أربيل – العالم الجديد
تعود الخلافات الداخلية في إقليم كردستان للظهور مجددا، بعد أن ألمح رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى إمكانية “انشطار” الإقليم، وإعلان السليمانية وحلبجة إقليما منفصلا عن كردستان، مبررا مطلبه بتعرض مناطق نفوذه للتهميش والإقصاء، فضلا عن قانونية ودستورية الإجراء، الأمر الذي هاجمه الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعدّه ورقة ضغط لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، واستبعد تحققه على أرض الواقع.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “احتمال انشطار إقليم كردستان من المستحيلات، وتصريحات الاتحاد الوطني الكردستاني، برأيي الشخصي، تأتي من باب الضغط من أجل المناصب في إقليم كردستان، وكذلك المناصب الأخرى في الحكومة الاتحادية في بغداد”.
ويتابع عبد الكريم أن “انشطار إقليم كردستان لن يتم باختيار الاتحاد الوطني الكردستاني ولا الحزب الديمقراطي الكردستاني، فهذا الأمر يحتاج إلى إجراءات قانونية وموافقات داخلية وخارجية، إضافة إلى استفتاء شعب الإقليم، الذي هو بكل تأكيد رافض لتقسيمه وإضعافه”.
ويردف أنه “ستكون هناك حوارات مع الاتحاد الوطني الكردستاني خلال الأيام القليلة المقبلة من أجل حسم كافة الملفات الخلافية، ولن نصل إلى مرحلة انشطار إقليم كردستان، على الرغم من أن هذا الأمر ينفع الكثير من الأطراف الخارجية التي تريد إضعاف الإقليم، ولهذا لم ولن نسمح بذلك إطلاقا مهما حصل”.
وكان طالباني، قال يوم أمس الأربعاء، إن “أربيل ستخسر أكثر من السليمانية في حال حدث الانشطار، فالغاز الطبيعي في السليمانية، وعليه فانسحابنا فيه ضرر للديمقراطي الكردستاني وليس لنا”، مؤكدا في حديثه خلال لقاء متلفز، أنه التقى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني أكثر من 16 مرة “لكن هناك عدم تفاهم بيننا، بل هناك من يسعى لكي لا نتوصل لاتفاق، وبعض المشاكل بيننا تعود إلى أمور داخلية”، بحسب قوله.
كما تطرق طالباني في حديثه إلى نقاط عدة منها “وجود تمييز واضح يمارس بحق مناطق نفوذ الاتحاد الوطني، وهذا خلق نوعا من التذمر، ومن الضروري جمع كل الإيرادات بشفافية ونزاهة من بينها الإيرادات المتحصلة من الحدود السورية، ونفط عين زالة وتوزيعها بعدالة، كما أن هناك مناصب للاتحاد الوطني في الحكومة لم تتحصل الموافقات لشغرها، وهناك وكلاء وزراء لا يسمح الحزب الديمقراطي بتغييرهم، كما أن السليمانية تعاني من حصار اقتصادي ولا يتم صرف مستحقاتها المالية بالشكل المطلوب، فنحن من نوفر الأموال لشراء الأدوية ونعطي مستحقات شركات تنظيف المدينة”.
وأشار طالباني، بشأن انتخابات برلمان إقليم كردستان، إلى أن “الحزب الديمقراطي لا يريد إجراء الانتخابات، أدعوهم لتشريع قانون انتخابات وتنظيم سجل انتخابي، كي نجري الانتخابات بأسرع وقت وأتحداهم في ذلك”.
على الصعيد ذاته، يشدد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على أن “الاتحاد لا يريد ولن يكون سببا في انشطار إقليم كردستان، ونحن حريصون على وحدة الإقليم، خصوصا أن الاتحاد هو صاحب تجربة الإقليم وقدم الكثير من التضحيات من أجل إنشائه، ولهذا لم ولن نتنازل عن تلك التضحيات”.
ويبين السورجي أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني يعمل على تهميش وإقصاء الاتحاد، إضافة إلى إقصاء المحافظات التي هي تحت نفوذ الاتحاد كالسليمانية وحلبجة في ما يخص المشاريع والأموال وغيرها من القضايا المالية التي هي حق لكافة محافظات الإقليم”.
ويضيف أن “قضية إنشاء إقليم جديد من السليمانية أو من السليمانية وحلجبة أمر قانوني ودستوري، والدستور العراقي سمح بإنشاء الإقليم حتى لو يتألف من محافظة واحدة، لكننا لا نريد ذلك، ولدينا الكثير من الخيارات من أجل نيل الحقوق وإنهاء حالة التفرد والهيمنة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويشير إلى أن “أبواب الاتحاد الوطني الكردستاني مفتوحة للحوار والتفاهم مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونحن ننتظر إجراء هكذا حوارات بين الطرفين خلال الأيام المقبلة من أجل حل كافة الخلافات وفق الحوار ووفق الأطر الدستورية من دون فرض إرادة على أي إرادة أخرى لأي هدف كان”.
يشار إلى أن الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، دخلا في صراع كبير بعد إجراء الانتخابات النيابية خلال تشرين الاول أكتوبر الماضي، حول منصب رئيس الجمهورية، فقد طالب الأول بهذا المنصب، كونه صاحب أكبر عدد من المقاعد النيابية عن الأحزاب الكردية، في وقت أصر الآخر عليه، نظرا لتقاسم المناصب القائم منذ 2005، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي على مناصب حكومة الإقليم فيما تذهب رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني.
يذكر أن عبداللطيف رشيد تسنم المنصب مرشحا عن الاتحاد الوطني الكردستاني، وبتوافق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي قدم سابقا القيادي فيه ووزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري، لكن المحكمة الاتحادية وبناء على دعوى رفعت ضد زيباري، منعت ترشيحه للمنصب حاليا ومستقبلا، ومن ثم قدم وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد كمرشح بديل للمنصب، لكنه سحب ترشيحه في يوم جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الخميس الماضي.
بدوره، يرى المحلل السياسي الكردي شاهو القره داغي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “دائما مع اشتداد الخلافات السياسية ما بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، يتم التركيز على موضوع العودة إلى الإدارتين لإقليم كردستان، سواء كانت هذه التهديدات جدية أم محاولة لطرف من هذه الأطراف لتشكيل ضغط على الطرف الآخر، خصوصا أن هناك مشاكل جدية وعميقة ما بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويلفت القره داغي إلى أن “الخلافات ما بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لا تقتصر على السياسية فقط حاليا، بل وصلت إلى الخلافات الأمنية أيضا، ما يهدد اليوم بتقسيم الإقليم مجددا”، مرجحا أن “يكون الأمر ورقة ضغط للحصول على مكاسب سياسية أو تنازلات بالكثير من الملفات”.
ويواصل أن “تجربة إقليم كردستان تشكل خطرا على أطراف داخلية وخارجية كثيرة، وهي تعمل على إضعاف تجربة الإقليم وتذكية الخلافات ما بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، واستغلال هذه الخلافات للتدخل أكثر في الشؤون الداخلية للإقليم، فهذه الأطراف ترى أن الإقليم الضعيف قد لا يكون مصدر تهديد لها، ولذا فإنها تستفيد من انشطار إقليم كردستان”.
ويضيف أن “هناك إمكانية أن يلبي الحزب الديمقراطي الكردستاني، مطالب وشروط الاتحاد الوطني الكردستاني بهدف إيجاد مخرج للأزمات السياسية والأمنية بين الطرفين لمنع أي حراك فعلي نحو انشطار الإقليم”.
يشار إلى أن حقول الغاز التي تديرها شركة دانة غاز (الإماراتية) تقع في محافظة السليمانية، الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني، وبحسب شبكة رووداو الكردية، فإن شركة دانة غاز، كانت تستهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بإقليم كردستان، خلال السنوات المقبلة، على مرحلتين، ليصل حجم الإنتاج الى نحو مليار قدم مكعب، بواقع 250 مليون قدم مكعب خلال المرحلة الأولى والذي يمكن استخدامه لسد احتياجات الإقليم، فيما من المؤمل أن يزيد حجم الإنتاج 250 مليون قدم مكعب خلال المرحلة الثانية، والذي يمكن تصديره في هذه المرحلة.
وما تزال رئاسة إقليم كردستان ورئاسة الحكومة فيه، بيد الحزب الديمقراطي الكردستاني، بالإضافة إلى الوزارات الاتحادية، حيث يدور صراع حاليا بشأنها بين الحزبين الكرديين، فالديمقراطي يطالب بالأربع وزارات كاملة له، فيما يطالب الاتحاد بالحصول على وزارة منها، وهذا أدى إلى تأخر حسم وزارتي الإعمار والإسكان والبيئة.
جدير بالذكر، ان انتخابات برلمان إقليم كردستان كان من المقرر أن تجرى في تشرين الأول أكتوبر الماضي، لكنها تأجلت بسبب الصراع بين الحزبين، حيث يصر الاتحاد الوطني على تعديل قانون الانتخابات، فيما يرفض الحزب الديمقراطي هذا الطرح، ويصف دوافع الاتحاد الوطني بأنها “حجج واهية” لتأجيل إجراء الانتخابات.
وكانت “العالم الجديد” قد كشف في عام 2016، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة، عن وجود مساع لتحويل السليمانية الى اقليم يضم محافظتي حلبجة وكركوك، ويكون مواز لاقليم اربيل، فيما كانت الفكرة آنذاك تحظى بموافقة أولية من بغداد.