عنوان يجذب القارئ و يجعله متشوّقا لمعرفة لغز يُحاول استكشافه بين الصفحات.. من هو قمر؟ و كيف لا يأمر بالفحشاء؟ و لماذا؟ هي أسئلة غريبة تحوط في عقل القارئ أوّل ما يمسك الكتاب بين يديه.
صدقا لا يأمر بالفحشاء لأنّه تناول قضايا اجتماعية و يُحاول ترميم ثغرات آفات تُهدّد مجتمعنا، لأنّنا ببساطة نراها و نتعايش معها يوميا بطرق شتّى، لكنّ الكاتب هنا ببديهيته و ذكائه جعلها قصصا هادفة.
المبدع و الكاتب الجزائري ابن جوهرة المغرب العربي تلمسان محمدي محمد الأمين بثمرة إنتاجه الأدبي الأول، قدّم لنا مجموعة قصصية هادفة لفئة الشباب و جيل اليوم المعاصر المنهمك في البحث عن ملذات الحياة دون التفكير في عواقب ما قد ينتج عنها من أذية نفسية للفرد نفسه أو محيطه أو مجتمعه.
تناول قضية زنا المحارم في قصة (ابن الشيطان) و تطرّق لموضوع الشعوذة التي نخرت العقول الهشاشة التي تنساق وراء البحث عن خرافات لا وجود لها أصلا، و كيف بات عدد من الناس يؤمنون بصدق العرافة التي تسلبهم أموالهم دون جدوى، أو تجعلهم عبيدا لسحرة أو شياطين فلا ينجون و لا يتحرّرون لتذهب حياتهم هباء نتيجة طيشهم و كفرهم ليحصل لهم كما حدث لتلك التي حدثنا عنها الكاتب في قصته.
و في قصة (رسالة إلى أمي) قدّم للقارئ درسا ثمينا جدا عن ذلك الطفل اللقيط كما يُسميه مجتمعنا الشرقيّ.
الطفل الذي يأتي نتيجة شهوة اثنين، و نتيجة علاقة محرّمة بين اثنين لا مستقبل لهما فيدفع ثمنها طفل بريء يُرمى في الشارع في مكبّ نفايات كما حدث في القصة، أو يُترك في المستشفى، فيعيش لاجئا بين المراكز فاقدا للرأفة و الحنان و العطف و الحضن الدافئ.
النتيجة مؤلمة لأنّ مستقبل ذلك الطفل الذي أنكره أباه الذي زرعه في رحمٍ ذات شهوة، و تبرّأت منه أمّه التي باعت شرفها و شرف عائلة بأكملها نتيجة كلمة رومانسية و وعود منمّقة يُصبح في المجهول بلا مستقبل و لا يملك ماضي و لا حقّ له في الحاضر سوى أصابع تُشير إليه أينما توجّه .. لا يعرف أمّه و لا يملك اسما و لا لقبا و لا حياة لأنّه محروم منها و هو يتنفّس..
ببساطة يبقى مجهول الهوية و النّسب و يُلقّب باللّقيط أو ابن الزّنا… أليس هذا كارثي؟ و إلى أين متى تتوقّف هذه الكارثة؟
نتوغّل قليلا بعدها في قصة (رسالة من زير نساء سابق) تتحدّث عن تهوّر الرجل الذي يظنّ نفسه نحلة تلتقط العسل من الزهور دون توقّف.. لكن النتيجة وخيمة في الأخير ،لأنّ من ترك امرأته أو طلقها بسبب الزنا و تزوّج أخرى.. سيزني كما قال يسوع المسيح في وصاياه.
رجل خان زوجته و جلب عشيقته للبيت على مرأى زوجته التي تحمّلت المذلة فصارت خادمة لعشيقة زوجها في بيتها .
عاقبه الله في آخر المطاف بأن تخونه تلك العشيقة بعد أن أصبحت زوجته وأنجب منها سبعة بنات لتتشتّت عائلته بأكملها و لا خبر عن بناته اللواتي سبحن و تُهن في نهر الرذيلة.
صدق من قال: كما تدين تُدان..
ننتقل لقصة (أحرف من شمع) تناول فيها الكاتب قضية هامّة جدا، ألا و هي الانتحار.. إنه الداء الذي بات موضة في القرن العشرين في شتّى أنحاء العالم.
من تضيق به سبل الحياة يرمي نفسه من طابق عمارة أو من جرف عالي، أو يتناول سمّا، أو يخمد سكينا في قلبه، أو يُطلق رصاصة على رأسه، أو يشنق نفسه،أو يُحرق نفسه أو أو أو…
اختلفت طرق الانتحار و النتيجة واحدة إمّا الموت أو الشلل أو الإعاقة أو التشوّه أو بتر أعضاء.
إن مات يذهب للجحيم مباشرة لأنّ الربّ في كل شريعة سماوية نهانا عن قتل النفس البشرية، ناهيك عن تألّم عائلته و مُحبّيه، و إن كانت النتيجة الثانية يبقى عالة على نفسه و غيره.
في قصة ( اقتلهن جميعا لترتاح) تناول الكاتب موضوعا في الصّميم، إنّه الغدر الذي أصبح أشبه بالداء المتفشّي و المعدي في نفس الوقت بين شباب و شابّات لا يحفظون الوعد و العهد.
إنّه جيل عديم الوفاء في المشاعر و قليل الحفاظ على الطرف الآخر.. ليس الكلّ إنّما الأغلبية الكثيرة حسبما نشاهد.
الزوج يخون زوجته، الزوجة تخون زوجها.
الخطيب يخون خطيبته، الخطيبة تخون خطيبها.
الصديق يخون صديقه و يطعنه في ظهره و يتلاعب بشرفه، هو ذا الموضوع الذي سلّط عليه الكاتب الضّوء، و بعدها يأتي دور الانتقام لفعلة لا تُغفر لبشاعتها و لا يُسامح عليها.
أخيرا في قصة (عذراء) موضوع حسّاس جدّا بات لعبة متهوّرة بين الشباب الذين يتباهون برجولتهم المزيّفة.
قدّم لنا الكاتب درسا بليغا لفئة شباب هتكوا أعراض فتيات و سلبوهنّ أغلى ما يملكن بسخرية بليغة غير معيرين للأمر أهمية، لكن على الباغي تدور الدوائر فما يفعله المرء في الماضي سيتراءى له في المستقبل بنفس الأسلوب فيدفع الثمن باهظا أكثر ممّا كان مُستحقّا.
كلمة أخيرة:
أرفع القبّعة عاليا للكاتب الشابّ محمدي محمد الأمين للسرد الذي قدّمه للقارئ بقصص تحمل في ثناياها عبر قيّمة و دروس ثمينة للشباب و توعية حتى لا يرتكبون أخطاء تؤذيهم و تُؤذي من حولهم.
قمر..قرين لا يأمر بالفحشاء هي مجموعة قصصية عنوانها المحبة و التسامح.
فطوبى لصانعي السلام.
نوميديا جرّوفي،شاعرة، باحثة و ناقدة (الجزائر)