القضاء كمؤسسة قانونية يتوجب عليها تطبيق القانون بشكل عادل ومراعاة الحقوق القانونية للمواطن أو المؤسسات التي تعمل في الدولة المعينة وتطبيق القانون أو القوانين المرعية التي تسن لأجل مراعاة الحياة السياسية والاجتماعية…الخ ولهذا أي خلل في نزاهة السلطة القضائية يبدأ بعدم استقلالية القضاء وخضوعه لقوى سياسية طبقية او دينية او طائفية أو في إطار فساد مالي واداري وبالتالي ستكون قراراته غير عادلة حيث تقف بجانب الباطل وتغييب العدل بالباطل!! وإصدار احكام قضائية باطلة وبهذا تكيل فيها بمكيالين ، والقضاء العراقي لم يكن يوما خالي من هذه العيوب خلال حقب سياسية سلطوية مروراً بالنظام الدكتاتوري السابق ثم النظام الذي انبثق بعد السقوط والاحتلال الأجنبي عام 2003 ولو تدرجنا في مضمار عمل المؤسسات القضائية منذ مجلس الحكم/ بريمر الأمريكي وخلال الحكومات التي جاءت بعد ذلك وحتى هذه اللحظة لظهر لنا جليا مدى انحياز القضاء وعدم استقلاليته، هذه ليست تهمة بمقدار ما هي واقع ملموس وتجربة حية على عدم استقلالية المؤسسة القضائية وانحيازها لقوى متنفذة تقاسمت هذه المؤسسة القانونية حسب ضرورة الأهداف المراد تمريرها، ونستطيع وايضاً “بالملوس” أن نذكر عشرات القضايا والمشاكل التي حسمت بشكل غير عادل وانحازت للقوى المتنفذة وفي مقدمتها قضايا الفساد والفاسدين والسرقات التي طالت المال العام وغيرها من قضايا الفساد واللصوصية، ولا يمكن نسيان نتائج الانتخابات التشريعية وما شابهها من تجاوزات وخروقات قانونية ودستورية والسكوت على قانون انتخابي غير عادل سهل هيمنة القوى المتنفذة الطائفية وفق التوافقية الحزبية على السلطة التنفيذية وتوجيهها حسب المصالح الضيقة للهيمنة على السلطة التشريعية والسلطة القضائية نفسها، وندرك أن قضية السلطة التشريعية هي من أهم القضايا التي كان يجب انبثاقها بشكل مستقل وحيادي لتطبيق القانون وتحقيق العدالة، وتطبيق القانون دون انحياز طائفي او سياسي هو عبارة عن معيار حقيقي لاستقلالية القضاء، لكن ذلك لم يحصل في اكثر من حادثة وواقعة فقد ظهر عدم تطبيق العدالة أو اتخاذ إجراءات قانونية تجعل من هذه المؤسسة مثالاً للثقة بل العكس فهناك كانت دائما عدم الثقة ووجود شكوك وتوجيه اتهامات بانحياز هذه المؤسسة وقد ظهرت اكثر من قضية أن الفشل الذريع في عدم ضمان استقلالية القضاء والعكس صحيح، وقامت القوى المتنفذة صاحبة القرار باستخدامه في صراعاتها بما فيها إصدار اوامر بإلقاء القبض و إجراء التحقيقات المريبة والهادفة وانتزاع اعترافات بوسائل التعذيب والإكراه وعدم منح فرصة للمتهمين للدفاع عن انفسهم وهذا بالتالي مخالفة للقوانين الوضعية ولوائح حقوق الانسان، ثم إبقاء المئات في المعتقلات والسجون دون تحقيق وعدم احالتهم للمحاكمة، أما الاتهامات بالإرهاب والمادة أربعة فقد استخدمت في أي مخالفة في الرأي او معارضة حتى سلمية ضد السلطة مما دفع ببعثة الأمم المتحدة في العراق اصدار تقرير عام شمل الأوضاع في العراق وأشار التقرير” عدم احترام المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة. وحذرت من أن عدم الامتثال للضمانات الإجرائية ومعايير المحاكمة العادلة قد يدفع إلى نشوء تظلمات جديدة، سواء كانت حقيقية أو منظورة، وإلى الإبقاء على العوامل المحركة للنزاعات، كالتمييز الهيكلي وغياب العدالة والإفلات من العقاب” وهذا التقرير وغيره من تقارير منظمة حقوق الانسان ” هيومن رايتس ووتش ” ذكرت العديد من التجاوزات وعدم قانونية القرارات القضائية، واتخذت المنظمة من حكم محكمة جنائية في بغداد مثالاً على المكيال بمكيالين حيث أصدرت حكماً في 5 / 12 / 2022 بالسجن ثلاث سنوات ضد ناشط مدني أُتهم أنه انتقد في السابق المتوفي قاسم سليماني قائد في الحرس الثوري الإيراني مع العلم أنه نفى التهمة وأشار بأن حسابه كان ” مخترقاً” وهذا الحكم يدل على مدى تبعية القضاء المُسير من قبل القوى المرتبطة بالخارج، واشار نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش آدم كوغل : “بغض النظر عمّن نشر التغريدة، ينبغي ألا يُستخدم نظام العدالة العراقي كأداة لقمع أي انتقاد سلمي للسلطات أو العناصر المسلحة” وأكدت هيومن رايتس ان ” سَجْنُ ناشط مثل الزيدي ثلاث سنوات لتغريدة يقول إنه لم يكتبها، بينما يفلت عشرات المسؤولين والجماعات المسلحة من العقاب على قتلهم النشطاء والمتظاهرين، له انعكاس مؤسف على سيادة القانون في العراق”. وقد أشار البعض من الحقوقيين العراقيين ان هذا الحكم الجائر عبارة عن تهديد واضح بالعقاب لأي معارضة او انتقاد سلمي للحكومة او الحشد الشعبي والحق يقال عندما قال والد حيدر الزيدي ” حُكم على ابني بالسَّجن ثلاث سنوات لتغريدة لم يكتبها، في حين أُطلق سراح الشخص الذي سرق 2.5 مليار دولار بكفالة” ثم لماذا هذا الكيل بمكيالين عندما يغض النظر عن قول نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون ضمن الاطار التنسيق للقوى الشيعية الموالية لإيران والذي وصف بشكل علني وصريح الحشد الشعبي بأن ” أمة الجبناء”، ونستطيع ذكر العشرات من قضايا الفساد والتجاوزات لم تعالج بشكل قانوني وعولجت بعيدة عنه وبتأثيرات البعض من القوى التي تهيمن على القضاء، الانتقادات التي وجهت للقضاء إن كان في السابق او الآن هي انتقادات مشروعة ضد انحياز القضاء إلى القوى المتنفذة وبخاصة الشيعية وإن الاستياء الشعبي من اللاعدالة والانحياز ليس وليد حالة سجن حيدر الزيدي فعشرات المتهمين المودعين في المعتقلات والسجون محرومين من حقوقهم المدنية وتهمة الإرهاب هي إحدى التهم المستهلكة على الرغم من أننا لا ننكر عدم وجود ارهابين حقيقيين نطمح بتقديمهم للقضاء بدلاً من بقائهم بدون أي تحقيق إلا اللهم التحقيقات الأولية العادية ، أن الحكم القضائي الذي صدر من قبل محكمة الجنايات بحبس الناشط حيدر الزيدي لمدة ثلاثة سنوات بتهمة بائسة ” انتقادات للحشد الشعبي ” لا يمكن إلا ويدرج تحت طائلة انحياز القضاء للسلطة وعدم حياده وعلى ما يظهر ان هذا الحكم وغيره عبارة عن توجه للحد من حرية التعبير وعملية الاتهام بانتقاد الحشد الشعبي شماعة يراد منها تكميم الافواه للبعض بينما هناك فسحة غير قليلة لمسؤولين في السلطة يصرحون دون أي اهتمام مثلما في حال” الاعلامي علي فاضل عندما نشر في شهر آب 2022 تسريبات صوتية لنوري المالكي وهو يهدد بقتل مقتدى الصدر ثم يصف بكل صراحة الحشد الشعبي بأنه ” امة الجبناء ” إلا أن هيئة الحشد الشعبي برئاسة فالح الفياض لم تحرك ساكنا مع العلم ان حيدر الزيدي انكر ما كتب على لسانه ، نعود مجدداً وندعو الى ضرورة استقلال القضاء وان يكون قضاء عادلاً يطبق القوانين بدون تأثيرات خارجية ثم ضرورة مواصلة انتشال العراق من الواقع المرير وبخاصة الفساد الذي اعتبر أنه ( يحتل المرتبة 157 من 180 دولة في قضايا الفساد) ولطالما تمت ملاحقة مسؤولين ثانويين في مراكز الدولة أما الحيتان الكبيرة فهي في مأمن وعدم ملاحقة وهذا ما اشارت له جنين بلاسخارت مبعوثة الأمم المتحدة في العراق ” يمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق” كما أنها واصلت تأكيدها بصراحة،” لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه”.
ـــــ هل سيبقى العراق رهينة للفساد والميليشيات المسلحة والصراعات غير المبدئية على السلطة والمال العام؟ نعم سيبقى إذا لم يجر التخلص من القوى التي قادت البلاد وفق نهج المحاصصة والتوافقية والتبعية!