اشارت التقديرات الحكومية الى انخفاض عدد المشاركين في احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا خلال يوم السبت16/12/2018 و قد كان هناك مؤشر فرح ملموس للسلطات عند مقارنة المشاركين مع الاسبوع الذي قبله حيث اشروا بفرح الى انخفاض العدد الى النصف تقريباً حيث كان بحدود 66 الف مقابل 136 الف في السبت 08/12/2018
اتخذت حركة السترات الصفراء قرارها بالتحرك في اماكن ذات أهمية سياسية واعلامية واقتصادية واجتماعية وتاريخية …جادة الشانزيليزييه وبالقرب من مجمع الاليزيه الرئاسي وفي محيط برج ايفل أي قلب باريس…ويحضر هذه التجمعات مناصري الحركة من كل العموم الفرنسي حيث يقطعون مسافات طويلة من جنوب البلاد وشمالها وشرقها وغربها وتكرار هذا صعب في ظروف جوية واقتصادية صعبة و بفترات متقاربة”اسبوعياً”.
و قد صدرت تعليلات و تفسيرات متنوعة لذلك كل من زاويته فأصحاب الحكومة اشاروا الى خطاب الرئيس ماكرون و ما قدمه من تطمينات و قرارات و اعتذار و الاخر ذهب الى المناشدات التي تقدم به بعض الوزراء و المسؤولين للكف عن التظاهر تحت اشارات متنوعة تركزت على الحادث الاجرامي الذي تبنته داعش في مدينة ستراسبوك وراح ضحيته مواطنين ابرياء و الاخر انطلق يحلل في تشقق الحركة و خلافات في اجنحتها المتعددة و الاخر ذهب الى موضوع الملل و غيرها…لكن لي وجهة نظر اخرى تتلخص بالنقاط التالية التي كما اتصور كانت السبب او من الاسباب في هذا الانخفاض في التحشيد و المشاركة.
أما الاسباب التي اتصورها عن حالة انخفاض عدد المتواجدين في قلب باريس هي:
1.انخفاض درجات الحرارة في كل الجغرافية الفرنسية الى ما دون الصفر بعدة درجات مع سقوط ثلوج في بعض الاماكن وسقوط امطار مستمرة…اي عامل الطقس السيء.
2. ايقاف وسائل النقل الموصلة الى اماكن التجمع حيث يتم غلق محطات المترو وباصات النقل الداخلي وغلق الطرقات امام سير المركبات مما يضطر المشارك الى قطع مسافات طويلة داخل باريس مشياً على الاقدام قد تصل الى نصف ساعة أو أكثر حيث ليس من المعقول ان يأتي بسيارته الخاصة التي لا يجد مكان لركنها الا خارج باريس أي في الضواحي مع تكاليف اجور ذلك واحتمال تعرضها لعوارض كثيرة حتى من قبل الشرطة… إذا ما عرفنا ان محلات وقوف السيارة في مكان التجمع يتم افراغها خوفاً من حرقها فتدفع الى الدوائر المحيطة في المكان و هكذا الى ما بعدها. و المعروف ان المشاركين او اغلبيتهم لم يكونوا من بين سكان هذا المربع الشاسع او الدائر المحيطة به و انما من ضواحي المدينة و من المدن البعيدة التي وفد منها الكثيرين و التي تبعد مسافات قد تتجاوز الاربعمائة كيلو متر و حتى الخمسمائة كيلو متر والوصول والمشاركة يحتاج الى وقت و مصاريف و وسائط نقل غير السيارات الخاصة و كذلك الى بذل الجهد و الاستعداد للسفر ذهاباً و اياباً في نفس اليوم و ضبط مواعيد حركة القطارات و السيارات مع صعوبة التنقل بالحافلات لتأثر الطرق بعوامل كثيرة منها الازدحام المروري و الحالة الجوية.
3.الكثيرمنهم اصحاب عوائل ولهم التزامات بيتية لا يمكن تأخيرها لأكثر من هذا الوقت وبالذات من تكررت مشاركاتهم حيث الكثير منهم من العاملين والموظفين والمزارعين والذين يستغلون عطلة نهاية الاسبوع للتبضع او الراحة او عيادة الاهل والاصدقاء.
4.موسم الاعياد الذي يهم جميع المتظاهرين واصحاب المحال التجارية والمواطنين عموماً وضرورة الاستعداد للمشاركة في اعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وهذه عادات جبلوا عليها ويعتزون بها ويفخرون…فهي مقدسة لديهم.
5.الأعتقالات الاحتياطية التي نظمتها الشرطة لاعتقال “المشتبه” بهم أو “الناشطين” قبل تحركهم للمشاركة وكذلك مفارز السيطرة والتفتيش حيث وصل عدد المعتقلين الى اكثر من اربعة الاف معتقل ضاقت بهم مواقع الاعتقال مما اضطر السلطات الى فتح ما كان مغلق منها. ان هذه الاعداد تجاوزت ربما كل الاعتقالات التي حصلت في كل ساحات ما سُمي بالربيع العربي.
6.الحادث الاجرامي في ستراسبورك وتبادل الاتهامات بشأنه والذي حسب البعض انه قد يتكرر وبالذات بعد اشارة بعض المسؤولين الى ان هذه الاحتجاجات تقلل من توزيع عناصر حماية الامن على المناطق الاخرى واشغالها في محيط الاحتجاجات.
7.نداءات التهدئة التي صدرت من الرئاسة الفرنسية ومن الرئيس ماكرون شخصياً ومن المتحدث باسم الوزارة ومن رئيس البرلمان وغيرهم حيث ((دعت الحكومة الفرنسية الخميس محتجي “السترات الصفراء” إلى التعقل وعدم التظاهر مجددا السبت. وقال الناطق باسم الحكومة “ليس من الحكمة التظاهر” نظرا للتعبئة الكبيرة لقوات الشرطة في عمليات التحقيق والبحث الجارية بعد اعتداء ستراسبورغ الثلاثاء. بينما طلب مسؤولون آخرون بينهم رئيس الجمعية الوطنية ووزير الانتقال البيئي وقف حركة الاحتجاج بالكامل)). يضاف اليها الخوف من تكرر مثل هذا العمل الاجرامي.
8. الخوف من التشدد والانتهازية السياسية. ففي الوقت الذي بدأت فيه تحركات “السترات الصفراء” كحركة شعبية سلمية وغير مسيسة، أدت أعمال العنف التي شهدها الأسبوع الثالث والرابع من الاحتجاجات إلى الخوف من خلق حالة من الفوضى وانتشار النهب بصورة لا يمكن احتوائها كما أدى الدخول العلني لبعض رموز اليمين المتطرف واليسار المتطرف على الخط إلى خشية تسيسها وهي التي حاولت الابتعاد العلني عن الاحزاب السياسية.
…………………………
ملاحظات عامة:
1.اصدرت “اللجنة المشرفة” او “المديرة” لحركة السترات الصفراء بيان سياسي مهم وجديد وخطير وهو ما اُطلق علية بالرمز “آر. آي. سي” القته على المحتجين إحدى الناشطات … يعني هذا الرمز/المطلب ان تخضع الدولة و برلمانها الى الادارة الشعبية او هكذا و اساس هذا الطلب هو اخضاع كافة القرارات التي تهم الجمهورية و قوت الشعب الى الاستفتاء الشعبي وليس موافقة اعضاء السلطة التشريعية حتى على مستوى المقاطعات.حيث كان السبب ذكي جداً يقول: ان “حركة الجمهورية الى امام””الماكرونية” قد استطاعت حشد اكثرية برلمانية غالبها من الشباب غير المتمرسين بالعمل السياسي فكانت هذه الاكثرية هي اكثرية تصفيق : أي”لا تختلف كثيراً عن مجالس الشورى في الممالك العربية او برلمانات الدول العربية حيث تستقبل الملك او الرئيس بالوقوف والتصفيق الحاد و تؤيد كل ما ينطق به “المعلم الاول”/الزعيم/الملك/ولي العهد بالتصفيق ايضاً “
و دليلهم في ذلك ان كل القرارات التي صدرت بخصوص الضرائب و اسعار المحروقات كانت بإجماع تلك الكتلة و لم يعترض عليها أحد. فقالوا لهم نحن انتخبناكم لتمثلونا ونحن نرفض هذه الزيادات وهذا يعني أنكم لا تمثلونا.
2.هناك حملة رافقت تحركات السترات الصفراء تمثلت بتغطية كل الرادارات المرورية او اغلبها المنتشرة بكثافة غريبة على كل الطرق الخارجية والداخلية في فرنسا بأكياس بلاستيكية سوداء “أكياس الازبال” بعد صبغ كاميرات الالتقاط بالألوان المختلفة. وبعضها تعرض للتدمير والحرق. وهذا يعني منع الحكومة من الاستفادة من مبالغ كبيرة سنوياً. وفي نفس السياق تم حرق بعض الحواجز المنتشرة على مداخل ومخارج الطرق السريعة في فرنسا حيث ان استخدام الطرق السريعة في فرنسا يكون مقابل ثمن أي “غير مجاني”
3.اعترف رئيس الوزراء متأخراً بأن الحكومة ارتكبت اخطاء كبيرة وإنها ابتعدت عن الشعب وهي في طريقها الى معالجة ذلك بالحوار.
4.أصبح الاسم الجديد او المرادف ل”حركة السترات الحر” هو “فرنسا الرافضة”
5.الاستعدادت مستمرة لبناء هياكل خشبية لاستراحة المعتصمين في الساحات العامة وبالذات في مداخل ومخارج المدن والقرى وتجهيزها بما يلزم لقضاء عطلة اعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة في اشارة الى استمرار الاعتصامات رغم الظروف الجوية القاسية.
6.اليوم بدأ اضراب رجال الشرطة والمتوقع غداً الاربعاء اغلاق كل دوائر الشرطة في عموم فرنسا حيث القلق من زجهم في صدامات مع الجماهير وكذلك الاعياء والتعب من خلال العمل لفترات طويلة دون احتساب اجور ساعات العمل الاضافية …واعلان تقديرهم لمطاليب اصحاب السترات الصفراء وتأييدهم لها…اجرت محطات التلفزة لقاءات مع بعض عناصر الشرطة الذين التحقوا بأصحاب السترات الصفراء في الاسابيع السابقة.
7. التحق المتقاعدين اليوم بقافلة الاحتجاجات بشكل رسمي جماعي وليس بشكل فردي.
8.ظهرت شعارات وعبارات قاسية ضد الرئيس ماكرون من قبيل ارحل وسارق.
.