من الغرابة أن يصبح العداء للقضية الكوردية إحدى أقوى عوامل الصلات التيلباثية بين عدد من الكتاب والسياسيين العرب والفرس والترك، وبعض الشواذ من أبناء الأقليات، والمغذي الدسم للصور النمطية القاتمة والمترسخة في ذهنيتهم. الكاتب الآشوري (سليمان يوسف) والإعلامي البعثي (احمد كامل) مثالاً، لا رابط بينهما سوى الذهنية المذكورة، وثقافة الكراهية ضد الشعب الكوردي.
(سليمان يوسف) والذي يؤمل منه غير هذا الدرب، وهو مسلك أعداء شعبه، ولكن، ربما على خلفية الشعور بالضياع، والإحساس بانقراض الشعب الآشوري، نقول الأخيرة وبألم، والحرص على شعبه وهي سمة نبيلة، يبحث عن سند لذاته التائهة، فلم يجد ضالته سوى تقليد شريحة كتاب الأنظمة المعادية للكورد، وقد كان بالإمكان أن تشفع له تاريخ الإمبراطورية الآشورية، وتبعده من عنصريي الأنظمة المحتلة لكوردستان، وبشكل خاص العروبيين، دون الاضطرار إلى تبني منهجية العداء، والتي هي في الواقع ليس حقد على الكورد بقدر ما هو تذلل لسلطة الحاكم، أو للقوي المأمول منه حماية شعبه من الزوال التام عن المنطقة.
وربما هذا هو العامل الذي دفع به إلى محاولة الوصل بين الإيزيدية كديانة وقومية والآشورية كشعب، بمقالة نشرها في صفحته على الفيس بوك، تحت عنوان (الإيزيدية والإيزيديون) وكنت أتوقع قراءة دراسة تاريخية، لكنني وللحقيقة انصدمت، فما كتبه، تعد من إحدى أضحل التحليلات التاريخية في هذا المجال، خلط وبساذجة غريبة بين كلمات قيلت البارحة مع تاريخ يعود جذوره إلى ألفي سنة قبل الميلاد، محاولا إسنادها بمصادر أو وثائق، فلم يجد سوى حديث ضحل لشخصية إيزيدية لا اعتبار لها بين الإيزيديين قاطبة، بل منبوذ حتى من عائلته الأميرية، كما وحاول البحث في البعدين القومي والديني لكنه بين عن جهالة كاملة بالموضوع، لم تنقذه الشطحات العشوائية لأسطر من الأرشيف التاريخي خاصة بعد قيامه بشرحها حسب أهوائه، والذي لا صلة له بالمادة والموضوع، وتناسى أن هناك اختلاف لغوي وديني وعرقي مطلق بين الطرفين (نتحدث عن مسيرة تاريخية لثلاثة آلاف سنة لم تجمعهما مرحلة من مراحل التاريخ، وعن الأديان القديمة وليست الحديثة).
ليته حصر مقاله، بمباركة الأخوة الإيزيديين بعيدهم، دون التعرض لقيم الديانة العريقة ومرتكزاتها، وتحاشى سلك الدرب الخطأ، لكن وللأسف يتبين أنه كتب المقال ليس حبا بالإيزيدية ولا مباركة لهم بقدر ما هو كره للكورد، بهذا الفعل الساذج يكون قد غبن شعبه، وأضاف خطأ بحقهم إلى سابقاتها؛ وهي محاولاته الاحتماء بالقوى العربية الإسلامية التي كانت السبب في زوال العنصر الأشوري من المنطقة، وهو يدرك أن الطريق نحو كوردستان هو الوحيد الذي توصل الأقليات في المنطقة ومنها البقية الباقية من الأشوريين إلى النجاة، والأمثلة أكثر من واضحة، تتبين من خلال المقارنة بين ما يجري في سوريا والعراق تحت الأنظمة العنصرية السنية والشيعية وما تقدمه الإدارتين الكورديتين من الحماية والاحتضان، رغم ضعف إمكانياتهما، للأقليات القومية والدينية في المنطقة، ومن بينهم المكون الآشوري والكلداني والسرياني وغيرهم، وعلى الأرجح له اطلاع واسع على ما جرى بالمسيحيين عامة في إيران وتركيا والدول العربية الإسلامية على مر التاريخ وحتى اليوم، فعلى سبيل المثال، كانت نسبة المسيحيين في سوريا عام 1919م يقارب 40% من سكانها البالغ حينها مع لبنان مليونين ونصف، واليوم لا نظن أنهم يتجاوزون 1% من سكان سوريا.
ما يقدم عليه الكاتب (سليمان يوسف)، هي نفس السمات الغارقة في الأخطاء، التي بينتها شريحة من الكتاب قبل سنوات على صفحات التواصل الاجتماعي، تحت أسماء أرمنية وسريانية وآشورية (الشعوب الثلاث براء من المجموعة المنوهة إليها) وشريحة من البعثيين السابقين، أمثال (أحمد كامل، ومحمد جمال باروت، ومهند الكاطع، وعزمي بشارة، وعدد من المحسوبين على المعارضة السورية …) وجلهم من المستعربين، جمعتهم منهجية العداء للكورد، خاصة بعد تزايد حضور القضية الكوردستانية في المحافل الدولية، وأصبحت خارج الحواجز التي كانت الأنظمة تضع أمامها.
هذا الفعل هي من أحدى نتائج ضعف الأنظمة المتربصة بالكورد والتي لم تعد تستند إلى مربعاتها الأمنية لمحاربتهم، ملتهية بحماية ذاتها، وإدراكها بأن الأساليب القديمة لم تعد مفيدة، وأن القضية تجاوزت قدراتهم بدخولها الأروقة الدولية، ولملء هذا النقص وجدت ضالتها في الأقلام الشاردة، والباحثة عن ملجأ لذاتها، الواقع الذي سهل لتلك الأنظمة تجنيدهم وخلق شريحة قادرة على أداء جزء من المهمة، ليس فقط لديمومة تحريف التاريخ الكوردي بأساليب جديدة، ومنهجية سافرة مغايرة للماضي، بل للطعن في قضيتهم بطرق مختلفة، وللأسف أمثال الأخ الآشوري لا يدرك أن أي إضعاف للكورد وقضيتهم هو أضعاف لحقوق الأقليات في المنطقة أيضا، مثلما يتناسى الكتاب العروبيون، أن حصول الكورد على حقوقهم انتصار للوطنية في المنطقة عامة.
تدرك الأنظمة هذه الجدلية ، فدفعت بمربعاتها الأمنية على توسيع هذه الشريحة من الكتاب، فلم تقف عند أبناء الأنظمة المحتلة لكوردستان، بل اتجهت إلى تجنيد أقلام من الأقليات التي عاشت على أرض كوردستان وعاشوا بين الشعب الكوردي طوال تاريخهم، وتلاعبوا بأدمغة بعضهم، مستفيدين من ثقافة أنظمتهم ومخلفات دول الانتداب من القرن الماضي، فنسوا على خلفية بعض المغريات، أنهم من أبناء الشعوب الآيلة إلى الزوال، ولا تزال أسيرة مفاهيم مرحلة مؤامرات القضاء على الكورد كشعب، وهي حتى اللحظة ورغم التطور الفكري وعصر الإنترنيت، لا تدرك أنها تضر بشعوب المنطقة عامة، وخاصة أقلياتهم والتي كانت الأنظمة العنصرية، سببا في زوالها من المنطقة أو انقراضها، وأن النهوض الكوردي تكاد أن تتجاوز قدرات تلك الأنظمة، والتاريخ يثبت أن الحاضنة الكوردية هي الملاذ الأفضل لهم…
يتبع..
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
17/12/2022م