرة الثانية من المادة 17 التي تتطلب انتخاب جميع الأعضاء الـ 51 للقيادة بالاقتراع السري.
ويختتم الخبير الدستوري لطيف مصطفى بالإشارة إلى أن السماح للمنتمين الجدد للحزب بالترشح للقيادة يعد انتهاكا للفقرة الثالثة من المادة 17 كذلك، حيث تحدد هذه الفقرة شرط 10 سنوات من العضوية للترشح لقيادة الحزب، بحسبه.
جدير بالذكر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان قد تأسس في 16 أغسطس/آب 1946 بزعامة مصطفى البارزاني (والد مسعود)، وأجرى الحزب حتى الآن 14 مؤتمرا انتخابيا داخليا، حيث يترأس مسعود البارزاني الحزب منذ 43 عاما بعد نيله الثقة في المؤتمر التاسع الذي انعقد عام 1979 خلفا لوالده.