في الهند، تحظى البقرة بحالةٍ من التقديس لدى الديانة الهندوسية، التي تعتبرها رمزاً للأمومة، وتجسيداً للطاقة الإلهية على الأرض.
وفي طقوسٍ، لا يُمارسها سواهم، من حول العالم، فإن 900 مليون من أتباع الهندوسية في الهند، ودول شرق آسيا وغيرها، يقدّسون هذا الحيوان ويقدّمون له القرابين إلى يومنا هذا، كما يُشركونه في العديد من الاحتفالات الدينية المهمة.
بداية تقديس الحيوان في الديانة الهندوسية
منذ نشوء الهندوسية للمرة الأولى بالقرب من نهر إندوس في آسيا، قبل أكثر من 3000 عام تقريباً، كان احترام الحياة الحيوانية أساسياً في الحياة الهندوسية.
وبينما يقول العديد من العلماء إن الهندوس الأوائل كانوا يأكلون لحم البقر، فإن معظمهم في نهاية المطاف بدأوا يعتبرونه حيواناً مقدساً يجب احترامه، لا تناول لحمه.
تشير مجلة PBS الأمريكية، في تقريرٍ عن أهمية البقرة عند الهندوس، إلى أن المهاتما غاندي، الزعيم والقيادي الهندي، قد كتب ذات مرّة: “إذا سألني أحدهم عن أهم تجسيد خارجي لأخلاقيات الهندوسية، أودّ أن يكون ذلك فكرة حماية الأبقار”.
من تقديم البقر كقرابين إلى تقديسها
في الهندوسية، اكتسبت البقرة مكانةً مقدسة تدريجياً؛ فقد كان يُضحّى بها، مثل الحيوانات الأخرى، إلى الآلهة، وكان لحمها يؤكل.
تم دمج البقرة تدريجياً في طقوس الهندوس الدينية، وأصبحت نفسها مقدّسة وموضع تبجيل تحديداً منذ القرن الرابع قبل الميلاد.
اليوم، نادراً ما يأكل الهندوس البقر، الذين يمثلون حوالي 80% من سكان الهند، أو أي نوع من اللحوم. وبات استهلاك لحوم الحيوان من المحرّمات لأسبابٍ دينية.
حتى أن بعض الولايات الهندية أدخلت هذا المبدأ في نظامها القانوني، من خلال تمرير قوانين تحظر ذبح واستهلاك الأبقار.
أتباع الديانات الأخرى يستنكرون هذه القوانين، التي يُنظر إليها على أنها هجوم على حقوق الإنسان الأساسية، وتُعد شكلاً من أشكال التمييز ضد الطوائف الدينية الأخرى (المسلمة والمسيحية على وجه الخصوص) التي تسمح باستهلاك لحوم البقر.
ارتباط الحيوان بـ”كريشنا” في المعتقد الهندوسي
وعلى الرغم من عدم اتباع الهندوس مجموعة واحدة من القواعد بين كافة أطيافها، يتشاركون في تقديس الأبقار تقريباً، في جميع النصوص الدينية الرئيسية لديهم.
تُرجع بعض تلك الأطياف الهندوسية مكانة البقرة المقدسة إلى الزعيم المقدس “كريشنا”، أحد أهم الشخصيات المُتبعة في ذلك المُعتقد. إذ يُقال إنه ظهر منذ 5000 عام كراعٍ للأبقار في آسيا، وغالباً ما يوصَف بأنه “بالا-غوبالا“، ما يعني في العربية “الطفل الذي يحمي الأبقار”.
اسم آخر من أسماء كريشنا المقدسة، وهو جوفيندا، ما يعني “الشخص الذي يرضي الأبقار ويرعاها”. وتحدد الكتب المقدسة الأخرى البقرة على أنها “أم كل الحضارة”، وأن “حليبها” هو الزاد المقدس الذي يرعى البشر، وحتى أنها ابنة الإله ووسيلته لإعمار الأرض ورعاية البشر.
ذكر البقر في النصوص الهندوسية
تحتوي الكتب المقدسة الهندوسية، الفيدا، على أبيات تؤكد أنه من الخطيئة قتل الأبقار وأكل لحومها. تؤكد الفيدا أيضاً أنه يجب توفير الحماية للأبقار وحتى اليوم، تحظر العديد من الولايات الهندية ذبح الأبقار.
وقد تسببت هذه الشروط في اندلاع العديد من أحداث العنف والمجازر ضد المسلمين وغيرهم من مستهلكي اللحوم الحيوانية.
كذلك، فإن خيرات البقر من الحليب ومنتجات الألبان لها أهمية اجتماعية ودينية في الهند. وذلك لأن هذه المنتجات، مثل اللبن والحليب العضوي والحليب، توفر القوة والتغذية للجسم في معتقدهم، وبالتالي يكون لزاماً على البشر شكر هذا الحيوان وتقديره، باعتباره مصدراً للخير والرزق.
حتى أن حصان الزعيم المقدس في الهندوسية “شيفا”، ليس حيواناً عادياً، بل كان ثوراً مقدساً في إشارة إلى قدسية هذا الحيوان.
في السياق ذاته، يُستخدم روث البقر أيضاً كوقودٍ مهم في الهند. فهو غني بالميثان الذي يولّد الحرارة والكهرباء عند إعادة التدوير، كما يُعتبر روثها السماد المثالي الذي أطلق حركة الزراعة العضوية في الهند.
تأثير غاندي في حركة تجريم أكل البقر
بحلول القرن التاسع عشر، ظهرت حركة حماية الأبقار. كان اضطهاد المسلمين أحد الأهداف والمآلات الضمنية لهذه الحركة، بحسب مجلة The Conversation للمعرفة.
من المعروف أن غاندي حاول ترويج النباتية كمذهبٍ أساسي للعقيدة الهندوسية، وتحريم أكل لحوم البقر بصفة خاصة. وقد ارتبط موقف غاندي من الأبقار بفكرته عن اللاعنف والسلمية.
وفي ذلك استخدم صورة بقرة الأرض، تلك التي حلبتها إحدى الرموز الدينية البارزة في العقيدة الهندوسية، ويُدعى “بريثو” كنوع من تقدير الطبيعة، لكي يرمُز إلى الأُمة الهندية الهندوسية المُتخيلة.
وكان إصرار غاندي على حماية الأبقار، وتجريم استهلاكها غذائياً، عاملاً رئيسياً لفشله في جذب دعم المسلمين على نطاقٍ واسع في حركته الشعبية، وفقاً للموسوعة البريطانية بريتانيكا.
أدى هذا التداخل بين الأغراض السياسية والدينية بشكلٍ دوري إلى أعمال شغب معادية للمسلمين، ولعب الأمر في النهاية دوراً في تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وتأسيس دولتَي الهند ذات الغالبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة.
طقوس ومزايا غريبة تتمتع بها الأبقار في الهندوسية
اليوم، في الدول ذات الكثافة الهندوسية مثل الهند ونيبال وغيرهما، لا يزال الحليب يحتلّ مكانةً مركزية في الطقوس الدينية المختلفة.
وتكريماً لمكانتها السامية وخيرها الوفير، غالباً ما يُسمح للأبقار بالتجول في المدن بِحُريّة ومن دون قيود.
في الواقع، وفي بعض الأماكن، يُعتبر من حسن الحظ أن يقدّم الشخص وجبة خفيفة، أو القليل من الخبز أو الفاكهة لأي بقرة قريبة، قبل تناول الإفطار.
من ناحية أخرى، يُمكن إرسال مواطن إلى السجن في حال أقدم على قتل بقرة، أو جرحها، أو اعتراض طريقها.
على سبيل المثال، يشترك سكان مدينة دلهي في الهند، البالغ عددهم 13 مليون نسمة، الشوارع مع ما يقدَّر بنحو 40 ألف بقرة، مما أدى إلى الكثير من الأزمات المرورية والحوادث.
السماح للبقر بالمرور على أجساد الرجال جلباً للبركة
وعلى مدى قرون، يطلب العشرات من الرجال الهندوس في غرب الهند البركة، من خلال التمدد على الأرض حتى تدهسهم الماشية، كجزءٍ من طقوسٍ سنوية ضمن ما يُعرف بعيد “ديوالي” أو أعياد النور، والتي يعتقدون أنها تساهم في “الاستجابة لصلواتهم”.
في المراسم التي استمرت لقرون، والتي تُجرى في بلدات مثل غاربادا في ولاية غوجارات، وفي أجزاء أخرى من البلاد، يرقد الرجال على الأرض ويسمحون للأبقار المزينة بالألوان والحُلي، بالسير عليهم.
وبعد تقديم الصلوات للماشية، يتم تزيين الحيوانات بمسحوق أصفر وأخضر وأرجواني ووردي، وغيرها من المساحيق الملونة والمزينة بريش الطاووس، بينما تُربط الأجراس بأرجلها.