مستشار
اثناء اكثر من زيارة الزعيم المرحوم (الفريق كمال مفتي- وزير الدفاع في حكومة إقليم كوردستان – ادارة السليمانية قبل زوال النظام وسقوط الصنم ٢٠٠٣ والمستشار العسكري لفخامة الرئيس المغفور له مام جلال اثناء تسنمه رئاسة جمهورية العراق فيما بعد) لمكتبنا (مكتب شؤون الايزيدية في أربيل أعوام ٢٠٠٧-٢٠١٦) كان يتحدث في أدق تفاصيل الأحداث منذ تخرجه من الكلية العسكرية (عام ١٩٥١) برتبة ملازم ثاني وعن مراحل أدائه الخدمة لأكثر من عقد من الزمان لينتهي به المطاف في الانضمام إلى الثورة التحررية الكوردية (ثورة أيلول ١٩٦١-١٩٧٥).
كنت افقد صوابي وأشعر بملل شديد وهو يستغرق في الكلام معظم وقت الزيارة، حضرت قلم ورزمة من أوراق مرغما وبدأت اسجل سنة وقوع الحدث، الشهر واليوم وحتى الساعة، الأماكن وجغرافيا منطقة الحدث الذي بصدده الحديث وبالتفصيل، اسماء الأشخاص المشاركة والذين لهم دور عند وقوع الحدث استعدادا لتحضير الامتحان (رغم مرور ما يقرب من ثلاثة عقود ونيف على تخرجي من الجامعة).
كنت أشعر بالرهبة والخوف من مسألة الاختبار الذي وعدني به ومن حدة احكامه المباشرة ومثاليته المفرطة ..
‘ مناورات حامية رواندوز عام ١٩٥٣، أعداد وإشراف على ملف اكاديمي حول استراتيجية القتال الجبلي (حرب العصابات) في قلعة عقرة عام ١٩٥٩ مع مجموعة اخرى من الضباط الميدانيين، المشاركة في الدورة الخاصة بأجهزة الانذار المبكر في معسكر الصويرة عام ١٩٦٠، تعلم فنون القتال والانزال واختيار ايعاز الانتشار والانسحاب التكتيكي في الحبانية عند الضرورة القصوى اوائل عام ١٩٦١، والإشراف على قوات حرس الحدود بعد التحاقه بصفوف الحركة الكوردية عام ١٩٦٣ في سيدكان وإلقاء المحاضرات على الدورة الخاصة بحرب الاستنزاف والهجوم المضاد في الأجواء الضبابية ١٩٦٧ في كلالة، المشاركة في المناورات العسكرية وبالذخيرة الحية في صحراء الرطبة استعدادا للمشاركة في حرب تشرين ١٩٧٣ في فلسطين، ووو…’
كنت أحاول أفهمه (متقصدا) ان لي التزامات ومهام تنتظرني، كان يقول:
‘ بما انك مهتم بشؤون وشجون أبناء ديانتك وتكتب وتنشر في الصحف والمجلات، واجب عليك الاستماع والقراءة والاهتمام دون توقف ..’.
وكان يضيف :
‘ ركز معي.. لا تشغل نفسك، ضع موبايلك جانبا الان .. سامتحنك فيما بعد يا عزيز.. لابد من تقييمك.. الاطلاع على قابلياتك الادارية.. ليكن في علمك مهم جدا مدى استيعابك وتحليلك للأحداث كونك تدير مؤسسة (كان يقصد ادارة مكتب شؤون الايزيدية) ..’.
كنت أود أن أقول له :
‘ ولكن يا سيدي ما علاقتي بنشاطك العسكري ودورك في الأحداث التي تتحدث عنها ومضى عليها الزمن، انها جزء من مذكراتك الخاصة يمكن الاطلاع عليها بعد تدوينها وجمعها وطبعها في كتاب ..’.
كان يتحدث ويتعمق في الكلام وهو يتصفح ويتطلع على مواضيع مجلة (زهرة نيسان) وجريدة (المدنية) ويتوقف عند كتاباتي لينظر في وجهي نظرات خاطفة متقطعة، كنت أشعر برعب خوفا من القادم من وجهة نظره تجاهي خاصة كان قد حذرني بالامتحان والتقييم.
كان المرحوم بحق مدرسة متكاملة للتعلم والاستفادة وكسب مزيد من المعلومات، كانت مسيرة سنين خدمته الحافلة بالنشاط والحيوية بمثابة كنز ثمين، نعم كان معجما ومصدرا لتعلم دروس في الوطنية والانتماء، الالتزام والتضحية، الشجاعة والحسم خاصة في المواقف وعند ساعات المحن بإصدار توجيهات وقرارات مصيرية، المواقف الإنسانية النبيلة، الادارة والتنظيم، التخطيط والبرمجة، النزاهة والاخلاص، الجدية والنجاح’.
كانت اسئلة الامتحان او بالأحرى سؤاله الوحيد عكس التوقع وسهلا للغاية حيث قال ‘ من المؤكد انتم وغيركم من الشباب (الجيل الحالي) ترغبون النجاح والتفوق ..؟! ‘.
قبل أن يسمح لي بالحديث واتاحة فرصة الكلام والاجابة، قال وهو على عجل من أمره إذ حضر سائقه الشخصي الذي أمره بالحضور عند الساعة السابعة مساءا اول حلوله ضيفا عندنا:
‘ نجاح القائد يعتمد على العديد من العوامل لكن هناك اهم مسالتان يستندان اليها كل ساع إلى النجاح ..
الاعتماد على النفس والاستقلالية مهما كانت الظروف وادامة العلاقات السليمة والتعاون والتنسيق مع جهات وأطراف يشتركون الاهداف والمصير نفسه – خاصة في حالتكم انتم أبناء الديانة الايزيدية ..’
للأسف غادر مسرعا دون أن اتمكن اخباره امر فشلنا الذريع نحن أبناء الديانة الايزيدية كمؤسسات حكومية خاصة بالايزيديين او منظمات مجتمع مدني مختصة بشؤون وشجون الايزيدية او افرادا وشخصيات ولا استعبد من الفشل حتى رموزنا من الدينيين والدنيويين ايضا حيث غياب الإدارة الرشيدة وافتقاد زمام المبادرة للدعوة الجادة في سبيل لم الشمل وبعث روح الاتفاق بين أبناء المكون الواحد لأسباب عديدة اهمها الخوف من الخلاص من القيود المفروضة على اغلبنا الايزيدي لتكن المزابل مكانهم والى الابد وطغيان المرض المزمن في بيئة الايزيديين اسمه (المصالح الشخصية) كونها أصبحت ملوثة وشيوع الافة المدمرة في واقعنا الايزيدي المتمثلة بالنظرة الحزبية الضيقة والتمسك بها واعتبارها مقدسة رغم الجهود الفردية والمحاولات الشخصية المبذولة من لدن البعض الايزيدي الغيور على المصير المجهول لل(ايزيدياتي) والمحافظة عليه وتواصل المحاولات لتصحيح المسار ومنع التدخلات من اناس مغرضة دون اية نتيجة تذكر، هنا وهناك ..
لنعد الى المسالة الأولى، كيف لي أن احافظ على استقلاليتي وانا ملزم بتنفيذ الأوامر العليا مهما كانت او اعتمد على نفسي وانا لا أمتلك غير مصدر مالي وحيد لا يكاد يكفي نفقات الإيجار والاحتياجات اليومية للمنتسبين يا سيد المستشار ..!؟.
أما عن سلامة العلاقات الشبه معدومة اصلا نتيجة التعميم الصادر من المصدر المخول إلى التوابع جميعا من الفروع وألاقسام وألافراد من الايزيديين في الطرف المقابل بعدم التعامل مع مكتبنا (الخاص بشؤون الايزيديين) كمؤسسة واعضاء بتاتا، اما مسألة التعاون والتنسيق الذي تنصحني به يا سيادة الفريق، لا تستغرب إذ اقول :
‘ المقابل (الايزيدي) يرفضني ويسعى الي محو اثاري٠٠٠’.
اسف واعتذر، هذه هي الحقيقة مع انها مرة (بضم الميم) لكن لابد الاعتراف بها وقولها علنا، أما الكارثة والاحباط في أمرنا الايزيدي تكمن في عدم ورود للجملة (المصلحة الايزيدية العليا) في اي بند او فقرة من بين مفردات فصول واجزاء قاموس الايزيدي المقدس ..!!.
يرحمك الله سيدي.
ملاحظة/
(زهرة نيسان) مجلة شهرية كانت تصدر من منظمة رابطة التاخي و التضامن الايزيدية في بعشيقة أعوام ( اواسط عام 2005 – لغاية حملة الابادة الاخيرة من قبل عصابات داعش التكفيرية الإرهابية في اب 2014 ضد الايزيديين عموما وايزيديي شنكال خصوصا) صدرت منها (٩٦ عدد).
(المدنية – شارستانیەت) جريدة نصف شهرية كانت تصدرها مكتب شؤون الايزيدية بين اعوام (٢٠٠٧ لغاية ٢٠١١) باللغة الكوردية والعربية صدرت منها (٥٩) عدد….