لماذا تماهت أمريكا مع تركيا وتم إتهام العمال الكوردستاني، أو الـ ب ي د، وسابقا الديمقراطي الكوردستاني، والإتحاد الوطني الكوردستاني، بالإرهاب، الأول من قبل تركيا وأمريكا وأوروبا، والثاني من قبل أمريكا؟
– من حيث المنطق وقوانين حق الشعوب، للكورد وحدهم الحق باتهام أحزابهم الكوردستانية، ومن بينهم العمال الكوردستاني، دونهم، أي كان، دول أو منظمات، أحكامهم، وتهمهم مطعونة فيها، مبنية على خلفيات سياسية، وقومية عنصرية، في عمقها ضد الكورد تحت غطاء التهمة المحصورة قولا في العمال الكوردستاني، لكنها تشمل أغلبية الحراك الكوردستاني فعلاً.
– مع ذلك فكثيرا ما تضيع العدالة والحقوق أمام المصالح، وفي محاكم القوي.
من جدليات الصراع الحديث، إتهام القوى المناوئة لبعضها، بالإرهاب، الوصف الذي بدر بعد منتصف القرن الماضي، وأصبح من إحدى الدعايات الإعلامية القوية ضد المعارض. وتعويم أحد الأطراف، يستند على مدى قدر الآخر على فرض شروطه على القوى الإقليمية والدولية.
(هنا نتحدث عن العمال الكوردستاني، بعدما تم إزالة الحكم عن الحزبين الكوردستانيين من جنوب كوردستان)
ملكت تركيا الإمكانيات، من خلال لوبيها القوي في أمريكا وأوروبا، واستغلت مكانتها في الناتو، في مرحلة كانت تركيا تلعب الدور الرئيس في الصراع السني الليبرالي مع العالم الشيعي والسني الراديكالي، إلى جانب أن الشركات الرأسمالية العالمية، بعد التسعينات من القرن الماضي، كانت تطمح إلى دخول أسواق العالمين العربي والإسلامي من خلال الشركات التركية.
رافقت هذه العوامل، الفوضى الذي خلقته حزب العمال الكوردستاني في عدد من العواصم الأوروبية، محاول إظهار ذاته والقضية على المسرح العالمي من على عتباتها. كما وفي الداخل الكوردستاني، استخدمت منطق العنف مع الأطراف الكوردية المخالفة، والتي استفادت منهما تركيا، فقامت وبكل الأساليب على تشويه سمعة الحزب ضمن الأروقة السياسية والدبلوماسية الأمريكية والأوروبية. وعلى خلفية هذه الإشكاليات، فرضت تركيا على الدول المعنية؛ بند إدراج العمال الكوردستاني ضمن قائمة الإرهاب، كررتها عند كل حوار واتفاقية كانت تجريه معهم.
تمكنت من إقناعهم، والحصول على المراد، في مرحلة كان الإعلام التركي هي الجهة الوحيدة التي كانت تبث على العالم مجريات الأحداث في شمال كوردستان، إلى جانب أن سفاراتها وقنصلياتها ووفودها الدبلوماسية، ولوبيها المتمثل بسياسيين ورأسماليين من نفس الدول والمستفيدون من علاقات دولهم مع تركيا، جمع هذه الأطراف والإدارات كانت تتحرك وتعمل بشكل منسق على المستويات العالمية، ولا ننسى أنها ظهرت في فترة كان الإنترنيت لا يزال محصورا في مجالات ضيقة والإعلام غير الدولي مراقبا ومحصورا، مع انعدام شبه مطلق للوبي العمال الكوردستاني، وبل ولمجمل الحراك الكوردستاني.
ورغم أن العديد من الإستراتيجيين العسكريين والسياسيين الأمريكيين والأوروبيين أكدوا أن 4500 قرية كوردية التي دمرت في شمال كوردستان كانت بيد القوات التركية، وطائراتها (كالتي حصلت في جنوب كوردستان بيد قوات الأنظمة العراقية وخاصة نظام البعث وصدام حسين، ومثل الفتوى التكفيرية والمجازر التي أقدم عليها الخميني بعد ثورة شرق كوردستان بزعامة المرحوم عبد الرحمن قاسملو) والتي كانت قد وضعت الشعب الكوردي أمام خيارين، أما قبول الاحتلال التركي بكل أبعاده، أو الدمار، أي منطق (الكوردي الجيد هو الكوردي الميت)، ولا شك أن العمال الكوردستاني، برفعه لشعار تحرير كوردستان الكبرى، قبل أن يتحول إلى نقيضه، الأمة الديمقراطية، استخدم الصراع المسلح، إما لمنهجيته أو خدمة لمصالح دول إقليمية تماشت مع طموحات الحزب، فكان الدمار من إحدى نتائجه.
ولا يعني أن تركيا كانت ستقف مكتوفة الأيدي، وكانت ستبتعد عن استخدام تكتيك الإرهاب والتدمير كمنهجية لكتم صوت أي حراك كوردي عسكري أو سياسي يطالب بالحرية، أو المساواة مع القومية التركية ضمن تركيا، أو تغيير الدستور، أو إضافة بنود عليه يضمن حقوق الشعب الكوردي، وعلينا أن نتذكر كيف تم الحكم بالسجن خمسة عشرة سنة على النائبة البرلمانية الكوردية (ليلى زانى) لمجرد أنا تحدثت باللغة الكوردية في البرلمان، وقد كان ذلك نضال سياسي هادئ.
إذا عدنا إلى دراسة منطق الاتهام بالإرهاب، وقارنا بين العمال الكوردستاني كحراك، وتركيا كدولة، وتم التقييم بناء على الأفعال، والنتائج، لوجدنا أن ما أقدمت عليه القوات العسكرية التركية وبأمر من الأنظمة والقوى السياسية، سنجد أن تركيا دولة الإرهاب، وهي أخطر بكثير من الحركات الإرهابية، لهذا وجدنا عندما تحولت داعش من منظمة إلى شبه دولة أصبحت تهدد أمن العالم. ومثلها تركيا، خاصة مع الكورد والمناطق التي تجد فيها مصالحها، فهي التي دمرت الآلاف من القرى في شمال كوردستان، وجنوبها، والجرائم هنا لا تختلف عما تم ضد ثورة الشيخ سعيد بيران، وعبيد الله النهري، وغيرهم، حتى ولو كنت بأوجه وأساليب مختلفة، ويظل السبب ذاته، فتركيا الفتاة والكمالية اللتين أقدما على مجازر 1915 بحق الأرمن، ومن 1920 وحتى 1935 بحق الكورد، هي نفسها التي تحارب الكورد اليوم، وفي العقود الماضية، بعد انقلاب كنعان إيفرين، فما أقدمت عليه الدولة العميقة هي المسيرة التي يقوم بها أردوغان، حتى ولو كانا على طرفي نقيض، وتحت غطاءين مختلفين.
فإذا كانت أمريكا وهي كإمبراطورية، وبعض الدول الأوروبية، قد وضعوا العمال الكوردستاني، وسابقا، الديمقراطية الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني من جنوب كوردستان، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، والمجتمع الكوردي الوحيد الذي تأذى من أعمالهم، لذلك نظن أن تلك الدول ألصقوا التهمة ليس حبا بالكورد، بقدر ما كان حماية لنظام تركيا العنصري.
وبالمقابل هناك دول وقوى تضع تركيا أيضا ضمن قائمة دول الإرهاب أو الراعية للإرهاب، كاليونان وأرمينيا، وقبرص، وأغلبية الشعب الكوردي وحراكه، والعديد من الأطراف الليبية، وبعض دول العالم السني، سابقا وقبل عودة العلاقات، ومنها مصر والسعودية، ولا ننسى إسرائيل في الجهة الأخرى، كانوا يتهمون تركيا وحكومة أردوغان بشكل مباشر بدولة الإرهاب أو الراعية له، بل وحتى أن العديد من المنظمات الأوربية والأمريكية وبعض المسؤولين الأمريكيين عن الشرق الأوسط، صرحوا ولمرات على أن تركيا ساعدت كثيرا داعش وبكل المجالات، وهي التي سخرت موانئها ومطاراتها لاستقبال قرابة 80% من عناصر داعش القادمين من الخارج، وكانت تجمعهم في معسكرات في منطقة قريبة من الحدود السورية الشمالية الغربية، وتدربهم أحيانا قبل إرسالهم إلى سوريا.
جدلية التهم أعمق من أن تتوضح بمقال، ولكنها لا تلغي السؤال: أيهما يمارس الإرهاب، ومن يشكل الخطر على شعوب المنطقة؟
-ولماذا تغاضت الدول الكبرى، وخاصة أمريكا وروسيا، عن جرائم تركيا، بحق الكورد وأرمينيا وقبرص، والقوى الليبية الوطنية وغيرها، رغم دعمها المعروف للجميع، لأخطر منظمة إرهابية في الشرق الأوسط (داعش)؟
– هل ستظل أمريكا وروسيا صامتة في المستقبل أمام هذه الحقائق، أم أن مستقبل تركيا أعتم من مستقبل الإمبراطورية العثمانية؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
7/1/2023م