.
يعاني الاقتصاد العالمي جراء الحرب الروسية على أوكرانيا وما تبع ذلك من تضخم وارتفاع أسعار الغاز والمواد الغذائية، لكن من جهة مقابلة، استفادت بعض البلدان من تدفق المهاجرين الروس وثرواتهم.
فجورجيا، التي تقع على الحدود الجنوبية لروسيا، هي من بين العديد من دول القوقاز والدول المجاورة، بما في ذلك أرمينيا وتركيا، التي ازدهر اقتصاداها وسط الاضطرابات الاقتصادية المستمرة بعد الحرب، وفق ما ورد في تقرير لشبكة سي أن بي سي.
وتظهر الأرقام أنه قد هاجر ما لا يقل عن 112 ألف روسي إلى جورجيا هذا العام.
فقد وصلت الموجة الأولى المؤلفة من 43 ألف شخص بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، بينما دخلت الموجة الثانية، التي يصعب تحديد عددها، بعد حملة بوتين للتعبئة العسكرية في سبتمبر.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الجورجي بنسبة 10 في المئة في عام 2022، بعد أن قام بمراجعة تقديراته مرة أخرى هذا الشهر وزاد أكثر من ثلاثة أضعاف توقعاته البالغة 3 في المئة من أبريل.
وكان “الارتفاع المفاجئ في الهجرة والتدفقات المالية بسبب الحرب” من بين الأسباب التي اعتبر الصندوق أنها أدت إلى هذا الارتفاع.
ويرى صندوق النقد الدولي أيضا أن اقتصاد تركيا، البلد المضيف الآخر، ينمو بنسبة 5 في المئة هذا العام، بينما من المرتقب أن ينمو الاقتصاد الأرميني بنسبة 11 في المئة على خلفية “التدفقات الكبيرة من الدخل الخارجي ورأس المال والعمالة إلى البلاد”.
واستفادت جورجيا من الارتفاع الهائل في تدفقات رأس المال هذا العام، وخاصة من روسيا، وفق “سي أن بي سي”.
وشكلت روسيا مصدر ثلاثة أخماس (59,6 في المئة) تدفقات رأس المال الأجنبي إلى جورجيا في أكتوبر وحده، حيث ارتفع إجمالي أحجامها بنسبة 725 في المئة على أساس سنوي.
وحوّل الروس، بين فبراير وأكتوبر، 1,412 مليار دولار إلى الحسابات الجورجية، أكثر من أربعة أضعاف مبلغ 314 مليون دولار الذي تم تحويله خلال نفس الفترة من عام 2021، وفقا للبنك الوطني لجورجيا.
وفي الوقت عينه، فتح الروس أكثر من 45 ألف حساب مصرفي في جورجيا حتى سبتمبر، أي نحو ضعف عدد الحسابات الروسية في البلاد.
وقاومت جورجيا، مثل أرمينيا وتركيا أيضا، العقوبات الغربية على موسكو، تاركة الروس وأموالهم حق التنقل بحرية عبر حدودها، حسب تقرير “سي أن بي سي”.
ومنحت تركيا، من جانبها، حق الإقامة إلى 118 ألفا و626 روسيا هذا العام، وفقا لبيانات حكومية، في حين أن خُمس مبيعاتها العقارية الأجنبية خلال عام 2022 كان من قبل الروس.
ولم تقدم الحكومة الأرمينية بيانات عن أرقام الهجرة أو مشتريات العقارات عندما اتصلت بها “سي أن بي سي”.
ومن أبرز القطاعات في جوروجيا التي استفادت من موجة الوافدين الروس، هو سوق العقارات.
فارتفعت أسعار العقارات في العاصمة، تبليسي، بنسبة 20 في المئة على أساس سنوي في سبتمبر، وارتفعت المعاملات العقارية بنسبة 30 في المئة، وارتفعت الإيجارات بنسبة 74 في المئة خلال عام.
بالإضافة على ذلك، سُجلت 12 ألفا و93 شركة روسية جديدة في جورجيا بين يناير ونوفمبر من هذا العام، أي أكثر من 13 ضعف العدد الإجمالي الذي سُجّل خلال العام 2021، وفقا لمكتب الإحصاء الوطني في جورجيا.
جورجيا قد تدفع الثمن
إلا أن هذا الواقع يقلق البعض في جورجيا، بصفتها دولة سوفياتية سابقة، وخاضت حربا قصيرة مع روسيا في عام 2008، فإن علاقة جورجيا بروسيا معقدة، ويخشى بعض الجورجيين من التأثير الاجتماعي والسياسي الذي يمكن أن يحدثه الوافدون.
وحذر معهد هدسون، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، من أن “الكرملين يمكن أن يستخدم وجودهم كذريعة لمزيد من التدخل أو العدوان”، وفق سي أن بي سي.
وخلال أوكتوبر الماضي، أشارت وكالة بلومبرغ إلى أن دولة الإمارات أصبحت جاذبة لأصحاب الملايين الروس، الذين “يتدفقون إلى دبي والمنطقة ويشترون العقارات، ويؤسسون شركات أو فروع جديدة لعملياتهم في موسكو”.
ويرصد تقرير بلومبرغ، السابق، موجة تدفق رؤوس الأموال التي بدأت تكبر منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التعبئة الجزئية في سبتمبر الماضي.
ولفتت إلى “التدفق المستمر للوافدين من روسيا نحو الأعمال التجارية، وازدهار الحياة المالية والثقافية لهم في الإمارات، حيث يؤسس بعض الروس شركات جديدة، بينما يشتري البعض الآخر عقارات، أو ينشئون فروعا لعملياتهم في موسكو”.
وتوفر استثماراتهم دفعة مالية للإمارات، وعلى عكس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تفرض الإمارات عقوبات على روسيا بعد بدء الحرب.
وخلال اجتماع في أكتوبر مع بوتين في سانت بطرسبرغ، قال الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، إن التجارة بين البلدين تضاعفت إلى 5 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهناك نحو 4000 شركة من أصول روسية تعمل في الدولة الخليجية.
وفي سياق متصل، سجل سوق العقارات في إمارة دبي رقما قياسيا جديدا بعد بيع فيلا فخمة بجزيرة النخلة الاصطناعية مقابل 163 مليون دولار، من دون الكشف عن هوية المشتري، بحسب ما ذكرت وكالة بلومبرغ.
وترى الوكالة الأميركية أن “الصعود المستمر” لسوق العقارات في الإمارة الخليجية خلال العام الماضي، لن يجعل هذا الرقم القياسي يستمر طويلا.