الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتد. محمود عباس:بدايات الحوار الأمريكي الروسي في الشأن الكردي

د. محمود عباس:بدايات الحوار الأمريكي الروسي في الشأن الكردي

 

 

يجب ألا يكون غريبا من المنطق السياسي وليس الأخلاقي، التغاضي الأمريكي الروسي، خلال السنوات الماضية وحتى قبل فترة قصيرة، عن القضية الكردية، وعدم عرضها كأحد البنود الرئيسة على طاولة المحادثات في المؤتمرات العديدة المتعلقة بسوريا، رغم دفعهم بنا كشعب إلى ساحات الوغى، حيث التضحيات الجسام، مقابل مصالحهم مع الدول الإقليمية، وتناسيهم معظم ما قدمناه لهم وللعالم.

   فحتى عندما حاولت روسيا استمالة الكرد في السنوات التي أقحمت ذاتها في الصراع السوري، كانت تود استخدامنا كأداة إلى جانب أدواتها الأخرى، وتوضحت بشفافية فاضحة، كيف أنها تخلت عنا عندما مالت تركيا إليها، في مرحلة كانت تبين للعالم على أنها ستفتح مكاتب للإدارة الذاتية، وتستقبل بعض الشخصيات الكردية من كل الأطراف، وبررت تخليها، ومجافاتنا بشكل غير مباشر، بانحيازنا إلى الجهات المعادية لجبهتها، علما أن معظم التصريحات الرسمية الروسية السابقة حول أشراك الكرد في سوريا المستقبل، لم تتجاوز منطق الدولة المركزية، وكثيرا ما استخدمتنا كورقة ضغط على تركيا والمعارضة السورية من جهة وعلى السلطة السورية من جهة أخرى، ونادرا ما ظهر تصريح من الإدارة الروسية الخارجية أو من الدفاع، ونحن لا نتحدث عن الكرملين، رد على تهديدات أردوغان المتكررة، أو الانتقادات الموجهة من السلطة السورية للإدارة الذاتية أو للحراك الكردي المعارض، أو تهميشهم لنا كشعب أو ثاني أكبر قومية في سوريا. وهذا الموقف تبنته أمريكا في الماضي، وعلى نهج لا يختلف كثيرا عن النهج الروسي، واستمرت عليه حتى قبل شهور، رغم عمق استخدامها للقوة الكردية في حربها ضد المنظمة الإرهابية، دون أن تتجاوز الدعم خارج داعش.

 ولا شك أن الإدارات الأمريكية نادرا ما تقحم ذاتها سياسيا في الصراعات التي لا تمسها بشكل مباشر، رغم استخدامها الأساليب العديدة لتمرير مصالحها، وهذا ما فعلته في سوريا إلى أن استقرت على دعم طرف من الحراك الكردي دون الشعب، بعدما لم تجد بديلا عنا، وعلى أثرها كانت جميع ردودها على التصريحات التركية واتهامات أردوغان لها بتعاملها مع الكرد كمنظمة إرهابية، وحتى عندما صنفت الإدارة الذاتية في خانة داعش، كان الرد الأمريكي بسيطا، تبنته بتصريح على مستوى سياسي من الدرجة الثالثة، وفي ردها على تهجمات تركية أخرى مباشرة أو من خلال المعارضة السورية، كانت بتحرك عسكري، أو بزيارة مسؤول أمريكي للمنطقة الكردية، ولم تصل إلى سوية لهجة أردوغان، رغم أن الرسائل المتبادلة بين الأمريكيين والروسي، كانت أكثر صرامة، عكست مصالحهم على مستوى سوريا والشرق الأوسط، وهنا استخدما الكرد من ضمنها، وخاصة في عملية عفرين، وشرقي الفرات، وعندما ظهر إلى العلن المخطط المتجه إلى تشكيل فيدرالية تشرف على البحر، وزاد التقارب بين تركيا وروسيا، وبالمقابل تصاعدت موجة التلويح بالورقة الكردية بين الجهتين، روسيا وأمريكا، لم يبين الأمريكيين أي رد فعل قوي على موقف تركيا وإيران المعادي للكرد في سوريا، ومثلها حدثت في إقليم كردستان الجنوبية، عندما سلبت كركوك بمساعدة الدولتين، تحت حجة معارضة الاستفتاء.

  لكن اليوم وبعد أن بلغ الصراع مراحل متقدمة، تغيرت مواقف أمريكا وروسيا حول القضية الكردية، أو مصير الكرد في سوريا، خاصة وأن إدلب أصبحت متأرجحة ما بين منطقة شبه كونفدرالية أو مستعمرة تركية، ومن الصعوبة التخلص من المنظمات المسلحة التكفيرية، لربما لكثرتهم، أو بالأحرى لوجود المدنيين في المعادلة وحيث احتمالية ظهور موجات من الهجرات نحو تركيا وبالتالي إلى أوروبا، وليس لصعوبة القضاء عليهم، والمؤدية إلى تراجع تركيا عن أداء مهمتها في التخلص منهم مثلما فعلتها في شرقي حلب والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق، وتوضحت أنها وبدون الدول الكبرى وخاصة روسيا وأوروبا ومعهم القوى الكردية، والتي تعكس الوجه الأمريكي في سوريا، ستكون الطرق شبه مسدودة، لذلك بدأت تركيا تحاور القوى الكبرى لمساعدتها في إيجاد حل، خاصة وأن أمريكا بينت أن شرقي الفرات ليست كعفرين، وتعتبرها جغرافية فيدرالية هم حماتها وفيها جل مصالحهم، وعلى أثرها بدأت تظهر على الساحة معادلات جديدة، تكاد تكون واضحة، ما بين روسيا وأمريكا، المتفقتان على الكثير حول القضية الكردية، لكن الاختلاف هي كيفية التخلص من المعارضة السورية المسلحة، والتي يرجح لها احتمالات عديدة منها التي تخطط لها تركيا، وهي خلق معارك بينها وبين الكرد في شرقي الفرات، المنطق التي تضع أمريكا عليه الخط الأحمر، وبالتالي سيكون الصراع دمويا فيما إذا لم تتراجع تركيا، أو لم يجدوا حلا آخر للتخلص من المنظمات التكفيرية المسلحة في إدلب وعفرين.

ولهذا تحاول تركيا التملص من عملية القضاء على المعارضة التكفيرية، بعقد مؤتمرات على سوية أوروبا، وليست أستانة أو سوجي، المؤتمرات التي أنتقدها المسؤول الأمريكي في القضية السورية جيمس جيفري، بلغة قلت فيها الدبلوماسية ولأول مرة منذ أن سلمت أمريكا الملف السوري إلى روسيا، أي منذ عام 2015م، موضحا وبشكل شبه مباشر أن المنطقة الواقعة تحت السيطرة الكردية أو قوات القسد، لها مآلات تخص أمريكا، وستملي شروطها على روسيا، وكانت بطريقة غير مباشرة وهي أن المؤتمرات المذكورة إذا لم تتمكن من إيجاد حلول لمصير سوريا والدستور فستضطر أمريكا إلى التدخل المباشر، وتصريحه حوى عدة عنوانين، منها:

 أن المؤتمرات السابقة كانت لأمريكا رأي أو مراقبة مباشرة لها. كما وأن البيانات الختامية التي كانت تصدر لم تكن تنجح لأنها لم تكن تحصل على الموافقة الأمريكية.

ومن جهة أخرى كانت روسيا تدرك تماما هذه المعادلة مع ذلك كانت تستمر لتمرير الوقت إلى حين الانتهاء من المعارضة المسلحة، وهي ما كانت تحصل على الموافقة الأمريكية، وتركيا كانت قد أقحمت في هذه الشراكة بعدما احتضنتها روسيا، وهي التي خلقت تقارب غير معلن بينها وبين إيران أي مع السلطة.

 وكنتيجة لهذه المسيرة، تتبين أن تركيا تخسر صراعها مع الكرد على خلفية الدعم الأمريكي، رغم احتلالها لعغرين والمناطق الكردية الأخرى وإدلب، إما كجزء من كردستان أو سوريا، وتبينت خيانة المعارضة السورية للوطن، وبالتالي بدأت تظهر الإشكالية الكردية، ما بين روسيا وأمريكا رغم الامتعاض التركي الإيراني، والذي هو في الواقع خوف على مستقبل جغرافيتهما. ورغم ما يتخلل هدوء بعد اللهجة القوية لتصريحات لافروف وزير خارجية روسيا، والمسؤول الأمريكي جيمس جيفري، وبعض الأعضاء من مجلس الشيوخ، حول شرقي الفرات، ويتضمن في الحديث غير المباشر احتمالية، الإعلان، وبشكل ولربما شبه رسمي، عن الحظر الجوي فوق شرقي الفرات، رغم وجوده في الواقع العملي، والإعلان عن تدريباتهم لحرس الحدود والذين كانوا قد أعلنوا سابقا تخليهم عنها.

  تبين كل ذلك أن هناك أبواب دبلوماسية بدأت تفتح أو يعمل الطرفان على فتحها حول سوريا والبقاء الأمريكي الروسي، وهنا وفي الطرفين يقدمان الكرد، كقوة مسيطرة على الأرض، ولا بد من أن يدعم بكيان سياسي معترف، يستخدم كشرعية للبقاء، وعليه فالطرفان على الأرجح سوف يقدمان رؤيتهما حول نوعية هذا الكيان. وبعد أن كانت المسألة الكردية ثانوية في جميع المؤتمرات السابقة، يتوقع أن تكون من ضمن البنود الأكثر إثارة وأهمية، لأنها تؤثر وبشكل مباشر على المصالح الأمريكية والروسية معا في المنطقة، كما وأنها العامل القومي الأهم في مشروع عرض النظام الفيدرالي واللامركزية في سوريا، وربما لإنقاذ سوريا من التقسيم الحاصل في إدلب والمناطق الأخرى المسيطرة عليها تركيا تحت غطاء المعارضة.

 وعلى الأغلب هذا ما انتبهت إليها تركيا وإيران، مثلما استشعروا سابقا محاولات بلوغ المتوسط وتعاملا معا، ولذلك طالب أردوغان بعقد مؤتمر ثاني مع الأوربيين في إستانبول أي بما معناه أنهما يودان توجيه بوصلة المؤتمرات من أستانة وسوجي الفاشلتين، بموجة أخرى من المؤتمرات لوضع نهايات ملائمة لروسيا، للمنظمات السورية المسلحة، محاولين فيها إشراك الأوربيين، والأخيرة تعني المراقبة الأمريكية المباشرة، يحاولان من خلالها القضاء على القضية الكردية، وهذا ما ترفضه روسيا وأمريكا، وبدأتا بفتح باب دبلوماسي حتى ولو كانت بلهجة فيها التهديد، حول شرق الفرات وعفرين، وهي تبين عن مقدمة لحوار ربما غير معلن بين الدولتين المتمكنتين من إحلال سلام في سوريا، ورسم مستقبل لها، يكون للكرد فيها مكانة كثاني قومية وضمن الدستور.

 وهنا يفرض السؤال المصيري ذاته، والمطروح من قبل كل كردي: هل بإمكاننا كحراك كردي أو كردستاني إدراك هذه المعادلة، بالتغاضي عن بعض خلافاتنا، وخلق هيئة بإمكانها، أن تمثل الأمة الكردية في المحافل الدولية، والاستفادة من التحولات المذكورة؟

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular