:
إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الكوردية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات(الإقليمية والدولية)، وإن المؤشرات تدل على أن الأمة الكوردية قد وضعت في القرن الواحد والعشرون أقدامها على طريق تصحيح المسار والعودة إلى رحاب الحركة القومية المضطهدة والمحرومة من كافة حقوقها السياسية والاجتماعية والثقافية في ظل تضامن أبنائها في كل جزء من وطنهم المقسم وفق اتفاقية سايكس بيكو المشؤوم.
ومن الضرورة بمكان الإسراع في عقد مؤتمر شامل يجمع كل من ( الأحزاب والحركات السياسية والمستقلين بما فيه المنظمات الاجتماعية والإنسانية والشخصيات الوطنية والشبابية والفعاليات النسائية) بعد الذي عقد في رحاب الأب القائد الخالد في وجدان الأمة الكوردستانية (الملا مصطفى البارزاني)، مؤتمر 5 آب 1970م، وما تمخض عنه من نتائج وقرارات ومن بينها القرار التاريخي الذي أصدره المؤتمر توحيد الأحزاب الكوردية في روج آفا كوردستان. واليوم يسجل التاريخ بكل إكبار وإجلال أن الداعي لهذا المؤتمر كان المرحوم الملا مصطفى البارزاني في 5 آب سنة 1970م، الذي وطد العلاقة وأزال الهوة القائمة وقت ذاك بين الحركات الكوردية، وسعوا بروح وثابة صلبة إلى التلاقي والوفاق ورأب الصدع، بدلاً من أن يحرق أوزارها الحركات الكوردية التحررية وينتشر إلى إذكاء الفتن والاقتتال الشعبي وتدمير المناطق الكوردية وحرقها.
لقد كان ذلك المؤتمر فرصة طيبة وانطلاقة واعية وجادة لشعبنا الكوردي نحو تحقيق ما يصبو إليه ليشارك بفعالية وتواصل دوره الطليعي في بناء الحضارة الكوردية وتحقيق العدل ونيل الحقوق القومية والسياسية، وتخليص الإنسان الكوردي من ظلم الإنسان الكوردي المرتبط بأجندات مشبوهة.
إن السواد الأعظم من الشعب الكُردي عموم الكورد يؤمن بالإسلام كدين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.[الأنبياء:107]
ولقد تطورت العلاقات الإنسانية، ولكن الفكر الإنساني قد قصر عن استقصاء آلام الإنسان، وعن تحقيق آماله في الرخاء والسلام، فأصبح ذلك الفكر في حاجة إلى ضابط الرحمة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتم على أمته نعمته – سبحانه وتعالى – بكمال دينه الذي ارتضاه للجميع، وكانت الشريعة الإسلامية هي الثروة الحقيقية الكبرى في العالم الإسلامي، حفظت عليه ذاتيته في أحلك الظروف التي كان يعاني فيها من الهجمات الشرسة على تراثه وحضارته وإنسانيته.
إننا نشهد في وقتنا هذا في الأجزاء الأربعة من كوردستان تئن تحت وطأة الظلم والبغي والنكران، كما أن مقدساتنا وتراثنا يدنسها الفاسدون الذين يسفكون دماء أبناء الكورد، ويستحلون الحرمات، وشرد الملايين من الكورد داخل أجزائهم وخارجها، إن ما أصاب ويصيب الشعب الكوردي في روج آفا خاصة نتيجة ضعف القدرات ووهن ما كان يصيبها لأنها لم ولن تسمع النداءات من الكوادر المثقفة، لكن الابتعاد عن صعيد المثقفين هو العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه شعبنا الكوردي في روج آفا كوردستان من تحديات شرسة إقليمية ودولية باستمرار وإصرار على انتزاع الشعب الكوردي من جذوره ومن أحضان عقيدته، لأن الخصوم يدركون أنه لا قوة للكورد إلا بتمسكهم بمعطيات عقيدتهم.
لذا يتطلب من الكورد قيادة فاعلة هنا أقصد بها قدرة القيادة على ابتكار الرؤى البعيدة، وصياغة الأهداف، ووضع الاستراتيجيات، وتحقيق التعاون، وتحفيز الطاقات، من أجل العمل.
والقيادة الفاعلة هي التي تصوغ الرؤى للمستقبل، آخذة في الاعتبار المصالح المشروعة لجميع الأطراف المعنية، وتضع استراتيجية راشدة في اتجاه تلك الرؤى، مع ضمان دعم مراكز القوة الرئيسة للعمل من حولها، لإيجاد الدافع للتحرك إلى الأمام باتجاه تحقيق الأهداف.
والقيادة في مفهومها العام، لا تهتم بالنظام والنمطية، بقدر ما تهتم بالحركة والتغيير، لذا فهي تركز على ثلاث عمليات رئيسية، هي: تحديد الاتجاه والرؤية، وحشد القوى تحتها، والتحفيز وشحذ الهمم من أجل تحقيق تلك الرؤية.
ولابد أن يمتلك الكادر القيادي في الحزب مهارات قيادية وإدارية وكفاءة جيدة في مجال وضع الاستراتيجيات، وأن يكون حساساً للمتغيرات المؤثرة على الحزب، مع وضوح في الأولويات والخطط التنفيذية، والتطوير المستمر للكوادر العاملة في الحزب. والبداية السليمة لبناء وحدتنا الكوردية تتمثل في نبذ الخلافات بين الأحزاب وتصفيتها بروح الكوردايتي عملاً بقوله تعالى{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103] وقوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.[الأنفال: 46] كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول كوردية أخوية ومتجاوبة مع احتياجات العصر.
قبل أكثر من أربعة عقود تمت الدعوة لعقد أول مؤتمر كوردي لأحزاب روج آفا كوردستان لبحث أمورهم وتوحيد أحزابهم والتشاور فيما يحقق مصالحهم وذلك على أثر توحيد هذه الأحزاب تحت راية التوحيد.
ثم تتابعت الجهود إلى أن تم إنشاء قيادة مشكلة من كافة الأطراف، وانطلقت في روج آفا كوردستان نضالهم المباركة تستهدف الرجوع إلى وحدة كوردية كوردية، الاعتماد على النظام والمنهاج المقررة منذ أول تنظيم سياسي في روج آفا كوردستان.
لقد أعادت القوة إلى كل كوردي اعتزازه بقضيته العادلة، وانتماءه الحضاري الكوردي المشرف، وماضيه الميدي المشرق المجيد.
ومن الملاحظ خلال العقود المنصرمة أن تفرق الكورد قد أدى إلى برودة الطبقة المثقفة عن مواجهة ما وجد من مشكلات الحياة برأيٍ يجتمع عليه الكوادر، واليوم ترون، كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة ساسة الكورد والطبقة المثقفة في اجتهاد كوردي فيما يجد من الحلول حتى يدعم هذا الاجتهاد بعد استرجاع الماضي والنظر للمستقبل القادم الجديد.
وفي هذا الصدد فإن الدعوة لعقد مؤتمر كوردي لتصحيح المسار والاستفادة من الأخطاء لأحزاب روج آفا كوردستان، تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور شعبنا الكوردي حيث تجد فيها الإجابة الكوردية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمام تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد الكورد، وذلك يقتضي في حشد جهود كل الطاقات البشرية الكوردية من فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري الكورد للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع قضيتنا العادلة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}. [المائدة:50].
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له (كوادر وعامة) سوف يؤدي إلى حقن الدماء الكوردي الكوردي وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل الكورد دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد البغي في وقت تتداعي فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب الفكري أبعد شيء عن الكورد، إذ أن التعصب من مسارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين، والحقيقة أن التعصب لا معنى له.
كل الأحزاب مطالبين اليوم جميعاً بالعمل على توحيد الأحزاب والصفوف على مقتضى أحكام الكوردايتي، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الكوردية.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل في الشرفاء كبير.