بعد أن كان العراق “ممراً رئيسياً لتهريب المخدّرات الإيرانية والأفغانية والباكستانية إلى دول الخليج العربي”، أصبح البلد الذي يعاني من ويلات وتداعيات الحرب من بين الدول المتعاطية للمواد المخدرة.
إذ أقرّ عضو مفوضية حقوق الإنسان، فاضل الغراوي، بأن العراق أصبح “سوقاً رائجاً لبيع وتعاطي المخدرات”، بعد أن كان طريقاً لمرورها فقط.
الأمر الذي أكّده ضابط في مديرية مكافحة المخدرات، رفض الكشف عن هويته، لـ”الخليج أونلاين” قائلاً: “إن مناطق جنوب العراق شهدت في السنوات الأربع الماضية رواجاً كبيراً لبيع وتعاطي المخدرات بكافة أصنافها”.
وقال الغراوي في بيان حصل “الخليج أونلاين” على نسخة منه: إن “عامي 2017 و2018 شهدا ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة تعاطي المخدرات وترويجها وبيعها، وخصوصاً بين فئة الشباب لكلا الجنسين”، عازياً ذلك إلى “الأسباب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي كانت لها تأثيرات مباشرة في ارتفاع تلك النسب”.
ويؤثر تداول المخدرات على مدخولات الأسر العراقية، ويؤدّي إلى استنزافها اقتصادياً، خاصةً بعد التنوّع الكبير في أنواع المواد المخدّرة، بعد أن كانت مقتصرة على “الأفيون والحشيش” وبأسعار متفاوتة، كما ذكر الغراوي.
وأشار الغراوي إلى أنه “من أجل ديمومة وجود المخدرات في أيدي المتعاطين بدؤوا يقومون بأعمال إجرامية تنافي السلوك المجتمعي؛ ومنها الاعتداء على ذويهم، وكذلك قيامهم بسرقة الأموال بغية الشراء”.
وبالنسبة للحلول التي تسهم في الحد من هذه الظاهرة قال عضو المفوضية: “إن إيداع المتعاطين للمخدرات في السجون ومراكز الاحتجاز ليس هو الحل الأمثل؛ لكونهم مرضى، كما أن انعدام وجود مصحّات متخصصة بالتأهيل والدمج قد تكون سبباً في تفاقم التعاطي بعد خروجهم من المراكز”.
ولفت الضابط في مديرية مكافحة المخدرات إلى أن “مراكز مكافحة المخدرات أحالت مئات القضايا إلى المحاكم بتهمة ترويج وتعاطي المخدّرات، فضلاً عن توقيف أكثر من 700 شخص متعاطٍ، منذ بداية 2018 ولغاية اللحظة”.
وحول أسباب رواج بيع وتعاطي المخدرات في العراق ذكر الضابط في حديثه لمراسل “الخليج أونلاين” أن السبب الرئيسي خلف انتشار تعاطي المخدرات في العراق هو سيطرة المليشيات المسلّحة والمتنفّذة على مزارع المخدرات، وفتح الأبواب على مصراعيها لدخول المخدّرات وتهريبها”.
وعزا القاضي المختص بمكافحة المخدرات، رياض العكيدي، سبب تنامي ظاهرة تجارة المخدرات إلى “الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد، وانتشار البطالة، بالإضافة إلى عدم وجود عقوبات رادعة كالتي كانت قبل الغزو الأمريكي للعراق، حيث كانت تصل عقوبة التجارة والتعاطي إلى الإعدام للحد منها.
ودعا العكيدي، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، “الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى إعداد مسودة قانون مكافحة المخدرات الخاص بالعراق لأجل السيطرة على هذه الظاهرة، ومنع شباب البلاد من الوقوع بهذه الآفة التي باتت تهدّد المجتمع العراقي”.
وينتمي غالبية مروّجي المخدّرات لفصائل مسلّحة بعضها تابع لمليشيا الحشد الشعبي، ويمارسون عملهم بحرّية مطلقة، كما ذكر الضابط في مركز المكافحة، وأوضح أن “القوات الأمنية تتجنّب الصدام معهم”.
في حين أشار المسؤول الأمني إلى أن” عصابات المليشيات والجماعات المسلّحة في العراق التي تتاجر بالمخدرات تستخدم ممرات رسمية وغير رسمية على الحدود الشرقية التي تربط العراق مع إيران”.
وأوضح القاضي العكيدي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “إن بعض الفلاحين في العراق، وخصوصاً في المناطق النائية، ممن كانوا يزرعون الطماطم وغيرها من الخضراوات، توجّهوا الآن إلى زراعة أنواع من المواد المخدّرة؛ لأن الربح فيها سريع ومغرٍ”.
وكان العراق قبل عام 2003 يُعدّ من البلدان النظيفة من التعاطي أو الترويج للمواد المخدّرة، لكن إبان الغزو الأمريكي للبلاد، ومع تراجع الوضع الأمني وانتشار الجماعات المسلّحة وعدم السيطرة على السلاح، بدأت تجارة المخدرات تلقى رواجاً كبيراً”.