الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتد. محمود عباس : روج آفا بين ترمب وأردوغان

د. محمود عباس : روج آفا بين ترمب وأردوغان

 كانت القضية الكردية، أو لنقل المنطقة الكردية، من المسائل التي تحدث فيها، ترمب خلال مكالمته البارحة مع أردوغان، وذلك على خلفية تهديدات الأخير، وتحشداته العسكرية للهجوم على شرقي الفرات، حيث تواجد القوات الأمريكية، إلى جانب قضايا أخرى، تعتبر في جغرافية العلاقات الأمريكية الدبلوماسية، ذات أهمية استراتيجية،  وتعكس مصالحها في الشرق الأوسط، وبعضها مرتبطة بشكل مباشر بقضية الإدارة الذاتية في جنوب غربي كردستان، أو لنقل الـ ي ب ك، كما تريد إدارة أردوغان التعبير عنها، أو لنقل شرق الفرات حيث الوجود الأمريكي العسكري، والدارجة ضمن الصفقات ذات التأثير غير المباشر على مستقبل المصالح الأمريكية في المنطقة، ومنها قضية تورط محمد بن سلمان والتركيز عليه من قبل تركيا، لعزله كشخصية منحازة إلى التحالف السني المعارض للتحالف التركي القطري، والمؤيد للتوجه الإسرائيلي في مسألة الدولة الفيدرالية، عن طريق استخدام الطعم المخطط أردوغانياً وبتفكير روسي، وهي عملية استدراج الصحفي السعودي خاشقجي إلى الأراضي التركية وقتله هناك بيد السعوديين.

  تستغل تركيا هاتين القضيتين منذ فترة للضغط على الوجود الأمريكي في شرقي الفرات، ولا شك، بمساندة روسية، لتعيد بعض المكاسب التي خسرتها في ابتعادها عن أمريكا والناتو، ومنها ليتراجع الرئيس دونالد ترمب عن تحالف قواته مع القوات الكردية في المنطقة، وإعادة تسيير صفقة الطائرات أف 35 الأمريكية المجمدة بعد سجن تركيا للراهب الأمريكي. وعلى الأغلب، أدرجت القضية السورية في المكالمة بشكل عام، والمعارضة السورية المسلحة بشكل خاص، والتي أصبحت معروفة لكل المحللين السياسيين أن تركيا هي المعنية بإيجاد مخرج للتخلص منهم.

  ولا شك، تم في مجرى الحوار، التطرق إلى عمليات دعمهم للقوات الكردية المتهمة أردوغانيا بالإرهابيين بشكل مفصل من قبل الأخير، بعدما تم نقل الحل الروسي العسكري للمعارضة السورية المسلحة، إلى قاعات مؤتمرات دولية اشترك فيها الأوربيون، ليتم السلام كحل مؤقت، إلى أن يتم التخلص منهم بطريقة تلائم جميع الأطراف، والمخرج الأردوغاني للتخلص من إشكاليات المعارضة لا ينفصل عن محاولة القضاء على القوات الكردية، (بعد محاولة التقرب من سلطة بشار الأسد، والمكلفة بها رئيس السودان عمر البشير الذي زار دمشق البارحة وعلى متن طائرة روسية عسكرية، وبتخطيط روسي) بتصعيد الصراع وخلق حرب دموية بين الكرد والعرب، في جنوب غربي كردستان، مماثلة لما فعله في عفرين والباب، وخرج منهما باحتلال المنطقة تحت غطاء المعارضة السورية.

  لكن وزارة الدفاع الأمريكية ومن خلال تصريحات متعددة المصادر، تبين أن أمريكا غير راضية عما تخطط له تركيا، والعملية أن جرت لن تمر بسهولة، وكالعادة فردودهم تظهر على مستوى المسؤولين عن المنطقة، بينهم من قال أن، العمل العسكري الأحادي الجانب مثير للقلق الشديد، وفي مكان أخر نشر تصريح أكثر وضوحا، وذكر أن (العمل العسكري الأحادي الجانب في شمال شرقي سوريا من قبل أي طرف، خاصة مع وجود أفراد أمريكيين أو وجودهم في المنطقة المجاورة، يشكل مصدر قلق بالغ، وسيعتبر أي عمل في هذا التوجه غير مقبول) وسأل المتحدث الرسمي باسم البنتاغون ثانية اليوم بعد تهديد أردوغان الجديد، فيما إذا كان تصريحهم لا يزال ساري المفعول رد بـ (نعم) وهذه تعكس بشكل أو أخر جزء من مضمون مكالمة ترمب البارحة، ورد فعل سلبي على تهديدات أردوغان.

   وما تم ذكر في الإدارة الأمريكية تتعارض ما تبجح به أردوغان. كما قيل في الإعلام الأمريكي، أن ترمب طمأن أردوغان على أن التنسيق حول القضية السورية ستكون أكثر فعالية، دون تحديد لنوعية العمل، ولم يعطي ترمب أي ضوء أخضر لتركيا بالهجوم على شرقي الفرات، كما يدعي أردوغان، وهذا ما توضحت من خلال حديث وزير داخلية أردوغان البارحة، القائل إنهم دخلوا عفرين وإدلب وسابقا الباب بدون رضى أمريكا وهم سيدخلون شرقي الفرات بنفس الأسلوب، كما وتبين من خلال تصريح وزير خارجيته اليوم، عندما قال ” أذا اعتقدت أمريكا أنها المأوى، حامي هذه المنظمة الإرهابية، فهذا شيئا آخر”. مع ذلك فكل الاحتمالات ستظل مطروحة على بساط السياسة والمصالح، حيث التغيير بين لحظة وأخرى.

والإشكالية، المرحبة بها من قبل كل كردي، والتي ظهرت مع هذه الموجة الدبلوماسية- العسكرية، وخلقت لغطا في الوسط الكردي، وكانت محل رؤى عديدة متناقضة، تخللتها الشكوك في مصداقيتها، هي خبر دخول بيشمركة روج آفا إلى جنوب غربي كردستان من القسم الجنوبي، وبرفقة القوات الأمريكية، وقد نشر الخبر على قول شخصية كردية سياسية يقال أنه فضل البقاء في السر، وفي الواقع الحدث ظل غامضا، إلى أن وضحها المسؤول الأمريكي جيمس جيفري، والتي كانت حراسة مؤقته لقافلة عسكرية أمريكية حتى تسليمهم لقوات الـ ي ب ك، وما تم تناقله بين الكرد، لم تدعم بأية إثباتات مغايرة للمسؤول الأمريكي، من قبل ناشريها الأولين، وهما روسيا اليوم، وقناة روداو وموقعها الرسمي، ففي الروسية قيل أن المصدر ذكر لهم أن البيشمركة بتعداد قرابة 400 عنصر دخلوا إلى روج آفا، دون تحديد وجهتهم وما تم بعد ذلك، أما روداو فحصر العدد بمئة بيشمركة، وبعد حوار مع مجموعة من الـ ي ب ك، ومسؤولي الـ  ب ي د، في جنوب ديركا حمكو، عادوا إلى الإقليم الفيدرالي، والسؤال: هل الاتفاقيات العسكرية تحتاج إلى جلب مئة بيشمركة للتباحث، أم إلى قادة وسياسيين يتم بينهم الاتفاق على خطة العمل؟

يمكن حمل هذا الحدث من عدة أوجه: لماذا يتم نفيه من قبل قوات الـ ي ب ك، فيما إذا كان قد تم؟ هل هم فعلا يتحذرون أن تكون هناك خطة ما ليحل البيشمركة مكانهم، وهذه هي بداية المشروع، أم أنهم لا يثقون بهم، ويتهمونهم بأنهم قوات تخدم مصالح تركيا، مثل اتهامهم للمجلس الوطني الكردي، دربت في الجنوب وتحت إمرة ضباط أتراك! وإذا كان الخبر فبركة، لماذا لا تنفيها قادة قوات البيشمركة؟ هل بإمكانهم القيام بخطوات عملية تقلل من الضغط التركي على المنطقة الكردية، وهل هم على قناعة أن تركيا ستقبل قوة كردية بديلة؟ أم أن تركيا ستجد حجة أخرى في حال انتشارهم على الحدود مع الأمريكيين، وأدركوا حقيقة هذه المعادلة، فعدلوا عن الخطة، وتم التراجع والتغطية على ما جرى؟ أم هناك طبخة أمريكية تجري وهي فوق طاقة الطرفين؟

  وفي الحالتين ورغم ما في هذه الخطوة من الإيجابيات على العديد من المستويات الكردستانية والدولية، والتي يباركها كل كردي وطني، ويتمنى صحتها، وافتعلت لتطرق عدة أهداف، منها أنها كانت جس نبض للشارع الكردي، لربما من قبل الأمريكيين لمعرفة كيف سيتم تناولها، وفي الجهة المقابلة ماذا سيكون رد فعل أردوغان، وهل سيغير موقفه، ويخفف من تهديداته، وسيقبل احتمالية إشراك قوات البيشمركة مع القوات الأمريكية في نقاط المراقبة، ولا يستبعد أن تكون هذه من بين الحلول التي تم عرضها على أردوغان إما في المكالمة التي جرت بينه وبين ترمب، أو عن طريق أحد المسؤولين الأمريكيين المعنيين بشرقي الفرات، كجيمس جيفري مثلا.

 وعلى خلاف الحوارات الدبلوماسية والمصالح، والخباثة السياسية، فالقوات الأمريكية، ونستطيع أن نقول وزارة الدفاع الأمريكية، لها انطباع إيجابي عن القوات الكردية، البيشمركة والـ ي ب ك، وتتبين هذه من خلال تصريحاتهم المتكررة والمؤيدة للحقوق الكردية، والدفاع عن مصالحنا في المنطقة، إلى درجة أن أحد الضباط الأمريكيين، وصف الجيش التركي بـ (الإرهاب) وهو برتبة كولونيل، اسمه (ويل جونسون بريانتي) ومسؤول في إحدى القواعد الأمريكية على الحدود مع تركيا، ولأول مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية-التركية، يتم مثل هذا النعت، وقد ذكرها في توتيره، على خلفية صورة سيارة الهامر الأمريكية وبجانبها تلاميذ كرد، أظن الصورة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا ” صورتي المفضلة لهذا الأسبوع، القوات الخاصة الأمريكية )القبعات الخضر) يحرسون حدود روج آفا-تركيا، بعد مقتل تلميذة من روج آفا عائدة من المدرسة برصاصة قناص (إرهابي) من الجيش التركي، الذين يستهدفون الشعب في روج آفا، والأن هؤلاء الأطفال في أمان، بعد الدوريات الأمريكية ” تراجع عن توتيره، معتذرا، على خلفية الاحتجاجات التركية والضغوطات السياسية. ولكن طريقة الاعتذار، من الضابط، لا تشبه النفسية الأمريكية، وتعكس التعامل الإداري والمسؤولية.

تتبين ومن خلال هذه الحادثة، أن الجيش الأمريكي في روج أفا، والتي تعكس خلفية موقف البنتاغون، أنهم يعارضون أي تدخل خارجي إلى شرق الفرات، وخاصة الجيش التركي، والتي ستطعن في عنجهية الجيش الأمريكي، مع ذلك تبقى المصالح الأمريكية هي المحرك لقواتها، حتى ولو كانت على تضاد مع رغباتها، ولوزارة الدفاع ثقل ما في ترجيح كفة الميزان السياسي، وعلى الأغلب أنها ستكون من أحد العوامل التي ستوقف أردوغان ضمن تصريحاته دون فعل، ومن المرجح أن أمريكا ستستمر في خطتها بتشكيل كيان فيدرالي موسع تشرف على البحر، والتي تعكس مصالحها، وهذا المخطط هو الذي يقلق أردوغان والمعارضة، وإيران والسلطة السورية، فيعملون معاً لإحباطها مسبقاً.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

17/12/2018م    

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular