هنا لمحة من حياة هؤلاء النساء التي ألهمت الكثيرات في داخل وخارج البلاد. وقبل أن ندخل تفاصيل قصصهن، كرمت قائمة بي بي سي أيضاً النساءَ الإيرانيات اللاتي قصصن شعرهن في الاحتجاجات الأخيرة والتي وُصفت بالثورة النسائية.
في مشهد مهيب بعد دفن جنازة مهسا أميني بمسقط رأسها في مدينة سَقّز الكردية الواقعة غرب البلاد، في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، وثق مقطع فيديو فتاةً تقف وسط الحشود المنددة بسلوك شرطة الحجاب، وهي تقص شعرها تعبيراً على عزائها لوفاة الشابة مهسا، وسرعان ما تحول هذا الفعل إلى رمز للاحتجاجات، حيث بادرت الإيرانيات بقصّ شعرهن حتى امتدت هذه الحركة إلى أقصى العالم، وباتت رمزَ التضامن مع الإيرانيات، كما انضمّ بعض الشباب الإيرانيين إلى ذلك بقصّ شعرهم.
هنا لمحة من حياة 10 نساء إيرانيات، منهن خلف القضبان ومنهن خارج إيران، ممن وردت أسماؤهن في قائمة بي بي سي من بين 100 امرأة أكثر إلهاماً وتأثيراً حول العالم لعام 2022
وشرحت قناة بي بي سي في قائمة 100 امرأة: “النساء اللواتي قصصن شعرهن. أردنا هذا العام أن نثمن نشاط النساء ودورهن في الاحتجاجات، اولئك اللواتي ناضلن من أجل حريتهن”.
“ليلى” أيقونة التظاهرات
بعد مرور أسبوع على الاحتجاجات والحضور اللافت للمتظاهرات في الشوارع، أثار مقطع فيديو مشاعر المتظاهرين وبثّ فيهم روح الحماس لمواصلة مسيراتهم، يظهر الفيديو شابة من الخلف تدعى ليلى، وهي تقوم بتعديل شعرها في إحدى شوارع طهران استعداداً لاستمرارها الاحتجاجات، وسرعان ما تداول الفيديو روادُ منصات التواصل الاجتماعي، واعتبروا فعلها رمزاً لشجاعة الإيرانيات.
لم تنشر بي بي سي، هوية الشابة المتظاهرة بشكل كامل واكتفت باسمها “ليلى” حرصاً على سلامتها، ولكن نقلت عن الشابة قولها: “نناضل ولا نخشى تهديدات النظام التي تطال أرواحنا، نحن نأمل الحصولَ على الحرية”.
“إلناز” رياضية دون حجاب
استمر/ت الرياضيون/ات في ساحات السباق وعلى حساباتهم الشخصية في التعبير عن تضامنهم مع الاحتجاجات. وقررت الرياضية المتسلقة إلناز رِكَابي (33 عاماً) عدم ارتداء الحجاب مكتفية بربطة رأس فقط، خلال بطولة آسيا في كوريا الجنوبية، ما اعتُبر انتهاكاً لقواعد اللباس في نظام الجمهورية الإسلامية، خاصة وأنها كانت ممثلة عن إيران في تلك المسابقات.
رحب بها العشرات عند عودتها للبلاد في مطار طهران. وفور وصولها أجرت وسائل إعلام حكومية لقاءات مع إلناز، أعلنت فيها أنها كانت نسيت غطاء رأسها بسبب تزاحم السباق وضغوط العمل في الصالة الرياضية واعتذرت. بيد أن الإعلام المعارض أكد أن المقابلة أُجريت تحت الضغط.
“رُویا” المعارضة
نشرت الشابة رُويا بِيرايي (25 عاماً)، صورة لها وهي تقف أمام قبر والدتها “مينو مجيدي” البالغة من العمر 62 عاماًن والتي قُتلت أثناء الاحتجاجات الأخيرة في مدينة كِرمانشاه الكردية غرب إيران. تظهر رويا في الصورة وهي حليقة الرأس، وقد أمسكت بشعرها ناظرة بجدية نحو عدسة الكاميرا.
ألهمت صورتها الإيرانيات، وبعد فترة وجيزة استطاعت الهروب من إيران نحو فرنسا. والتقت بالرئيس الفرنسي ماكرون، كما أجرت مقابلة مع النجمة أنجلينا جولي وصفت فيها والدتها أنها: “كانت تسعى إلى الحرية والعدالة لمهسا أميني وكل جيل الشباب مثلي”.
“كُوهَر” جوهرة الصبر
“گوْهَر عِشقي”، ویعنی اسمها “جوهرة” بالفارسية، البالغة من العمر 76 عاماً، هي والدة المدوّن السياسي ستّار بِهشتي، الذي توفي في سجن إيفين بطهران عام 2012، إثر التعذيب وبعد 5 أيام على اعتقاله.
منذ ذلك العام اشتهرت والدة ستّار بمتابعاتها الحثيثة من أجل المطالبة بتنفيذ العدالة في حق قاتلي ابنها. كما تحولت إلى أيقونة الصبر والمثابرة في البلاد.
وقّعت گوهَر في عام 2018، مع مجموعة من الناشطين/ات، على رسالة تطالب باستقالة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من منصبه. وفي الاحتجاجات الأخيرة خلعت حجابها تضامناً مع المتظاهرين، كما فتحت حساباً على منصة تويتر أخذت تنشر عبره دعمَها المتواصل للمتظاهرين.
“نرجس” صحافية قضت عمرها بالسجون
نرجس محمدي (50 عاماً)، صحافية ونائبة رئيس مركز المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران (منظمة غير معترف بها من قبل النظام الإيراني). اعتُقلت نرجس إثر أحداث الانتفاضة الخضراء عقب الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وحكم عليها بالسجن لفترة 11 سنة، بيد أن حالتها الصحية تدهورت، مما أجبرت المحكمة أن تطلق سراحها بعد أشهر.
من جديد زادت نرجس من نشاطها في مجال حقوق الإنسان، وأطلقت حملة “لا لعقوبة الإعدام”، ما أعادها للسجن وهذه المرة بحكم مدته 16 عاماً، ولكن بعد 5 سنوات تم إطلاق سراحها، فألفت كتاباً تحت عنوان “التعذيب الأبيض”، تضمّن شهادات سجينات سياسيات إيرانيات عن التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي الذي تعرضن له في السجون وخلال التحقيقات.
ومرة أخرى خضعت الحقوقية التي لم تتوقف يوماً عن كتابة المقالات واللقاءات مع الإعلام الغربي وتسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان في إيران، إلى الحكم بالسجن لفترة 30 شهراً.
وبرغم أنها ما زالت تقبع في سجن طهران، يعيش زوجها وولداها في فرنسا منذ سنوات، كما أنها أبلغت عن تعرض معتقلات على خلفية الاحتجاجات الأخيرة لاعتداءات جنسية كأحد أشكال الانتقام والإذلال والتنكيل بهن.
وتزامناً مع إدراجها في قائمة بي بي سي، نالت جائزة منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF) لحرية الصحافة لعام 2022 في فئة “الشجاعة”.
“زهرة” معلمة اللغة الكردية
زهرة محمدي (31 عاماً)، ناشطة في مجال الثقافة الكردية ومعلمة اللغة الكردية، يصب اهتمامها في تدريس لغة الأم، وقد تم اعتقالها عام 2019 في كردستان الإيرانية، بتهمة “تشكيل لجنة وجماعة مناهضة لاستقرار النظام الإسلامي وأمنه”، وحكم بالسجن عليها لـ5 سنوات.
تنص المادة الـ15 من الدستور الإيراني على حرية ممارسة الشعوب الإيرانية للغاتها وثقافاتها، إلا أن الحقوقيين والنشطاء من الأقليات العرقية يقولون إن الأمر ليس كذلك على أرض الواقع.
أكدت أختها كاني محمدي أن نشاط شقيقتها اقتصر على تعليم الأطفال لغتَهم الأم، وأنها لم تنخرط بأي نشاط سياسي. وكانت زهرة تقوم بتعليم المهمشين من أبناء جلدتها عبر إنشاء مركز “نوجين” الثقافي.
“زَر” رمز لمثابرة الضحايا
الممثلة زهراء أمير إبراهيمي أو “زَرْ” كما تلقب نفسها (41 عاماً)، لمع نجمها في التمثيل عام 2006، ولم يمض كثيراً على نجوميتها بعد تمثيلها في مسلسل “نرجس” الشهير حتى سرب صديقها فيديو خاصاً تظهر فيه عارية برفقة حبيبها في مشهد خاص. انتشرت آلاف النسخ من أقراص السي دي لهذا المشهد في إيران، وصارت تباع وتشترى في السوق السوداء.
وقعت النجمة الشابة في ورطة وسط مجتمع محافظ، وتُركت وحيدة، موجهة لها أصابعُ الاتهام، كما حَكمت المحكمة عليها وعلى حبيبها بـ90 جلدة مع 10 سنوات منع عن العمل الفني.
هربت زَر نحو فرنسا قبل بدء محكمتها، وعاشت سنواتٍ صعبةً هناك. ولكنها عادت رويداً رويداً لتمثيل الأدوار في أفلام إيرانية بأوروبا. ومثلت الدور الرئيسي في فيلم “العنكبوت المقدس” والذي يتحدث عن قصة حقيقية حول سلسلة قتل عاملات الجنس في إيران.
لفت حضورها في مهرجان كان الـ75، أنظارَ الصحافة والإعلام ورواد شبكات التواصل حتى نالت جائزة أفضل ممثلة في المهرجان عام 2022، لتكون أول ممثلة إيرانية تفوز بهذه الجائزة.
وعاد الشارع الإيراني يردّد أخبار “زَر” من جديد، ولكن هذه المرة كان نادماً على ما فعله تجاه هذه الفتاة في عزّ شبابها، كما تقدم رواد منصات التواصل بالاعتذار للنجمة من أجل ما عانته من المجتمع الإيراني، وأثنوا على صبرها، وأملها، وشبّهوها بطائر العنقاء الذي ينهض من تحت الرماد ويحلق.
“سِبِيدِه” المدافعة عن سجناء عرب
سَبِيدَه قُلِیان (28 عاماً)، ناشطة مدنية ومدافعة عن الحركة العمّالية في صناعات قصب السكر بمدينة الشوش شمال الأهواز، وقد تم إلقاء القبض عليها بعد احتجاجات العمال عام 2018، وحكم عليها بالسجن لفترة 19 عاماً، وبعد الاستئناف تقلص هذا الحكم لـ5 سنوات.
أثناء الإجازة ألفت المعتقلة كتاباً عن ذكرياتها ونقلت الكثير من مشاهداتها حول حالات التعذيب الخاصة بحق سجناء وسجينات من عرب الأهواز في سجن “سِبِيدار” في الأهواز.
وإلى اليوم نشرت سبيده العديدَ من التقارير والمذكرات على حسابها في منصة تويتر من الأيام التي قضتها في سجون الأهواز وبوشِهْر وطهران، خاصة مما يتعلق بالاعتداءات الجنسية بحق السجينات. كما وصفتها بي بي سي، إنها صوت السجينات الإيرانيات.
وفي ملف صوتي من داخل السجن، أرسلته إلى قناة بي بي سي الفارسية، قدمت سبيده صورةً عن وضع السجينات: “السجينات يتعرضن للجلد والقمع. والتمييز بين الجنسين قد أدى إلى تقويض مكانتهن، وليس لديهن طريقة للتحرر. بعد الشعب، أوجه خطابي في هذه الرسائل إلى المؤسساتِ الدولية مثل منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة”.
“نِيلوفَر” الناشطة البيئية
شنت السلطات حملة اعتقالات ضد ناشطي البيئة في إيران بتهمة العمالة لصالح مراكز استخبارات أجنبية في عام 2018، وأحد الأسباب في توجيه تلك التهم، هو أن جل هؤلاء الناشطين هم من خريجي الجامعات الغربية. وطالت الحملة الباحثة نِيلوفَر بَياني (35 عاماً).
بعد سنوات من الدراسة وتجربة العمل في مؤسسات دولية، عادت نيلوفر إلى بلادها كي تساهم في تحسين أوضاع البيئة، ولكن بعد أشهر قليلة تم احتجازها، وحُكم بالسجن عليها لـ10 سنوات وغرامة مالية بنحو 356 ألف دولار، بتهمة جمع معلومات سرية من مناطق استراتيجية في البلاد، والتعاون مع الولايات المتحدة كحكومة معادية، واكتساب ثروة غير مشروعة.
وثق مقطع فيديو فتاة تقف وسط الحشود المنددة بسلوك شرطة الحجاب، وهي تقص شعرها تعبيراً على عزائها لوفاة الشابة مهسا، وسرعان ما تحول هذا الفعل إلى رمز للاحتجاجات
كشفت الناشطة عن تفاصيل تعذيبها وتعرضها للتهديدات بالاعتداء الجنسي لفترة لا تقل عن 1200 ساعة، وصرحت أنها أُجبرت على الاعتراف بالتُّهم التي طالتها، وذلك عبر رسائل أرسلتها إلى المرشد الأعلى، ورئيس السلطة القضائية، والحكومة.
“نازَنين” رهينة بريطانية
نازنين زاغِري راتكليف (44 عاماً)، صحافية إيرانية بريطانية عملت في مؤسسة رويترز، احتُجزت في إيران عام 2016، ليُحكم عليها بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة “التآمر للإطاحة بالحكومة الإيرانية”، وتم الإفراج عنها في آذار/مارس 2022.
درست نازنين في بريطانيا وتزوجت هناك، وفي عيد نوروز سافرت برفقة طفلتها إلى إيران لمعايدة أهلها، وقد تم اعتقالها أثناء عودتها للندن. وتحولت قضيتها إلى واحد من أبرز الملفات العالقة في العلاقات البريطانية الإيرانية، حيث اتُهمت إيران أنها استغلت نازنين كرهينة بريطانية كي تستلم أموالها المحتجزة في بنوك لندن منذ ما قبل انتصار الثورة الإسلامية، وهذا ما حصل في النهاية.
ساناز شوقي