أثارت مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، التي أعدتها هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، ردة فعل غاضبة من قبل صحفيين وناشطين وقانونيين، بسبب ما اعتبروه تضمنها “مفردات ملغومة” و”فضفاضة” و”حمالة أوجه”، ويمكن أن تؤدي إلى تكميم الأفواه والعودة بالعراق إلى النظام الدكتاتوري.
لكن هيئة الإعلان والاتصالات قالت إن إصدار اللائحة يأتي “انسجاماً مع مواد الدستور” التي كفلت حرية التعبير، واسترشاداً بأحكام المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي منحت كل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون مضايقة.
وأشارت الهيئة إلى إن إصدار اللائحة يأتي من “الرغبة الحثيثة في تحصين المجتمع والفئات الخاصة كالمرأة والأطفال والشباب وحماية حقوق المستخدمين”.
اللائحة التي “سُربت” مسودتها إلى الإعلام، والتي تكونت من 31 صفحة و36 مادة، أثارت “استغراب ودهشة” مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية الذي قال في بيان إنها تضمنت “مفردات وفقرات خطيرة جداً وأخرى انطوت على عبارات فضفاضة يمكن استغلالها وتحريفها للتقييد من الحريات وتصفيات الخصومات الشخصية”.
وعبر المركز عن خشيته من “استغلال” حملة “مكافحة المحتوى الهابط” التي تقودها الحكومة العراقية في “تطويع القوانين والتعليمات للنيل من الصحفيين والمدونين وتقييد الحريات”.
العودة إلى النظام الدكتاتوري
بنبرة غاضبة، قال الصحفي علي عبد الزهرة لـ”ارفع صوتك”: “هذه اللائحة تعيدنا إلى زمن دكتاتورية النظام السابق وكنت أتوقع أن أجدها مذيلة باسم محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام في زمن البعث”.
وأضاف: “أرفض إجباري على التحول إلى فرد من قطيع، أو يتم اعتقالي بموجب قانون ظاهره حماية المجتمع، وباطنه تكميم الأفواه”، كما أني “أعارض أي لائحة تسلبني حقي في الرأي والتعبير والنشر”.
وردا على حملة الانتقادات، قال رئيس هيئة الإعلام والاتصالات علي المؤيد، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية إن “اللائحة لا تزال قيد المراجعة لأنها غير رسمية”، وأوضح أنها “مجرد مسودة قدمت من قبل بعض الأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني كمقترح لتنظيم المحتوى الرقمي في العراق… والهيئة بصدد دراسة هذا المقترح وتطويره وهي ليست لائحة متبناة في هذه اللحظة”.
ودعا المؤيد الصحفيين والإعلاميين إلى “إرسال مقترحاتهم إلى الهيئة” التي ستعمل على دراسة المقترحات الخروج بـ”لائحة مقبولة”
وأثارت المسودة المسربة مخاوف الصحافيين والحقوقيين. يقول المحامي حسين القانوني لـ”ارفع صوتك” إن الغاية من القانون هي “تكميم الأفواه.. ولكُم تَخيُّل أن إحدى الفقرات تتناول المنشورات التي تسيء قولاً أو فعلاً للعلاقات الدولية للعراق مع محيطه الإقليمي”. وهذا يعني أنك “إذا نشرت شيئا ضد إيران أو أي دولة سيتم الحكم عليك وفق منظور المحتوى الهابط”.
وكانت وزارة الداخلية شكلت لجنة لمتابعة المحتويات في مواقع التواصل، ومعالجة “الهابط” منها وتقديم صانعيه للقضاء. وحكمت المحاكم فعلا بالحبس على ستة من أصل 14 من صناع المحتوى الذين تم إلقاء القبض عليهم خلال الأيام الماضية.
وبالتزامن مع إعلان تشكيل اللجنة، أطلقت وزارة الداخلية منصة إلكترونية تحمل اسم “بلغ”، قالت عنها إنها خاصة بالإبلاغ عن المحتويات الإعلامية المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتتضمن إساءة للذوق العام، وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي.
ويرى حسين القانوني أن “الشعب بلع الطعم الأول الذي ألقته الجهات الحكومية بالقبض على أصحاب المحتوى الهابط، ليتسنى لها قمع الحريات وعدم نشر أي شيء يمكن أن يهدد نظام الحكم”.
ولهذا، يقول القانوني إن لائحة هيئة الإعلام والاتصالات الجديدة “كانت أكثر تفصيلاً من قرارات وزارة الداخلية والقضاء”، حيث نصت في الفقرة الثالثة أنه “لا يجوز الإساءة إلى حرمة الكتب والمقدسات، ولا يجوز التجاوز على أحد الأنبياء أو الرسل أو الأئمة أو المرجعيات والشخصيات المقدسة أو الرموز الدينية”. وهذا يعني، وفق المحامي العراقي، أن “أي نقاش أو نقد يتعلق بأي فكرة دينية أو شخصية دينية يمكن أن يضعك خلف القضبان”.
ويشير القانوني باستغراب إلى نص يتعلق “بعدم بث أي خبر يهدد الأمن القومي أو يهدف إلى إسقاط النظام”. وهذا يعني “أن أي منشور يهدف إلى التظاهر يمكن أن يعتبر تهديداً للأمن القومي أو محاولة لإسقاط النظام ويمكن أن يحيلك إلى القضاء بهذه التهمة”.
اللائحة وضعت حدا للظواهر السلبية. ولكن؟
بحسب الناشط السياسي مصطفى السراي، فإن لائحة هيئة الإعلام والاتصالات “وضعت حدا للكثير من الظواهر السلبية في المحتوى الرقمي وعالجت بعض المشاكل، إلا أنها فتحت مشاكل جديدة وخصوصاً في قضية الانتقاد والاعتراض وعرض الملفات”.
مضامين اللائحة “يمكنها محو أي محتوى سياسي أو نقدي، وليس من المعقول مثلاً منع نشر ملفات الفساد ومحاسبة ناشرها، أو محاسبة منتقد مؤسسة معينة أو موقف معين صدر من مؤسسة أو شخص”، يقول الناشط العراقي.
ويعتبر السراي أن أهم مشكلة تواجه لائحة الإعلام والاتصالات “تتعلق بالعبارات الفضفاضة مثل المستخدمة في الفقرة الخامسة والتي تقوض عمل المعارضة الشعبية التقويمية التي من شأنها أن تعترض على السلطات العامة والأشخاص في الدولة إضافة إلى وظيفتهم، وتوجه الانتقاد والتقويم لتحقيق أغراض الرقابة الشعبية”.
ويقول السراي: “تحمل بعض المواد تناقضاً واضحاً مع فقرات أخرى، مثل المادة السادسة التي تتعارض مع السابعة والتي تنص على حظر أي محتوى حول تكفير الأفراد أو الجماعات أو التحريض على تكفيرهم أو قتلهم لأي سبب كان أو إجبارهم على تغير المذهب او المعتقد… هذه المادة تتعارض مع الفقرة السابعة التي تليها حيث جرى تضمين عبارة (المعترف بها في العراق)، وهذا التناقض لابد أن يحل كي لا يُستخدم للضد”.
واستخدمت اللائحة “كلمة النعرات القبلية والعشائرية بقصد التحريض على الكراهية والعنف بين الأفراد أو النية لارتكاب أعمال العنف أو الدعوة إليها وحتى إن كان تهديداً خفياً أو ضمنياً”، معتبرا أن استخدام “كلمات مثل (النية، خفياً، ضمنياً) ستكون بوابة لمعاقبة الكثير من الأشخاص بدون سبب وإنما وفقاً لاجتهادات شخصية”.
وفي النهاية فإن هذه اللائحة، كما يقول السراي، “بحاجة ماسة إلى مراجعة وحذف وتعديل العديد من الفقرات”.
مواد ملغومة
لائحة تنظيم المحتوى الرقمي في العراق، كما يقول الباحث السياسي والأكاديمي، سيف السعدي “بحاجة إلى تنظيم والأفضل أن لا تقدم إلى البرلمان لإقرارها، كون أغلب موادها ملغومة وحمالة أوجه، من ضمنها المواد 13 و14 و16 وهي تتعلق بالإساءة لمكانة الأسرة ومخالفة الآداب العامة وخدش الحياء وانتهاك القيم الدينية والأخلاقية للأسرة العراقية”.
ينتقد السعدي أيضا “المواد 25 و26 و27 من اللائحة التي تتحدث عن إلحاق الضرر بالآداب العامة ومخالفة عادات وتقاليد المجتمع أو الإيحاء بالإغراء الجنسي وقرارات تخص تسجيل المواقع”، وهي الأخرى “حمالة أوجه وخاضعة للتفسيرات الشخصية، ويمكن أن يتم تطبيقها ليس على أساس الجُرم المرتكب وإنما على أساس الانتماء”.
وتحدثت اللائحة بحسب السعدي في الفصل الثاني عن منع”تسريب أو إفشاء الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات السرية”. وفي هذه الحالة يتساءل السعدي “أليس من الأجدر السؤال عن من الذي يقوم بعملية التسريب في مثل هذه الحالات”.
ويتابع الباحث السياسي العراقي أن كثيرا من مواد اللائحة تبدو لمن يطلع عليها كأنها عبارة عن “حقل ألغام يمكن أن ينفجر على أي مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي أو يعمل على محتوى رقمي، مثل المادة الرابعة المتعلقة بالعنف والتطرف ملغومة بالكامل، فهي تتحدث عن فعل أو قول أو إيماء من شأنه إثارة النعرات الطائفية، أو تهديد الأمن القومي ووحدة البلاد أو الممارسات الديمقراطية”.
وينهي السعدي حديثه بالقول: “بشكل عام وبعد دراسة المواد، فإن اللائحة تتضمن مواد مطاطية قابلة للتأويل، ومواد عامة غير محددة قادرة على تكميم الأفواه وتقييد الحريات، كما تتدخل بالملكية الخاصة وعليها أكثر من علامة استفهام وإشكاليات كبيرة”.