منذ عام والحرب تطل من أوكرانيا الهجين الرأسمالي بعد ما يقارب سبعون عاماً من البناء الاشتراكي ” الفاشل” ، نعم تطل برأسها على المعمورة وتبشر بالشر وتوسع رقعتها كما سبقتها حروب سابقة بدأت من اطلالة متر لتصبح آلاف الكيلومترات وشملت شعوب وبلدان اوربية وآسيوية واطلق عليها الحرب العالمية، والخشية الآن إن كلا البلدين الرأسماليين في صراع تفيد الرأسمالية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وقاعدتها العدوانية حلف الناتو، والخشية كل الخشية لأول مرة في النزاعات المسلحة تطلق تهديدات باستعمال السلاح النووي المدمر
ــــــ وهذه أيها الناس ليس بالمزحة لأن النار الشاملة تبدأ بشرارة او كلمة تهديد.
الحرب هذه الكلمة الملعونة في جميع الأعراف والقوانين الإنسانية والأخلاقية والمعادية للشعوب، هي محط نضال قوى الخير في العالم برفضها والعمل من اجل التعايش السلمي الذي يحقق السلم العالمي، في كل وقت سجل التاريخ صراع قوى السلام والخير مع قوى الشر المدججة ليس بالسلاح التقليدي وإنما بالسلاح النووي الذي تمتلكه هذه القوى وتهدد به العالم بدون أي رادع من ضمير وتشبثها بالمصالح الطبقية التعسفية الاستغلالية ، الحرب النووية النذير الباقي بدون تصنيف آخر المتربص للحظة الانطلاق لكي تنهي الأرض وساكنيها ، تمحي ما قامت به الشعوب من إنجازات علمية عظيمة على امتداد التاريخ البشري، والذاكرة البشرية لها خزين من مآسي الحروب القديمة او الحروب الحديثة ، الحرب العالمية الأولى والثانية وحروب العدوان والاحتلال الامبريالي الاستعماري للبلدان الفقيرة، وعلى ما يظهر أن قوى الشر ترفع رأسها هذه المرة بقوة وبتهديد مباشر لاستعمال السلاح النووي وكأنه نزهة عابرة وهو أمر مرعب. كان من المفروض أن تهب الشعوب بالوقوف كما عودتنا ضد هذا التهديد باستخدام السلاح النووي المدمر وبالضد من تجار الحروب الرأسماليين وبالضد من الحرب الجديدة بين دولتين كانتا إلى الأمس القريب في تحالف للبناء وليس للحرب، فقد اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية يوم الخميس المصادف 24 شباط عام 2022 ومنذ ذلك الوقت مرت هذه الحرب بعدة مراحل منها في البداية
1 ــ موجة الغلاء الفاحش الذي يدفع الفقراء ضريبته
2 ـــ تطورت فكرة التدخل الخارجي المرسومة من قبل الإدارة الامريكية وحلف الناتو العدواني
3 ـــ ورطت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وجرته لكي تتدخل وحلف الناتو في الحرب بطريقة جديدة وايضاَ بحجة الحرية وحقوق الشعوب
4 ـــ أظهرت بدون لبس ولا إخفاء عدوانية روسيا هذا البلد الذي ساهم خلال سبعون عاماً في تعزيز السلم العالمي بينما يساهم اليوم في خلق واقع جديد من التهديد والحرب في أماكن معينة من العالم.
ففي المراحل الأولى كان البعض يعتقد بما يدعيه الرئيس الاوكراني بعدوان روسيا الباطلة، لكن قضية الانضمام لحلف الناتو تمويها وإخفاء العدوانية تجاه روسيا والروس القاطنين في تجمعات كبيرة في أوكرانيا، والبعض كان يرى أن بوتين سيخسر الحرب حتى انتشرت آراء حول حدوث انقلاب في روسيا ، واتضح إن ادعاءات الرئيس الاوكراني عبارة عن تضليل الحقائق باتجاه الحصول على الدعم العسكري والمادي والمعنوي بهدف جر اوربا الى الحرب بشكل كامل لا عن طريق المساعدات فحسب بل في المشاركة الفعلية، وَحرص الرئيس الاوكراني في خطاباته إلى تخوف اوروبا اذا ما سقطت أوكرانيا فهناك مرحلة اخرى في توجهات موسكو نحو دول اوربية اخرى، وهذا ما ايده البعض ومنهم رئيس بولندا أندرية دودا الذي أكد في مقابلة لصحيفة ( Le Figaro الفرنسية) ” إذا لم نرسل معدات عسكرية إلى أوكرانيا في الأسابيع القليلة المقبلة ، فقد يفوز بوتين.” ويحذر الرئيس البولندي من أنه يمكنه الفوز ويسأل “ولا نعرف أين سيتوقف؟” وهو تحذير ليس لدول اوروبا فحسب بل المعني الرئيسي هو حلف الناتو، وهناك تصريحات مشابهة لكن اقل تطرفاً، أما الجانب الروسي فهو ماضي في العمليات العسكرية شرقي اوكرانيا وقد تكون الذكرى الاولى للحرب عبارة عن حملة عسكرية واسعة لتغيير مسار الحرب من خلال هجوم جديد واسع لعمليات غير محدودة إنما الانطلاق لتحقيق اختراقاً بالفوز بالحرب وهذا احتمال بجانب احتمالات اخرى، ونجد أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف (نقلته وكالة الانباء الروسية ) يوجه اتهامات مباشرة للولايات المتحدة الامريكية بأنها تسعى لإدامة الحرب وتختفي خلف حلف الناتو وبهذا فان سعيها سيكون مدمراً يهدد البشرية جمعاء ويرى وزير الخارجية الروسي ” ان الهدف السياسي للولايات المتحدة الامريكية هو تدمير تنمية الصداقة ” وقد ذكر المحاولات التي تقوم بها الولايات المتحدة الامريكية لإضعاف العلاقات الودية بين روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وتعمل من أجل خلق العداء معها مثلما تريد تحويل اوكرانيا إلى عدو فاعل لروسيا بعد علاقات صداقة بدأت في القرن السابع عشر وذَكر لافروف بتحريض بريزينسكي السابق انه ” بدون أوكرانيا ، لم تعد روسيا إمبراطورية ، ولكن مع أوكرانيا التابعة ، تصبح روسيا إمبراطورية تلقائيًا” وهذا التحريض يعني الخوف من قيام روسيا قوية تهدد الغرب ويجب توخي الحذر والحيطة وهنا يتدخل الفنلندي يواكيم باسيكيفي مُدرس الاستراتيجية العسكرية في أكاديمية الدفاع السويدية والمنشور في الصحيفة الفنلندية هوف فوندستادسبلادت (Hufvudstadsbladet) ” إلى أن القوات المعبأة التي يتم إرسالها الآن إلى عرين الأسد أفضل تجهيزًا وتدريبًا واستعدادًا من جنود الاحتياط الأوائل الذين تم إرسالهم مباشرة إلى خط المواجهة” وبدفع من الولايات المتحدة الامريكية والبعض من دول اوروبا فإن الرئيس الاوكراني وقادته يهددون بإمكانيتهم ” مهاجمة الاراضي الروسية ، اعمق وأعمق ” وهو تهديد مقرون بالمساعدات العسكرية والمالية من قبل حلف الناتو، وهناك رأي صائب أن الحرب لم تعد بين روسيا واوكرانيا بل اصبحت بين روسيا والناتو بشكل غير مباشر والخشية أن يكون الاصطدام مباشراً وهذا تهديد للعالم والسلام العالمي، ومع ذلك فإن الامين العام لحلف الناتو النرويجي ينس ستولتنبرغ يحذر من ” جعل الحياة بائسة قدر الإمكان للأوكرانيين دون الحصول على الكهرباء والحرارة خلال شتاء قاسٍ” وأكد مرارا وتكرارًا بأن الحرب ستنتهي على الأرجح على طاولة المفاوضات ، وأن الأمر متروك للقيادة في كييف لتحديد”.
الأمين العام لحلف الناتو يعرج حول مرور عام جواباً على استفسار جوانا جيرون الصحافي في (رويترز) ” ما رأيناه في العام الماضي هو وحشية وحرب لم نشهدها على نطاق واسع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية” وهو يحاول التذكير بالحرب ضد جورجيا 2008 والحرب في سوريا وضم شبه جزيرة القرم وتأكيده أن الحرب بدأت في عام 2014 مثلما اشار الرئيس الروسي بوتين، إلا أن الامين العام لحلف الناتو العدواني يحاول تحميل روسيا كل الامور وجعل الرئيس الاوكراني وحكومته ابرياء ويتحدث عن وحشية الحرب إلا أنه لم يذكر إن سعي الحلف والدول المنتمية له لتأجيج الحرب واطالة مدتها بما يقدمونه من سلاح وذخيرة واموال ودعم معنوي وإن وحشية الحرب لا تقع على عاتق روسيا وحدها بل على عاتق القوى القومية ذات النزعة العنصرية في اوكرانيا وكذلك الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والمانيا والنرويج وبولندا وغيرهما من الدول الاوربية في حلف الناتو، إذا كانوا حريصين على السلام والسلم وابعاد الحرب الوحشية فبدلاً من ارسال الاموال والسلاح والتدخل، العمل على حل المشاكل بين الروس والأوكرانيين عن طريق المفاوضات والجنوح للسلم والتعاون، أن مواقفهم العدوانية هي التي أبقت على الحرب لا بل طورتها بدون الشعور بمسؤولية التهديد باستعمال السلاح النووي الذي لا يبعد عن اكثرية دول اوروبا إلا امتار قليلة ، مع ذلك ففرص وقف الحرب ما زالت موجودة فقط يراد لجم تصريحات الرئيس الأوكراني وزياراته لاستجداء السلاح وحثه لحلف الناتو في الدخول في الحرب مباشرة وحتى استخدام السلاح النووي كأنه يريد ان يطبق مقولة “عليا وعلى اعدائي” لكن الغبي لا يعرف ان الشعوب لا تحمل العداء بل المحبة والسلام، ثم تقديم مقترحات بناءَ غير منحازة لجلوس بوتين على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
السلام في العالم مهدد أكثر ما يتصور المرء كما لم يهدد بعد الحرب العالمية الثانية وبالأخص وجود الخزين الهائل من السلاج النووي في دول عدة يحتاج الى يد مجنونة لتبدأ الشرارة وينتهي العالم، على الامم المتحدة ان لا تقف مكتوفة الايدي او تقديم مقترحات ساذجة بل العمل لإيجاد مخرج لأنهاء الحرب، وعلى قوى الخير في كل ارجاء المعمورة رفع اصواتها والخروج لكبح العدوانية البوتينية والقوي اليمنية المتطرفة في اوكرانيا وعدم نسيان حلف الناتو العدواني وعلى راسه الولايات المتحدة الأمريكية.