تداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عدة حول العالم، في الأيام الأولى بعد زلزال تركيا وسوريا المدمّر الذي حصل في 6 فبراير/ شباط 2023، منشورات تدّعي مسؤولية برنامج (HAARP) العلمي الأميركي عن هذه الكارثة الطبيعية وأنه تسبّب بـ “زلزال مفتعل”، لكن وفقاً لخبراء استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس France-Presse، هذه الادّعاءات لا صحة لها من الناحية العلمية.
وفقاً للخبراء، تقع تركيا على خط صدع زلزالي رئيسي في العالم، وفي عام 1999، تسبّب زلزال في إزميت İzmit على بعد حوالى 100 كيلومتر جنوب شرق إسطنبول بمقتل 17.000 شخصاً، ولم يشهد هذا الخط أي زلزال تفوق قوته 7 درجات منذ أكثر من قرنين، مما حدا بكثير من السكان إلى “الاستخفاف بخطورته”.
في ضوء ذلك، تشير هذه المدة أيضاً إلى “أن كمية كبيرة نسبياً من الطاقة تراكمت” على طول الصدع، وما يؤكد ذلك، بحسب باحثين، حدوث زلزال ارتدادي عنيف بعد الزلزال الرئيسي. ووفقاً للخبراء، فإن الزلزال الأخير هو”تقريباً تكرار” للزلزال الذي ضرب المنطقة في 13 أغسطس/ آب 1822 والذي قدّرت قوته بنحو 7.4 درجات.
ما هو برنامج HAARP الأمريكي؟
كلمة HAARP هي اختصار لـ High-frequency Active Auroral Research Program أي برنامج الشفق النشط عالي التردد، وتم إنشاؤه عام 1990 بقرار من الكونغرس الأميركي، واشترك سلاح الجو والقوات البحرية في الإشراف عليه، ومهمته دراسة الخاصيات والتفاعلات للطبقة العليا من الغلاف الجوي لكوكب الأرض، التي تفصل غلاف الأرض عن الفضاء، وهي تسمى “الغلاف الإيونيّ”.
ووفقاً لموقعه الالكتروني يُطلق برنامج HAARP موجات هي الأقوى والأعلى تردّداً في العالم، باتجاه “الغلاف الإيونيّ”، الذي يبدأ على ارتفاع ما بين 60 و80 كيلومتراً من سطح الأرض وصولاً إلى ارتفاع 500 كيلومتر.
من جهته، يقول الموقع الرسمي للبرنامج: «الهدف من الأبحاث إجراء دراسة أساسية عن الآليات الفيزيائية التي تحدث في الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي، لذا يستخدم هذا المشروع الموجات اللاسلكية لتسخين الإلكترونات في الغلاف الجوي، فتنشأ من ذلك “اضطرابات صغيرة مشابهة لتلك التي تحدث طبيعياً” بشكل يتيح للعلماء مراقبتها ودراستها».
ووفقاً للمصدر نفسه، إن الهدف من ذلك فهم هذه الظواهر ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أنظمة الاتصالات والمراقبة العسكرية والمدنية.
بالإضافة إلى ذلك يوضّح الموقع أن “الهدف هو دراسة الخاصيات الفيزيائية والكهربائية للغلاف الإيونيّ، والتي من شأنها التأثير على أنظمة الاتصالات والملاحة العسكرية والمدنية”.
الجدير بالذكر أنه في عام 2015، أصبح برنامج HAARP تحت إشراف جامعة ألاسكا- فيربانكس Alaska Fairbanks، ومنذ ذلك الحين لا يوجد في مركز الأبحاث أي عسكري أميركي، وفقاً للموقع.
ماذا حصل بعد زلزال تركيا وسوريا؟
عقب الكارثة التي حلت بمناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وإصابة مئات الآلاف بجروح وتدمير هائل، توالت المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، منها نظريات مؤامرة عن أنه زلزال مفتعل. وسرعان ما وُجّهت أصابع الاتهام لبرنامج “HAARP” الأميركي الذي سمته بعض المنشورات “سلاح HAARP”.
يُذكر أن هذه الادعاءات ظهرت باللغات العربية والإسبانية والهولندية والمجرية والتشيكية والإنكليزية، على صفحات لمستخدمين عاديين، وأيضاً عند أشخاص يدّعون صفات علمية، أو يقدمون أنفسهم على أنهم خبراء، ما زاد من انتشار شائعة أن “الزلزال مفتعل” التي رفعت من حدّة القلق بين العديد من مستخدمي مواقع التواصل في البلدان المجاورة لتركيا وسوريا.
هل يمكن لبرنامج HAARP أن يسبّب زلزال مفتعل؟
في اتصال قامت به قناة الحرة مع وكالة فرانس برس في 11 فبراير/ شباط 2023 قالت المسؤولة عن برنامج HAARP جيسيكا ماتيوز، أن ما يشاع على مواقع التواصل غير ممكن، وأضافت بقولها إن: «المعدات البحثية في برنامج HAARP لا يمكنها أن تسبب كارثة طبيعية أو أن تقوّي حدّتها».
من جهة أخرى، أيّد ذلك عدد كبير من الخبراء استطلعت آراءهم خدمة تقصّي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس. حيث قال أستاذ علم الفلك في جامعة بوسطن جيفري هوغز: «من غير الممكن أن يستخدم (البرنامج) للتأثير على الأرض في مكان بعيد».
وأضاف بقوله: «الموجات اللاسلكية يمكنها أن تسبب اضطراباً اصطناعياً في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، على نحو ما تسببه أشعة الشمس».
من جهة أخرى، يشدّد المتخصص في الفيزياء الفضائية في جامعة ريدينغ البريطانية مايكل لوكوود على أن HAARP ليس “سلاحاً”، بخلاف ما ادّعته المنشورات. وقال لفرانس برس: «لم نسمع في حياتنا من قبل عن فكرة توليد زلزال اصطناعي».
راما ملوك