تألقت النصوص الادبية ( النثر والشعر ) في حبكتها السردية في جمالية اللغة وايقاعها وانسيابها الشفاف , التي عبرت في ابداع عما يجيش في أعماق الوجدان والمشاعر الطافحة في مخزون الذاكرة في محطات قطار العمر قرابة أربعة عقود ونصف , أي منذ زمن البعث الى يومنا هذا , في تداعياتها التعبيرية والفكرية , على ضفاف لغةجميلة تغري القارئ وتدفعه بتأثيراتها الحسية الى التأمل والتفكير , في أحداث مرت على العراق , ورسمته بالشكل الواقعي والفعلي في مسيرة السيرة الحياتية , في ازمنة ومنعطفات مختلفة من المجازفات . ان النسيج اللغوي يشير بتألق على القدرة في امتلاك ناصية اللغة وجمالها الحسي في الاختيار المفردات , التي لها صدى ورنين مؤثر . وهذه الرحلة الطويلة هي جزء من تاريخ العراق المضطرب , في استنزاف قدرة المواطن على تحمل الأعباء والمعاناة بسبب الإرهاب الفكري والسياسي , في وطن انحرف عن جادة الصواب الى الطريق الوعر بلا عودة , وانتهج سلوك نهج الذل والخنوع للمواطن حتى يخلق الخيبة والإحباط , لذلك أصبحت الحياة والانسان لعبة شطرنجية , على ايقاع التيه والضياع بلا انتظار , حين تجهمت الاجواء بالغبار والسموم ( غبار مشبع بسواد الغربان حط فوق المدن / شددنا الرحلَ … حملنا ما تبقى لنا من ضلوع دون وداع , / تهشم الزمن وانسكب ) ص210 . حتى لم يتدارك العمر أن يلتقط أنفاسه . لم يعط فرصة تنفس الصعداء بدون رحمة . كأنه الحكم بالقصاص الصارم , ان يترك كل شيء حتى يسابق الزمن الوحشي قبل أن يطبق مخالبه المفزعة . يترك كل شيء. الماضي بالضياع . ويجهز نفسه في الرحيل . نحو الدروب المجهولة , طريقها الوعر مليء بالمخاطر والمجازفات , فما على السنونو سوى أن يحمل الوطن الجاحد في أعماق قلبه , ويذهب في منعطفات الزمان بما تحمله الاقدار اللاحقة . هذا صيغة النصوص الأدبية , في لغتها العميقة وما تحمل من صدق المشاعر التي اكتوت بنار تداعيات الواقع ومجرياته المنحرفة , التي داس بانتهاك صلف على القيمة الإنسانية مرغها في الوحل , ووجد نفسه في خضم العواصف المجازفات على مراحل مختلفة من الازمنة . هكذا سكب مخزون الذاكرة , يسرد الاحداث بضمير المتكلم . الذي وجد نفسه بين المطرقة والسندان بدون خيار ولا رجعة ( لو قيل لي أمامك خياران …. لاخترت الثالث ! / عساي أرتب النسيان … واتعلم من دروس عثراتي ! / اوضب أحلامي بصورة مغايرة …. / وانتقي بداية آخرى لولادتي , كيفما أشتهي أنا … / لا بطلاً , ولا قرباناً , ولا ديكاً عاطلاً يبحث عن كومة قمامة يعتليها ! / فقد أقوى في ليل البردِ على البرد … / يصفعني صوت كأنه أتٍ من بئر جف ماءه / × هيهات إنك تطلب المستحيل … قد فات الاوان ) ص13 . وليس هناك سوى السير في طريق المحنة بجروحها التي لا تندمل , في معايير الزمن المقلوب , ربما جرذ يخرب حاسوب المطارات الدولية , لكن هناك ايضاً جرذ آخر يحكم دولة , ويدعي أنه حارس البوابة الشرقية للامة , ويطلق العنان لشن الحروب الداخلية والخارجية , يطلق العنان للقبضة الحديدية والارهاب الوحشي . يطلق العنان للخراب والدمار وإراقة سفك الدماء وخنق الارواح حتى بالسلاح الكيمياوي ( رحماك يا سائس الزمان , قد فاض بنا الصب , فيما تسرق من لحظات تنقضي …. / لحيظات خاوية استطالت دهراً / واخرى مكتنزة , خطفت مثل شهاب ….. / ترى أين تخبئها , وماذا تفعل بها ؟! / إن خبأتها في بئر , نشتري دلواً … / وان خبأتها في مغارة , سيدلنا عبق الذكرى … تحرقها ؟ / نلم رمادها , نعجنه , نصيره ايقونة تسلينا في ما سيأتي ) ص99 . إنها رحلة أوديسة ( نسبة الى أوديسا الاغريقي) من منبع الطفولة الى مراحل العمر الاخرى , في رحلة الشك واليقين , كمن يبحث عن شهادة حسن السلوك في الوقت الضائع , طالما الوطن انحدر وتدحرج الى الهاوية , حين غزته غربان الشؤم . وخرج من رحمها اللصوص والقتلة , واصبحت الحياة عبارة عن بهلوان سيرك ( قم , أترك السيرك , فلا مكان لك بين مهرجانات البهلوان , وألعاب القفز على الرقاب / هذا السيرك تضحك فيه حفنة على بقية الناس ,وترضى أن تروض أمة على الغباء والنفاق .. / بالتساوي , توزع الشعارات بين الناس … / قم , يا هذا , فلن يكفكف دمع السماء أحد .. / قم فما زال في باطن العراق حجارة لم يقذفها الزلزال بعد .. / أفق , أنهم يتحايلون على الذاكرة .. / يرمون لها عظمة تتلهى بها ) ص126 . فما عليه سوى لملمة نفسه على عجل قبل فوات الاوان , فالغربان الوحشية تتربص في السماء والأرض , وتحسب كل شاردة وواردة , ليس هناك وقت تداوي الجروح و البرابرة على الابواب ( سلاماً أيها الارق ….. / سلاماً أيها الوسن . . / الغفو يقرؤكما السلام براية بيضاء , / – لا سبيل الى سلم بيننا ومن أي نوع كان ! , فقد خلقنا أعداء وكفى ! / تمنيت ذات وهم أن أصل معهما , لو الى هدنة .. / أقبل حتى بمؤقتة , كي استرجع واصل الى احلامي / الزمن يجرجر عربته المتهالكة بخيول شمطاء / غربتي تطيش بي , معول أخرق يصادر فرحتي , فلا يبقى لي سوى الوحشة ) ص110 . من مهازل القدر السخيف أن يكون العراق لعبة تتقاذفها أقدام البرابرة والتتار الجدد في غزواتهم ويلبسون العراق وبغداد ثوب الحداد والحزن , ويتفتت الاحبة والاهل والاصدقاء , وتتحول مرابع الطفولة والشباب الى أماكن غريبة وموحشة , ويلف الظلام بعباءته على البيوت ( هذا الغول الذي حول الناس الى كائنات تلوذ بظلام زوايا البيوت , تتفنن في اجتراح الحيل – المعجزات . للافلات من الموت بأي ثمن ؟! / نموت عطشاً ! هل يصدق العالم أن بلاد الرافدين وبغداد , التي كانت أم الدنيا طراً – تموت عطشاً ) ص72 . تدحرجت كرة الثلج ووصلت الى الاحتلال , وينفجر السؤال بالرأس : ماذا يريد المحتل من الوطن ؟ . وكيف تدير قمامته التي جلبها معه أدارة شؤون الناس ؟ ولكن العجب !! ( العجيب , ليس في الاحتلال الاجنبي , وانما تقهرني تلك العقول السائدة , التي تدعو الى الامتثال المداح لما يفرض علينا من سكينة القهر …. أن نكون طيبين , طيعين ومتحضرين ! / أن نفسح المجال للمحتل وزبالته بالتربع على أقدارنا ومستقبلنا ) ص142 . إنه وجع الناي والذاكرة من بشاعة التي تمشي على الارض و تكبر وتتمدد ( فاجع , باطل … ما نراه اليوم ! / كنا نمسك بهدب الحلم , ونؤمل النفس ان ما فات قد ولى … / وما سيجيء, لابد ان يكون أحسن لكن هيهات والف هيهات ) ص206 . وهذا يستدعي أن نفزز السؤال بعلقمة المر: منْ يحمل لوثة العقوق , نحن أم الوطن ؟
جمعة عبدالله