عندما تعرفت نور، على شاب (33 عاماً) كان يعمل حارساً لمبنى حكومي في العاصمة العراقية بغداد، لم تدرك آنذاك أنها بداية الطريق للعمل في ملهى ليلي.
عرفت نور لاحقاً أن لقاءهما لم يكن صدفة، إذ خطط لفترة من الزمن وكان بتابعها في الذهاب والإياب من مدرستها، حتى تقرّب منها، ثم استدرجها بعد شهور للقاء خاص بينهما، انتهى باغتصابها.
مخاوف نور التي تبلغ من العمر الآن 17 عاماً، من ممارسات الشاب في ابتزازها والتهديد بفضحها جعلت من المستحيل عليها الفرار منه، حتى قادها بنفسه ليغتصبها غيره مقابل بعض المال.
وخلال تلك الفترة، تحولت حياة الفتاة القاصر إلى خوف وقلق، خاصة أن أسرتها محافظة ومن الممكن أن تعمد لقتلها بذريعة “غسل العار”، لتقرر الهرب، بتدبير من الشاب نفسه، الذي أوصلها لفريق عمل غير نظامي، يزوّد النوادي الليلية بفتيات صغيرات.
وتأتي هذه القصة على لسان جنان (18 عاماً)، وهي زميلة نور في العمل، مردفةً لـ”ارفع صوتك”: “لم تتمكن نور من الفرار خشية القتل، ويتوزع عملها في النادي الليلي بين الرقص وخدمة الزبائن”.
توضح جنان: “عندما تعمل الفتاة في ناد ليلي، هذا يعني أن تقطع صلتها بكل من تعرفهم. كما لا يمكنها أن تتصرف إلا كشخص محتَجَز”.
لم تكن جميع الفتيات كمحتجزات في النوادي الليلية، إذ يعتمد الأمر على طريقة الدخول لهذا المكان، بحسب جنان، مضيفةً “هناك فرق بين إرغام الفتاة بعد توريطها للعمل وبين أن تعمل برغبتها دون ضغوط”.
أما عن قصة جنان الشخصية، تقول في البداية، إنها نشأت في حي تقليدي بمحافظة ميسان (شرقا)، واضطرت قبل أربع سنوات -بعد وفاة والدها- للعمل في النوادي الليلية بمدينة أربيل في إقليم كردستان (شمالا)، ثم في بغداد، لإعالة أسرتها التكونة من سبع فتيات صغيرات.
“وجودي هنا (في الملهى) كان نتيجة الفقر”، تؤكد جنان، لافتة إلى أن “أفراد أسرتها يجهلون طبيعة عملها، وكل ما يعرفونه أنها تعمل كخادمة في مطعم عائلي”.
توضح: “صغيرات السن مرغوبات في العمل بالنوادي الليلية، ولصعوبة الأمر تكون الوسيلة الأساسية توريطهن في علاقات مشبوهة واستدراجهن تحت ذريعة الفرار من القتل، ليحكموا استغلالهن”.
وتشير جنان إلى أن “الورطة تبدأ صغيرة حتى اللحظة التي تدخل فيها الفتاة النادي الليلي، ثم لن ينقذ الفتاة أي شيء، وسترتبط حياتها بقرار من تعمل بإمرته”.
وتتابع: “هناك الكثير من الفتيات اللواتي التقيتُ بهن في الملاهي الليلية، كنّ مرتبكات خائفات وحائرات، خاصة المتورطات والهاربات من أسرهن، فهن بنظرهم عاهرات يستوجب قتلهن للتخلص من عارهن”.
“بالفعل نحن عاهرات.. فهم يتاجرون بأجسادنا سواء بالرقص أو في خدمة الزبائن. وهذه الصفة تلاحقنا رغم أننا لا نقدم خدمات جنسية”، تقول جنان في ختام حديثها مع “ارفع صوتك”.
العنف والتفكك الأسري
على الرغم من أن “عمل القاصرات والأحداث ودخولهم إلى النوادي الليلية مخالف لقانون الأحداث، إذ تمنع وزارة الداخلية دخولهم إليها سواء كان لدواعي العمل أو الارتياد”، إلاّ أن الكثير من الفتيات يتم استغلالهن للعمل فيها.
تقول الناشطة الحقوقية تيسير فداء لـ”ارفع صوتك”، إن “قضية عمل الفتيات الصغيرات بالنوادي الليلية تزايدت في الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة لعل أهمها الفقر، والعنف والتفكك الأسري الذي يدفع هذه الفتاة أو تلك إلى أن تقيم علاقة عاطفية ومن دون سابق إنذار، غاية في الزواج والتخلص من بيئتها الخانقة، لتجد نفسها في ورطة كبيرة”.
وتؤكد أن “الجميع لن يرحمها وهي في ورطتها هذه، لذا فهي تضطر للفرار أو الهرب من أسرتها، وهنا تصبح فريسة سهلة يمكن التحكم بها والسيطرة عليها إما عبر التهديد بالفضيحة أو القتل”.
وفي وقت سابق، كشفت وزارة الداخلية عن وجود ظاهرة جديدة تتمثل بهروب الإناث من أسرهن، بحسب الناطق باسم الوزارة، اللواء خالد المحنا.
ترى فداء أن الحديث عن القانون وسلطته في هذا الشأن، تبدو “مدعاة للسخرية” لأن وجود القانون وتطبيقه لا يعني بالضرورة الحفاظ على حياة الضحية من العقاب والقتل الذي ينتظر مصيرها، فالسلطة بيد العشيرة والمجتمع لا القانون، وفق تعبيرها.
وتشير إلى أن الذين يتاجرون بالبشر “يفضلون دائما أن تكون الضحايا صغيرات بالسن حيث يسهل استغلالهن”.
وتذكر فداء قصة فتاة تواصلت معها، دفعها العنف الأسري الذي مارسه عليها والدها إلى الهرب لأكثر من ثلاث مرات آخرها كانت مع شاب، قام بإيهامها بالسفر معه إلى أربيل للزواج، وهناك ورطها بالعمل في ناد ليلي.
مكافحة الاتجار بالبشر
عندما يتم إنقاذ الفتيات من قبل الأجهزة التابعة لمكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية، خاصة اللواتي يتم إجبارهن على العمل في النوادي الليلية، يتم إيداعهن عادة، في “دار المتشردات” التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
يقول مدير تحقيق مكافحة الاتجار بالبشر في الكرخ العميد وسام نصيف الزبيدي لـ”ارفع صوتك”، إنه “أسهم من خلال عمله في إنقاذ الكثير من الفتيات اللواتي كنّ ضحايا استغلالهن في العمل في النوادي الليلية”.
“وأغلب الضحايا يتم استدراجهن عبر علاقات عاطفية ثم توريطهن بابتزازهن وتهديدهن لإجبارهن على تقديم خدمات جنسية أو العمل في النوادي الليلية”، يؤكد الزبيدي.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان، حذرت من تداعيات جريمة الاتجار بالبشر، فيما أشارت إلى أن بعض ضحاياها يخضعون للإجبار على الاشتراك في أعمال “دعارة”.
وفي عام 2020 تم اعتقال 500 متهم بقضايا الاتجار بالبشر، و400 آخرين خلال العام الماضي 2021، من بينهم 8 منتسبين في دوائر الدولة، وفق المتحدث باسم المفوضية علي البياتي.
دعاء يوسف