بعد أيام من الترقب، أعلنت وزارة الدفاع التركية، الأحد، شنّ قواتها عملية “المخلب-السيف” الجوية في شمال العراق وسوريا، معتبرة أن هذه المناطق “يستخدمها إرهابيون كقواعد”.
اتهام تركي ونفي كردي
- الحكومة التركية كانت قد اتهمت مسلحين أكرادا بالمسؤولية عن الانفجار، الذي وقع في شارع الاستقلال في إسطنبول يوم 13 نوفمبر الجاري، وأدى لمقتل 6 أشخاص وإصابة أكثر من 80 آخرين.
- لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في الشارع المخصص للمشاة في إسطنبول. كما نفى حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية مسؤوليتهما عنه.
العملية الأكبر منذ 2019
- الهجوم التركي الكبير الذي نفذ بعشرات الطائرات الحربية والمسيرة على مناطق واسعة في شمال العراق وسوريا، هو الأكبر منذ عملية “نبع السلام” التركية التي نفذت شمال سوريا في أكتوبر عام 2019.
هذا الهجوم أعاد النقاش مجددا لدى مراقبين حول مدى إمكانية نجاح تركيا هذه المرة في وضع حد لـ”الخطر الكردي عليها”، كما تقول، متسائلين لماذا لا تجرب أنقرة طرقا أخرى غير الخيار العسكري؟
دور واشنطن وموسكو
ويرى مراقبون أن القوى الدولية المتواجدة عسكريا في الساحة السورية كواشنطن وموسكو، هي الأخرى مطالبة بالإسهام في مراعاة مخاوف تركيا الأمنية مما يحدث في شمال شرق سوريا، من جهة وبحماية سكان المناطق الشمالية العراقية والسورية من تبعات العمليات العسكرية التركية هناك من جهة أخرى، بدل الاكتفاء بدور المتفرج، مطالبينها بتحمل مسؤولياتها وتقريب وجهات نظر أطراف النزاع، خاصة وأن قوات سوريا الديمقراطية تعتمد بشكل رئيسي على تحالفها مع واشنطن، والتي يمكنها ممارسة الضغط على “قسد” لتبديد اتهامات أنقرة لها بكونها امتدادا للعمال الكردستاني.
مشكلة مستعصية
يقول أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات بالجامعة الأردنية حسن المومني، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن المشكلة الكردية في الشرق الأوسط تتعلق أساسا بهوية وتطلعات الشعب الكردي القومية منذ انهيار الدولة العثمانية، وهي مشكلة مستعصية منذ بدايات القرن الماضي”.
وأضاف: “ولهذا فالحل الأمني لم يؤدي طيلة كل هذه العقود الطويلة لإنهاء هذه المشكلة، وقد سبق في هذا السياق للدولة التركية انتهاج طريق الحوار السلمي مع المجموعات الكردية، وهي قد حققت بعض النتائج في مسعاها هذا، لكن بعد ما سمي “الربيع العربي” وما خلفه من تداعيات وتحولات، أعيد على إثرها إنتاج الطموحات الكردية في تحقيق الأحلام القومية في دولة أو كيان خاص، ولا ننسى أن تمتع أكراد العراق بإقليم فيدرالي ضمن الدولة العراقية قد شجع هذا التوجه لدى أكراد الدول الأخرى”.
وتابع: “وهكذا فالحل العسكري لا يحسم هذه المشكلة المزمنة، رغم أنها بالنسبة لتركيا مشكلة وجودية تتعلق بالمصالح القومية والأمنية التركية، لذلك فجوهر التدخلات التركية في كل من العراق وسوريا هو العامل الكردي”.
أبعاد إقليمية ودولية
وأبرز المومني: “المشكلة الكردية أعقد من أن تكون خاصة ببلد واحد فقط، وهي ذات أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية واسعة، والاستقطابات الحادة حولها تعمقها، فتركيا مثلا جربت خلال السنوات العشر الماضية التدخلات العسكرية في شمالي العراق وسوريا والتي لم تؤدي لإنهاء هذه القضية، ولهذا فلا بد من بلورة حالة حوارية مع من يمثل الأكراد“.
واستدرك: “كما وأن الأكراد بدورهم منقسمون سياسيا وقبليا فيما بينهم، مما يجعلهم عرضة للتجاذبات والاستقطابات الإقليمية والدولية، علاوة على خلافاتهم الإيديولوجية والسياسية الحادة، فمنهم مثلا من يقيم العلاقات مع تركيا ويتحاور معها، ومنهم من يحاربها من وجهة نظرهم في سبيل تحقيق الحلم الكردي”.
ويختم المتحدث بالقول: “هذه الجولة الجديدة من التصعيد بين الجانبين التركي والكردي، مردها هجوم إسطنبول الأخير، رغم نفي الجهات الكردية المتهمة ضلوعها فيه، وثمة عموما التباس حول هوية الجهة المنفذة، خاصة وأن ثمة اتهامات وجهت لتنظيم داعش كذلك بارتكابه”.
رد على هجوم إسطنبول
من جهته، يقول رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، رائد العزاوي، في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”: “العملية هي كما هو واضح محاولة للرد على ما جرى من هجوم إرهابي في إسطنبول، ولرد هيبة الحكومة التركية التي اهتزت أمام الرأي العام على وقع الهجوم، لكنها في المقابل تقوض مسار السلام الداخلي في البلاد، وستؤثر على علاقات تركيا مع العراق وسوريا كونها تنتهك سيادة البلدين”.
وأضاف: “فالعراق مثلا يتفق مع تركيا في محاربة الإرهاب، لكنه يختلف معها في آليات حل الصراع التركي الكردي، حيث أن أكثر من 4 عقود من المواجهة المسلحة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني لم تسفر عن نتيجة، وبالتالي فالمطلوب البحث عن حلول غير عسكرية”.
القضية الكردية لا تحل بالسلاح
ويتابع العزاوي: “لا شك أن الهجوم في شارع الاستقلال بإسطنبول وسط المدنيين المارة مرفوض ومدان، لكن استخدام القوة العسكرية لحل الأزمات لا يجدي، وخاصة القضية الكردية التي لا يمكن أن تحل بالسلاح، وهكذا فسياسة أنقرة الحالية حيال الملف الكردي لا يمكنها حل هذه المشكلة، حيث أن نصف قرن من التعاطي الأمني مع مشكلة الأكراد بتركيا كشف أنه لا حل عسكري للصراع، والبديل هو الحوار ووقف إطلاق نار حقيقي يمهد للسلام، وبما يخدم تركيا ككل ويعزز مكانتها كقوة إقليمية كبرى ومتصالحة داخليا”.
ويوضح: “فالأكراد لديهم قدرات كبيرة وخاصة في المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب على الجيوش النظامية التحرك فيها، ومن الطبيعي أن يتفوق مقاتلو حرب العصابات في مناطق نفوذهم المتمرسين فيها والعارفين بتضاريسها، ولهذا فحتى وفق المنظور العسكري المجرد، فإن المشكلة لن تحسم وفق فوهة المدافع”.
حل إقليمي – دولي
وختم المتحدث بالقول: “المسألة الكردية معقدة جدا وهي متشابكة الخيوط مع جملة ملفات حساسة، ولهذا هي تحتاج لتضافر الجهدين الدولي والإقليمي لمعالجتها وتسويتها، والمهم هنا هو ضمان حل سلمي يحقن دماء الأتراك والأكراد ويضمن الحقوق الكردية داخل تركيا مع ضمان سلامة ووحدة أراضي الدولة التركية، وبما يضمن أمن واستقرار وسيادة العراق وسوريا المهددتين، مع تواصل الهجمات التركية والإيرانية كذلك على أراضي البلدين، بذريعة محاربة الجماعات الكردية المعارضة”.
سكاي نيوز عربية – أبوظبي