لم أكن أعرف الرفيق الفقيد ثابت حبيب العاني ابو حسان حينما انتميت للحزب سوى كونه أحد قادة حزبنا وكنت أقرأ إسمه يتصدر صحيفة الحزب طريق الشعب كصاحب إمتياز للجريدة اليومية , ثم عرفت انه عضو مكتب سياسي في الحزب وحينما إنبثقت الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين في تموز عام 1973 شغل الفقيد فيها منصب عضو اللجنة العليا والذي كان يجتمع مع قادة حزب البعث ممثلاً عن الحزب الشيوعي ومنهم صدام ونعيم حداد وغيرهما..ولم التقي به في لبنان او سوريا بعد الضربة التي وجهها حزب البعث لتنظيمات الحزب الشيوعي اواخر عام 1978 واوائل عام 1979 حيث إستطاع عدد من قادة الحزب وكوادره ورفاقه من النجاة والهروب خارج العراق لهذه الدول او لليمن الديمقراطية والبلدان الاشتراكية السابقة كالاتحاد السوفييتي وغيره ..لكني حينما توجهت الى العمل في قاطع أربيل يوم 5 كانون الثاني عام 1983, تعرفت على رفيقنا ثابت الذي كانت كنيته ابو ماهر وكان يعمل معه عدد من قادة الحزب كالرفيق الفقيد ابو عواطف سليم اسماعيل والرفيق الفقيد ابو جبار أسعد خضر و الفقيد يوسف حنا ابو حكمت وكان المستشار السياسي لفصيل مقر القاطع هو الرفيق الفقيد الدكتور صادق اي مهند البراك الذي كنت مساعداً له ..كانت علاقتي مع الجميع جيدة وطيبة ولكن علاقة الفقيد ابو حكمت مع الانصار بشكل عام يشوبها الابتعاد قليلاً اي انه ليس منفتحاً بالعلاقة مع الانصار كبقية القادة ..وكان المقر عبارة عن مدرسة بنائها جديد وفيها عدة صفوف لكنها مهجورة ولا توجد فيها دراسة علماً أنها تابعة لقرية شيخ وسّان الذي ضربها نظام صدام في أحد الاعوام بالسلاح الكيمياوي ..كان لكل قائد غرفة صغيرة فيها سرير نوم ومدفئة تعمل على الحطب , كنت كثيراً ما أتردد على غرفة الرفيق الراحل ابو ماهر والرفيق الفقيد ابو يوسف ونتكلم بأمور كثيرة وكثيراً ما أسأل الرفيق ابو ماهر اي الرفيق ثابت عن أمور تخص الحزب وعمله خصوصاً أيام ما بعد ثورة 14 تموز ولماذا لم يستلم حزبنا السلطة وحول انشقاقات الحزب وعن حركة حسن سريع وعن اللجنة العسكرية للحزب التي قادها لفترة من الزمن وغيرذلك , فكانت إجاباته لي دقيقة وصادقة تنم عن حزن وأسى لبعض الامور التي لم يستغلها الحزب لتحقيق طموحات الجماهير واخذ زمام الامور بيده ..الخ ومن خلال المعايشة اليومية في مقر قاطع أربيل تعرفت على شخصية حزبية شيوعية نادرة فهو فعلاً إسم على مسمى ..إنه ثابت وراسخ على مباديء حزبه الذي تربى بين احضانه منذ عام 1943 وهو حبيب لجميع الرفاق الذي عمل معهم وكان يعتبرهم بمثابة ابناءه وهو رؤوف كإسمه الحزبي رؤوف الذي إختاره لعمله التنظيمي ..فكان يحب الرفاق ويشعر بألم حينما نفقد أحدهم ..ففي إحدى االمرات همس الفقيد ابو نبأ بأذني وكان يشغل آمر الفصيل ..أنه وجد الرفيق ابو ماهر يبكي لأن عدداً من الرفاق ذهبوا في مهمة عسكرية وكان خائفاً عليهم من الاستشهاد ..واتذكر ان ابا نبأ قال لي (..الله..ما تعرف الناس إلاّ حينما تعيش معهم ..كم هو حنين وطيب رفيقنا ابو ماهر )..وهذا هو الطبع الانساني الذي وجدته فيه وفي إحدى المرات كنت أتمشى معه في الرواق ..فقلت له ..رفيق إنت مو عندك إبن إسمه حسان ..وينة !! رد علي بحزن ..لقد تم قتله في الحرب ..! ثم أشار بيده اليمنى لأرض المقر قائلاً ..لو مستشهد هنا معنا كان أفضل ..! وكان يقصد سيكون أحد شهداء الحزب . وكان الرفيق ابو حسان طيب ومتواضع يأكل معنا في نفس الصحن ولا توجد له حماية وتراه يتحدث مع ابسط نصير وكأنه صديقه !…في الاسبوع الاول من شهر نيسان عام 1983 غادر رفيقنا المقر مع نخبة من الشباب الانصار متوجهاً الى قاعدة بشتاشان وودعناه بحرارة مع المفرزة التي رافقته الى هناك ..وحينما عدت في نهاية الشهر من مهمة عسكرية مع نفر من الرفاق خارج القاعدة , لم أجده في مقر القاعدة ..! سألت عنه فقالوا أنه لا زال في بشتاشان بطلب من القيادة ولأمر ما ! ..وفي الاول في ايار حصلت جريمة بشتاشان التي قامت بها قوات مدججة بالاسلحة من عناصرالاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة نائب جلال الطالباني وبإيعاز منه الى ناو شيروان مصطفى لغرض إبادة الشيوعيين في هذه القاعدة التي تضم القيادة وتفرعاتها ..لقد خفت على جميع الرفاق وتمنيت خلاصهم من شرور الاعداء المدعومين بأسلحة وتجهيزات حديثة من النظام العراقي والتي لاحظتها بعيني في أواسط نيسان اي قبيل معارك بشتاشان ..كانت خطة قيادة الاتحاد الكردستاني هي إبادة كل نصير في بشتاشان ثم التوجه لقاطع أربيل للعمل والهدف نفسه لكن قيادتنا في أربيل أحست بالخطر وتسربت اليها المعلومات بذلك ..فقررت الانسحاب وخلال مسيرة شاقة رافقها العطش والجوع والتعب والسهر وصلنا الى داخل كردستان إيران وإستقرينا في قرية سيلوة ..وكانت المفاجئة المفرحة والمؤلمة بنفس الوقت وهي رؤية عشرات الرفاق الواصلين والناجين ومنهم كان الرفيق العزيز ابو ماهر لكنني شاهدته بلا حراك..! كان نائماً على فراش وتمت تغطيته ببطانية وهو مغمض العينين ..وعرفت من الرفاق أنه في حالة صحية صعبة ويعاني من الم في القلب ..في اليوم التالي فتح عينيه وسلمت عليه ورد بإبتسامة وطمأنني على سلامة وضعه ..ثم بعد أسابيع جرى نقله الى بلد آخر للعلاج وضاعت عليّ أخباره الى شهر أيلول عام 1989 حينما علمت أنه في هنگاريا يعيش في شقة صغيرة في العاصمة بودابست..قلت لابد من زيارته مهما كان وكنت حينها قد عدت من المساهمة في مؤتمر الجمعيات والروابط الطلابية التابعة لاتحاد الطلبة العراقي العام خارج الوطن الذي انعقد في المانيا الديمقراطية في مدينة درسدن كممثل لطلبتنا في بلغاريا مع نخبة طيبة من الزملاء وحينما انتهينا منه سافرنا الى براغ ثم الى هنگاريا وحصل اللقاء السعيد والمثمر مع أبي حسان ..في مدينة بودابست الجميلة إصطحبنا زميل من الطلبة العراقيين الذين يدرسون في هنگاريا , كنت مع بعض الزملاء من بلغاريا ..وصلنا للبيت وضغط مرافقنا على الجرس ففتح الباب من قبل القاص ابراهيم أحمد الذي كان في البيت بزيارة للرفيق ابو حسان ..رحب بنا وسألناه عنه فقال تفضلوا ..إنه سيأتي بعد دقائق حيث ذهب لشراء بضاعة من دكان قريب من هنا ..قلنا له سوف ننتظره وما هي إلاً بضع دقائق حتى لاحظناه يسير وهو بصحة تبدو جيدة على محياه من بعيد ..إبتسم لنا وأخذنا بالاحضان معاتباً ..ليش واقفين هنا ولماذا لم تدخلوا..! وحينما دخلنا ..أشار للثلاجة قائلاً ..أن فيها الكثير من الاشياء التي يمكنكم طبخها واكلها ..إعتذرنا له .. ( إحنة جايين انشوفك رفيق ولسنا جياع .).ثم عدت لأسألتي القديمة , أطرحها عليه وهو منصت لاستماعها والاجابة عنها برحابة صدر وبشفافية ..قال لنا ..حول حركة حسن سريع أن الشهيد البطل حسن طلب من الحزب دعمه فقط بأن يقف تنظيم بغداد المدني معه لنجاح حركته في الثالث من تموز عام 1963 ويؤكد الرفيق العزيز ابو حسان أن حزبنا لم يوافق على ما طلبه ولكنه تمنى للحركة النجاح دون المشاركة الفعلية فيها !! وحول استلام الحزب للسلطة عام 1959 او بعد ذلك ..أكد الرفيق أن لدى حزبنا حوالي 500 ضابط من رتبة ملازم ثاني الى زعيم اي عميد بالاضافة الى وجود حوالي 1200 ضابط يتبرعون للحزب شهريا وهم أصدقاء الحزب ولدينا أكثر من ثلاثة آلاف جندي وضابط صف كانوا أعضاء في الحزب !!..أي ان قوتنا كانت الاولى في القوات المسلحة عام 1961 ويمكننا الاستفادة منها لتحقيق النصر لكن الخلافات كانت تدب في القيادة وتآمر بعض الرفاق على سكرتير الحزب الشهيد سلام عادل ..الخ. كانت كلها عوائق ! .كان الرفيق الفقيد ابو حسان يتكلم عن الحقب الماضية بألم ومرارة نلمس من خلالها ضياع فرص ثمينة لتغيير الوضع على يد الحزب الشيوعي التي شابها التخبط وضعف الجرأة في الشروع بالعمل الجاد واتخاذ القرار المناسب ..بقينا معه نتكلم في أحاديث شيقة جداً ولأن وقتنا كان ضيقاً في هذه المدينة فقد ودعناه بعد ان طمئننا على سلامة وضعه الصحي بشكل عام , ولم أعلم أن هذه الزيارة ستكون الاخيرة..حيث أنه توفي في لندن يوم الاثنين في 23 شباط عام 1998 بسبب المرض في احدى مستشفيات لندن التي دفن في احدى مقابرها ..عن عمر ناهز ال 76 عاماً ..( وهو من مواليد مدينة عنة التابعة للانبار عام 1922.. ) أعود الآن لدعوة قيادة الحزب له في بشتاشان..ففي يوم 5 نيسان عام 1983 توجه رفيقنا ابو ماهر الى بشتاشان مع مفرزة من عدد من الرفاق ووصل اليها في الثامن منه وفي اليوم التالي رتب له لقاء مع كريم احمد الذي كان يحل محل سكرتير الحزب في حالة غيابه ومع عمر علي الشيخ ابو فاروق وسليمان يوسف ابو عامل وكانوا أعضاء في المكتب السياسي للحزب , تطرقوا فيه الى اوضاع قاطع اربيل بسلبياته وايجابياته ثم تم تأجيل اللقاء الى يوم 10 نيسان الذي سلمه فيه الفقيد كريم احمد رسالة صغيرة قرأ محتواها الآتي (..انك مجمد من اللجنة المركزية , ونطلب منك جوابا تحريريا على الرسالة .) .التي كانت كالآتي .. ( ابو حسان تحية ..لقد وصل الى علم الحزب ان ثابت حبيب العاني صمد صمودا بطوليا لدى اعتقاله في 1 ايار عام 1971 في قصر النهاية , لكنه في الاخير ضعف فوافق على التعاون في مجال الطلاب وفي مجال العلاقات مع الاتحاد السوفييتي , لقاء الحفاظ على تنظيماته وتقديم المساعدة له عن طريق أخيه ..كما كان على اتصال مع احد المحامين وكان في السلك العسكري في مكتبه في شارع السعدون …التوقيع المكتب السياسي )..يقول الفقيد ابو حسان ..كانت الرسالة بخط كريم احمد , تركتهم وقرأتها عدة مرات وكانت ثقتي بنفسي وبموقفي عالية بحيث احتقرت هذا الاتهام ولم اهتم به ..ثم كتبت لهم جواب مختصر (..اذا تحقق هذا الشيء , فانا استحق عقوبة الاعدام ..!! ) كان الفقيد ابو حسان واثقاً من صلابته وقوة عزيمته التي لا تقهر وهو الذي جرّب صنوف التعذيب من خلال السجون والمعتقلات الكثيرة التي زج بها لذلك استخف بقرار التجميد الذي هو في النظام الداخلي لا يعتبر عقوبة بل إجراء انضباطي تتخذه اي هيئة بحق اي رفيق لاسباب أمنية او سياسية او غيرها ثم تزول بعد حين بزوال المسبب ..لكن القرا ر المتخذ ضده يعود 12 سنة الى الوراء حينما كان الفقيد معتقلاً في سجن قصر النهاية وذاق من التعذيب النفسي والجسدي بشكل لا يوصف بحيث توجه الحزب ومنظماته في حملات لاطلاق سراحه ساهم فيها السوفييت والدول الاشتراكية الاخرى التي وصل اليها بعد ذلك شبه مشلول وغير قادر على تحريك ذراعه المخلوعة وبقي في المستشفيات شهوراً طويلة يتلقى العلاج الى أن عاد الى وضعه الطبيعي , فلو كان متعاوناً معهم لما ذاق الامرين من قبل أزلام نظام لا يرحم وخرج وهو مرفوع الهامة معتزاً بحزبه ورفاقه ولم يكن من المنهارين ابداً ..! وأنا شخصياً أعتبر هذا القرار مفبرك وغير مدروس بعناية الى درجة كبيرة وغير ناضج .ومضت السنوات ولم نقرأ للفقيد ثابت اي تهجم او كلام مسيء للحزب ورفاقه كما هو الحال لبعض القياديين والكوادر الذين قاموا بالتشهير بالحزب ورفاقه حينما ابتعدوا عنه لاسباب تنظيمية على الاغلب او ذاتية ..! لأن جوهره نقي وهو إبن الحزب الذي صان الامانة وحافظ على اسرار الحزب ورفاقه ولم يسلمها للاعداء ابداً ..وبعد سنين عدة وفي عام 1990 حينما كان في هنگاريا جاءه الفقيد عزيز محمد السكرتير العام للحزب , الذي قال له بالنص (..أن المخبّر طلع كذاب في قضيتك ..!! ) ثم قال له ..سوف تصلك رسالة بهذا الخصوص ..! لكن الفقيد ابو حسان جاوبه بكل شجاعة ..( هذا غير كافي , أريد رد الاعتبار بمستوى القضية .). ويقول الرفيق أنه بقي ينتظر رد الاعتبار له لمدة سنتين وحينما التقى به عزيز محمد مع رفاق قياديين آخرين طلب منه العمل في مقر حزبنا في دمشق كرد اعتبار له لكنه رفض ذلك طالباً ان يكون الرد عملي وحدده بثلاث نقاط ومنها هو ابلاغ القواعد الحزبية بعدم صحة هذا الاتهام..الذي نعته الرفيق الفقيد ابو حسان بالمفبرك ..وأنا نعته كذلك الذي لم يتعمق في فهم المعدن الاصيل للفقيد الذي تم تجميده بدون وجه حق والذي ظل على صلة دائمة وطبيعية مع حزبه ورفاقه و كان لآخر يوم في حياته على صلة بالحزب ويراسل هيئاته ويمدهم بآراءه ومقترحاته لتطوير العمل الحزبي ومنها رسالته القيمة لكونفرنس الحزب الرابع في عام 1995 ..بالوقت الذي استبعد فيه بشكل قسري عن اللجنة المركزية في اجتماعها في حزيران عام 1984.. ولم يحضر جلسات المؤتمر الرابع تبعاً لذلك ! وهذا حسب رأيي مخالف للأمور التنظيمية لا سيما وأن التهمة الباطلة ضده جرى نفيها من قبل قيادة الحزب فكان ولابد للقيادة أن ترسل له رسالة اعتذار وتنشرها في صحافة الحزب وتعيده الى قوام اللجنة المركزية ثم تنتخبه لعضوية المكتب السياسي وهذا لم يحصل للأسف , لأن القرار المتخذ ضده كان تجميداً وليس عقوبة ..! فكيف قررت اللجنة المركزية إخراجه من قوامها ولأي سبب مقنع !! ..يبقى الرفيق ثابت حبيب العاني أحد أبرز رموز الحزب الشيوعي العراقي الذي عمل بتفاني واخلاص ونكران ذات عالي , لذلك أحبه كل من عمل معه وخاصة الانصار في كردستا ن وكا ن قريباً من قلوب الجميع .. ونشعر بالحزن والمرارة لفقدانه …المجد للفقيد الغالي ابو حسان وله الخلود الابدي ..ستظل للابد في قلوب وضمائر رفاقك وهم كثر ..
ملاحظة ..يقول الرفيق ابو حسان (..وقد اوردت في رسائلي اجوبة لتفنيد محتوى الاتهام الذي كان مصدره احد كوادر حزب البعث السابقين والذي قام بدوره بنقله الى قيادة الحزب ولكن قيادة الحزب اصرت على موقفها ولم تحاول خلال هذه السنوات اجراء تحقيق يوصلها الى الحقيقة !!!)