المحور:أبحاث يسارية وأشتراكية
توطئة/لا يمكن تبرير الوسيلة بغايتها، لأن الغاية بحد ذاتها تحتاج إلى تبرير / طالما لازلتُ أتنفس ، سأظلُ أناضل من أجل المستقبل / العبارة كتبها تروتسكي ذو الواحد والعشرين أثناء منفاه في سيبيريا —
منذُ قراءاتي الأولى للماركسية وحتى اللينينة ومروراً بستالين ترسخ في نظري : أن شخصية ليون تروتسكي هي الشخصية الأكثر وعياً وحيوية من اليساريين الثوريين ، لكون هذا الرجل أدرك أكثر من جميع الثوريين في عصرهِ الأهمية الأستثنائية للسوفيتيات وقد أنخرط بكل حماسة في أنشطتها ، وأن خلافهُ مع ستالين أعدهُ حركة تصحيحية وليست أنشقاقية وهذا ما توضح بعد مرور قرن على الثورة الروسية العظيمة الذي يمكن رد الأعتبار لتروتسكي من خلال الدكتاتورية القمعية لستالين ، لذا ينبغي على المتتبعين والمهتمين بقضايا الأشتراكية العلمية وجميع المنظرين الماركسيين من خلال تنظيراتهم الأتجاه في البحث نحو تروتسكي وأنجازاته وعطاءاته الثرة والثرية في مجال نظريته ” الثورة الدائمة ” والبروليتارية القائدة .
من هو ليون ترتسكي؟ Leon Trtsky 1879-1940 هو واحد من أهم الثوريين الرئيسيين في تأريخ روسيا الذين حاربوا إلى جانب لينين لتحرير الطبقة العاملة من ظلم النظام القيصري الأستبدادي ، وبعد تعينه كمفوض للحرب عمل على تصفية وهزيمة القوى المعارضة للمباديء البلشفية ، وعندما تسلم مسؤولية ” الجيش الأحمر ” أعد منهُ مدرسة قتالية مشحونة بالوطنية والأممية لذا حقق أنتصارات باهرة على جيش العدو الأبيض ، آديولوجيته تتلخص : الترويج للتنظيرات الماركسية لسوسيولوجية المجتمع الروسي ، معارضة شديدة للرأسمالية كوسيلة لأنجاح الثورة ، وتطبيق الأشتراكية العلمية سبيلا لتسلم السلطة ، كان ضد الستالينية ومن أشد معارضيه ، وكان تروتسكي حريصاً على السماح للدولة بالتحكم بالنقابات العمالية ( وكانت بذرة الخلاف بينهُ وبين لينين)
ومن منجزاته الفكرية / ما زال ليون تروتسكي أحد كبار منظري الثورة البلشفية في روسيا ، وهو السياسي الذي ساعد على أشعال الثورة الروسية 1917 وتأسيس الحكومة السوفيتية في نقل كل السلطة إلى السوفييت ، بناء الجيش الأحمر بل يعتبر القائد المؤسس لهذا الجيش ، عمل جادا في هزيمة المناشفة ، أنظم إلى البلاشفة قبل ثورة أكتوبر 1917 ، تسلم قيادة بارزة داخل الحزب ، وكان واحداً من السبعة أعضاء في المكتب السياسي الأول الذي أسس في 1917 ، وهو صاحب أظهار فكرة الأممية الرابعة إلى فضاءات الأعلان العلمي في 1938 .
ومن سيرة هذا المناضل الثوري الطويلة كان تروتسكي مناضلا صلبا حيث بدأ حياتهُ السياسية داخل مجموعة شعبوية من الشباب الروسي المتحمس ضد الدكتاتورية فوجد متنفسه الكفاحي في منظمة ( أرادة الشعب ) السرية الشعبوية قبل وبعد 1905 ، وسرعان ما أبتعد عنهم منتقدا أنحرافاتهم الفكرية وساعدتهُ الظروف السياسية وحركة الشارع الروسي ضد حكم القيصر والذي أصبح علناً في تسعينات القرن التاسع عشر بموجة من الأضرابات متزامنة مع المتسارع والهائل للأفكار الماركسية بين صفوف الطبقة العاملة والذي أدى إلى تفوّق المنظرين الماركسيين على براغماتية الأرهاب الفردي ، ألتحق تروتسكي بهذا الجيل الجديد من المناضلين الثوريين وتعرض للنفي منذ سنهِ العشريني 1898 ، في 1902 فرّ تروتسكي من منفاه في سيبيريا ذاهباً إلى لندن حيث أنظم إلى نخبة فريق جريد ة الأسكرا ( الشرارة ) التي أسسها لينين ، وفي 1905 وضع تروتسكي الأطار العام لنظريتهِ الثورة الدائمة : تعني الثورة الدائمة للبلدان ذات التطور البورجوازي وخاصة البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة تكون مسؤولية طبقة البروليتاريا التي تقود الجماهير الفلاحية الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من سكان البلدان المتخلفة ويكون هذا التحالف الثوري بين العمال والفلاحين والذي لا يأتي ألا بنضال عنيد ضد البورجوازية اللبرالية القومية ، وتكون القيادة السياسية للطليعة البروليتارية المنتمية للحزب الشيوعي التي سوف تكون من أولى مهماتها : أنجاز مهام الثورة الديمقراطية والتي هي مستمدة من شعار البلاشفة القديم ( دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية ) ، وقد بيّن تروتسكي في بحوثهِ الآيديولوجية حول الثورة الدائمة : أنهُ عبّربشكلٍ دقيق عن وجهة النظر التأريخية في العلاقات المحددة بين البروليتارية والفلاحين والبورجوازية اللبرالية وهذا ما أثبتته تجربة ثورة أكتوبر 1917 وكان ردهُ على المنتقدين : أن الفلاح أما أن يتبع العامل أو ما يتبع البورجوازي المصادر لجهده وقوّة عمله ، ولتكملة الصورة الثورية ضرورة حزب يستطيع من دعم البروليتاريا في الأستيلاء على السلطة .
وبأعتقادي الشخصي كمتتبع متواضع للماركسية وثورة أكتوبر 1917 : أن موضوع نظرية الثورة الدائمة لتروتسكي تجاوزت منذ أمدٍ بعيد الخلافات العرضية بين لينين وتروتسكي وحتى أستهلكها التأريخ تماماً حيث أن النظريتين الثورة الدائمة ونظرية الأشتراكية لم تعد متعارضتين لآن التروتسكية الثورية هي محاولة متقنة في التوفيق بين النظرية الأشتراكية والأممية الماركسية ، وأبدى تروتسكي موقفاً ثوريا من ( المناشفة ) الذين كان رأيهم بالثورة الروسية : ليس من الضرورة للطبقة العاملة أن تطمح للسلطة بل عليها فقط تأييد البورجوازية اللبرالية ضد النظام القيصري ، فأعلن تروتسكي معارضتهُ الشديدة لهذه الأفكار التشويهية للماركسية ،والتي تعني أن تقتنع الطبقة العاملة بالنظرية الأصلاحية التي سببت لاحقاً هزائم للطبقة العاملة في الصين 1927 وأسبانيا 36 – 39 وأندنوسيا 35 وتشيلي 73 ، مؤكداً نحن بحاجة لثورة برجوازية ديمقراطية ولاحقا تنتقل السلطة للطبقة العاملة والتي تقود الفلاحين ضد القيصرية .
وكانت سنة 1914 صارت فيها مسألة الحرب تحتل أفكار الأشتراكيين في العالم تبنى تروتسكي في الحال موقفاً ثورياً واضحاً من الحرب في مؤتمر زيمروالد 1915 جمع الأشتراكيين المعارضين للحرب بمؤتمر في العاصمة الفرنسية باريس وأصدر صحيفة روسية تدافع عن مباديء ( الأممية الثورية ) ناشي سلوفو أي ( كلمتنا ) ونجح في نشر الصحيفة التي لعبت دورا فعالا في أيقاظ الطبقة العاملة الفرنسية ، قامت السلطات الفرنسية إلى أغلاق الصحيفة وطرد تروتسكي من البلاد ، ثم أقام في أسبانيا وتم ترحيله إلى نيويورك أسس جريدة ( نوفي مير ) حينها سمع أخبارروسيا في أندلاع أنتفاضة جديدة في بتروغراد والتي سميت بالثورة الروسية الثانية ، وتسمى ثورة شباط1917 وهنا كانت مقالات تروتسكي في نوفي مير تتطابق مع أفكارلينين الذي هو الآخر في سويسرا ، أبحر حينها إلى روسيا للأشتراك الفعلي في الثورة وأنظم إلى البلاشفة وتم أنتخابه عضوا في أول لجنة مركزية لعموم روسيا وأتسع أنقلاب ثورة أكتوبر 1917 على ثورة شباط من نفس العام أصبح تروتسكي في صفوف لينين وعُيّن وزيرا للخارجية الروسية وهو الذي قام بنشر المعاهدات السرية بين كل من روسيا القيصرية وبريطانيا وفرنسا على تقاسم العالم بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى ، وترأس تروتسكي الوفد السوفيتي إلى محادثات السلام في ( ليفستوك )22 ديسمبر 1917 إلى 10 شباط 1918ثم عُين بمنصب المفوض الشعبي للشؤون العسكرية والبحرية أصبح تروتسكي القائد الأعلى للجيش الأحمر .
وبشكلٍ واضح أكدت أحداث ثورة 1917 نظرية الثورة الدائمة وما قام بها تروتسكي من دمج مجموعة المناضلين الثوريين مع الحزب البلشفي في واحد نوفمبر 1917 وللتأريخ قال لينين بحق تروتسكي { لم يعد هناك بلشفي أفضل منك } ، ولم يتوقف تروتسكي عن الدفاع عن أفكاره الثورية التي عكسها في وصيته تفاؤلا عظيما بالمستقبل الأشتراكي للأنسانية ، وأن مؤلفاته وأفكاره وكتاباته تشكل ثروة فكرية هائلة من الأفكار الماركسية للجيل الجديد من الثوريين ، وأن فوبيا التروتسكية لازمت قادة وكوادر الكرملين خاصة في زمن ستالين المميز بالعنف المفرط وبعد عقود من الزمن ونجاح العظيم للثورة البلشفية وهو أكبر دليل على حيوية أفكار تروتسكي التي لم تتمكن من تغيبها الأكاذيب والأفتراءات الستالينية ولا رصاصات الغدر فيمكسيكوستي .
وفي المؤتمر 13 للحزب وجه الرفاق أنتقاداتهم إلىى تروتسكي وجُرد من مناصبه ، وتم أعفاءهُ من عضوية المكتب السياسي للحزب البلشفي بتهمة النشاط المعادي للحزب ، وفي 1940 سقط الماركسي الثوري وأحد قادة ثورة أكتوبر العظيمة 1917 ليون تروتسكي أغتيالاً في مدينة مكسيكوستي وكان السبب هو تفشي البيروقراطية التي نشرها ستالين ببطش قمعي متطرف لأعداء المسيرة وحتى أصدقاء الحزب حسب تشخيص الفترة الستالينية بيد أن تروتسكي دخل التأريخ لأنهُ أنتشل البلشفية الأشتراكية من وحل الستالينية وعمل على حماية تراث ثورة أكتوبر وبقيت موروثاته الآيديولوجية في الرؤى والتحاليل الأممية ضد الرأسمالية والبيروقراطية الأصىلاحية .
وقد أعجبتُ بوصيته خاصة هذه الفقرةالثورية { — مهما كانت ظروف وفاتي فأني سأموتُ بأيمان راسخ بالمستقبل الأشتراكي وأنتصاراته تعطيني قوّة مقاومة لا يمكن أن يعطيها أي دين }
المصادر والهوامش1-ليون تروتسكي- النظرية والممارسة –أيسم كونارار-حزب العمال الأشتراكي البريطاني / تروتسكي للمبتدئين2-تأليف طارق علي الباكستاني 1958 / My Life تروتسكي مترجم–
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في العشرين من ديسمبر2018