الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeمقالاتكاظم حبيب : ستبقى آمال الشعب الكردي قائمة رغم معاناته الراهنة

كاظم حبيب : ستبقى آمال الشعب الكردي قائمة رغم معاناته الراهنة

لم يبدأ الشعب الكردي نضاله القومي والوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة القومية حديثاً، بل كان هذا هاجسه وهدفه منذ قرون، وتجلى في الإمارات التي تشكلت على امتداد القرون المنصرمة، والتي يمكن العودة إليها في العديد من كتب التاريخ، ومنها عل سبيل المثال لا الحصر كتاب المؤرخ شرفخان البدليسي(1543-1606)، وكتاب “خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من اقدم العصور التاريخية” للسيد محمد أمين زكي (1880-1958)، وكتاب د. مكرم الطالباني بعنوان “تطور الحركة القومية الكردية” بجزئين، وكتاب “الكرد وكردستان” تأليف أرشاك سافراستيان وترجمة الدكتور احمد خليل ..وغيرها. كما تجلى ذلك وبشكل خاصمنذ بداية القرن العشرين في حركة الشيخ عبد السلام البارزاني في العام 1909/1910، ومن ثم مفاوضات الكرد مع الحلفاء قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، وثورة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية وإعلانه الملكية، وكذلك إعلان استقلال جمهورية أرارات الكردية بقيادة اللجنة المركزية لـ حزب خويبون، في 28 أكتوبر 1927، أثناء موجة من الانتفاضات بين الكرد جنوب شرق تركيا. واستطاع الجيش التركي استخدام العنف المفرط في القضاء عليها في العام 1930. كما بدأت في الثلاثينيات الحركات التحررية اللاحقة للشعب الكردي في العرق بقيادة الشيخ أحمد البارزاني، وتواصلت في الأربعينيات بقياد الملا مصطفى البارزاني، إضافة إلى تحركات واسعة خلال العقدين الرابع والخامس من قبل الكثير من المثقفين الكرد الذين شكلوا تنظيمات عديدة منها على سبيل حزب هيوا (الأمل) تأسس في العام 1938، ومن ثم حزب شورش (الثورة) وحزب رزگاري كرد (تحرير الكرد). تتوج نضال الشعب الكردي في كردستان إيران بإعلان قاضيمحمد (1893-1947) جمهورية كردستان والتي سميت في كتب التاريخ “جمهورية مهاباد” التي أجهضت بقسوة بالغة من قبل قوات الدولة الشاهنشاهية الإيرانية وأعدم قاضي محمد في العام 1947. ووقد شاركت مجموعة من المناضلين الكرد بقيادة الملا مصطفى البارزاني ومجموعة من الضباط الكردي العراقيين في دعم جمهورية مهاباد، حيث أصبح الملا مصطفى البارزاني قائداً لقواتها العسكرية. وإذ استطاع البارزاني الهجرة إلى الاتحاد السوفييتي، قرر أربعة من الضباط الكرد العراقيين العودة إلى العراق بعد أن أعطت الحكومة العراقية وعداً بالعفو عنهم، ولكن الحكومة العراقية أخلت بوعدها وارتكبت جريمة إعدامهم في آذار/مارت من عام 1947 وهو نف الشهر والعام الذي أعدم فيه قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد.                         في العام 1946 بدأ تبلور أهداف ومهمات الحركة التحررية الكردية في لكردستان العراق واقترن نضالها بشكل واضح مع نضال الشعب العراقي عموماً في سبيل الحريات العامة والديمقراطية واستقلال البلاد وسيادتها وحقوق الشعب الكردي. وقد تجلت في الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي العراقي من المسألة الكردية منذ تأسيسه وكذلك حزب الشعب الماركسي الذي أسسه عزيز شريف، وفيما بعد سمي بوحدة النضال، وعند تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي (وفيما بعد أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني).

وعلى العموم يمكن القول بأن نضال الكرد في العراق قد مرّ بثلاث مراحل: المرحلة الأولى تجلت في مطالب ديمقراطية بما فيها الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والاجتماعية، والمرحلة الثانية تجلت في طرح شعار الحكم الذاتي في إطار الدولة العراقية، والمرحلة الثالثة تجلت في إقامة النظام الفيدرالي ضمن الدولة العراقية. ولا شك في أن الكرد بالعراق كانوا يفكرون دوماً بإقامة دولتهم الوطنية المستقلة على القسم الجنوبي من أرض كردستان الكبرى أو إقليم كردستان العراق. وهي المرحلة الرابعة في هذا النضال.    لقد وجد نضال الشعب الكردي الدعم والتأييد من الحزب الشيوعي العراقي وقوى وأحزاب ماركسية في العراق، وكذلك في كل من إيران وتركيا. إلا إن هذه النضالات العادلة والمشروعة، على وفق مبادئ الأمم المتحدة القائمة على أساس حق تقرير المصير للشعوب، قد وجدت المعارضة والمقاومة والمجابهة العسكرية والحرب من جانب القوى الحاكمة في هذه الدول الثلاث، وهي حكومات قومية شوفينية ورجعية متعصبة. وهي التي سمحت للمحامي والسياسي العراقي الماركسي الأستاذ عزيز شريف أن يشير في كتابه الموسوم “المسألة الكردية في العراق” إلى ما يلي:       

“ظاهرتان للمسألة الكردية في العراق: الظاهرة الأولى تمثل الوجه السلبي للمسألة الكردية أي أثر السياسة الاستعمارية الرجعية التي قضت باستعباد الشعب الكردي وتمزيق أوصاله وإبقائه في مستوى من العيش البهيمي. أما الظاهرة الثانية للمسألة الكردية في العراق فإنها تمثل الوجه الإيجابي لهذه المسألة وهو كفاح الشعب الكردي في سبيل حرياته وفي سبيل تقرير مصيره. والمسألة الكردية في العراق ليست عراقية صرفة، إنها جزء من مسألة الشعب الكردي في جميع موطنه كُردستان وأن مزقته السياسات الاستعمارية الرجعية المحلية الجائرة وأن تعددت لهجاته حتى بدت أحياناً كأنها لغات مختلفة بسبب العزلة. وأن ترابط أجزاء المسألة الكردية يبدو جلياً في التدابير السياسية والبوليسية العسكرية المنسقة التي تقوم بها قوات الحكومات السائدة في العراق وتركيا وإيران ومن فوقها ومن ورائها الاستعمار الانگلو أمريكي لقمع أية حركة انتفاضة كردية، تقع في أي من الأقطار الثلاثة وأحدث مثال لهذه التدابير المنسقة هو التعاون العسكري بينها لسحق حركة البارزانية عام 1945.” هذا ما كتبه عزيز شريف في العام 1950. ولكن أقسى جريمة وإبادة جماعية تعرض لها الشعب الكردي في حملات الأنفال عام 1988، إضافة إلى مؤامرة اتفاقية الجزائر لعام 1974 التي وقعت بين صدام حسين وشاه إيران بدعم مباشر من حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وتركيا. وأخيراً حصول تعاون عدواني مناهض للكرد حصل بين حكومات الدول الثلاث في سبتمبر من عام 2017 بعد بروز نتائج الاستفتاء الذي أجرته حكومة إقليم كردستان بشأن مستقبل كردستان العراق، والذي حاز على 92,73% من مجموع المصوتين الذين بلغت نسبتهم إلى مجموع المسجلين 72,16%. ويمكن اعتبار النسبتين عالية جداً بالقياس إلى نسب المشاركة في الانتخابات في عموم الدول النامية ومنها العراق، والتي تؤكد رغبة الكرد في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة. وهي لا تختلف عن رغبة الكرد في كل من كردستان إيران وكردستان تركيا، في حين أن كرد سوريا لهم مطالب وحقوق مشروعة،منها إدارية وثقافية واجتماعية، تؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية في سوريا لو استجيب لها بعقلانية من جانب حكام سوريا.

لم يكن قرار الاستفتاء في كردستن للتنفيذ المباشر لإقامة الدولة الكردستانية على أرض إقليم كردستان في العراق، بل كان تأكيداً لثلاث مسائل جوهرية:

  1. التعبير عن حق الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق في تقرير مصيره بنفسه، باعتباره حقاً مشروعاً لجميع الشعوب صغيرها وكبيرها، وهو حق ثابت ووارد في اللوائح الدولية للأمم المتحدة والهيئات الدولية ولوائح حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.  
  2. التعبير عن رغبة الشعب الكردي الصادقة في إقليم كردستان العراق.
  3. تحسيس الحكومة العراقية بأن الشعب الكردي في كردستان العراق قد اختار الفيدرالية في الحكم باختياره حين كانت توفرت إمكانية لتجاوز الدولة العراقية في فترة حكم البعث في العام 1991، وبالتالي لا بد للدولة الاتحادية بسلطاتها الثلاث مراعاة هذه الحقيقة في التعامل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في جانبي الصلاحيات والواجبات.

وإذا ما اختلفنا مع المسؤولين في الإقليم في مسالة توقيت الاستفتاء، فأن هذا لا يعطل ولا يبطل حق الشعب الكردي في إجراء الاستفتاء وفي إعلان نتائجه واحترامها من قبل العرب والحكومة الاتحادية، ومن ثم التفاوض مع حكومة الإقليم بشأن الموقف ما بعد الاستفتاء. ولكن الموقف الذي اُتخذ إزاء ليس الاستفتاء فحسب، بل وإزاء الشعب الكردي عموماً من جانب الحكومة الاتحادية بقيادة حيدر العبادي عبر عن:

  1. رؤية أيديولوجية قومية شوفينية متعصبة ورافضة لحق تقرير المصير للشعب الكردي من حيث المبدأ؛
  2. ورؤية إيديولوجية دينية متعصبة ومتشددة تعتبر المسلمين كلهم أمة واحدة يعيشون في دولة إسلامية واحدة هي الدولة العراقية، ولا يحق لهم غقامة دولتهم الوطنية المستقلة إذ يعتبر ذلك انفصالاً مرفوضاً.

وتناغماً مع هذين الموقفين الإيديولوجيين الخاطئين اتخذت الحكومة الاتحادية إجراءات ذات طبيعة إرهابية وقمعة وعقابية ضد إرادة الشعب الكردي وحقه في إجراء الاستفتاء. فكان الامتناع عن دفع الرواتب وفرض الحصار الاقتصادي وإجراءات عقابية وعسكرية أخرى كادت تقود إلى مآسي جديدة، ودامت فترة غير قصيرة وكانت ضد العدالة والشرعية والانصاف. وهو نفس الموقف الذي تتخذه الدولة الثيوقراطية “الإسلامية” الإيرانية بقيادة المرشد الطائفي والمستبد بأمره علي خامنئي، والدول الثيوقراطية التركية الجديدة بقيادة الشوفيني المستبد بأمره رجب طيب أردوغان من حقوق الشعب الكردي في الدولتين. وما الحرب العدوانية التي يخوضها حكام تركيا حالياً ضد الشعب الكردي في كردستان تركيا والصواريخ التي تطلق على أراضي كردستان العراق من تركيا التي تقتل المدنيين بذريعة قصف مقرات حزب العمال الكردستاني ليست سوى جريمة بشعة وتجاوز على استقلال وسيادة العراق وانتهاك صارخ للائحة الأمم المتحدة وضد إرادة المجتمع الدولي.

كم كان الفقد الدكتور زهدي الداوودي على صواب حين كتب يقول: „إن القومية الكبيرة التي تستعبد القومية الصغيرة، ليست حرة. ولقد آن الأوان كي يفهم القوميون العرب والأتراك والفرس هذه الحقيقة…”. (راجع: الحوار المتمدن بتاريخ 26/12/2009).

وإذ تعرض تحقيق آمال ومهمات الشعب الكردي إلى الانتكاسة أكثر من مرة على امتداد القرن العشرين وحتى الآن، كان يعاود النهوض وبعزيمة أقوى وأمضى من السابق. ورغم حاجة الشعب الكردي لتأييد الشعب العربي وبقية القوميات في العراق من جهة، وتأييد المجتمع الدولي والكثير من الدول والرأي العام العالميمن جه أخرى، إلا إن التجارب المريرة التي مرّ بها هذا الشعب المناضل تؤكد الاستنتاج التالي: إن تحقيق الآمال والمهمات يتطلب أولاً وقبل كل شيء تحقيق الوحدة الوطنية للشعب الكردي، وحدة الإرادة والعمل، وحدة الهدف، والعمل على قبول الرأي والرأي الآخر والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة في الإقليم، يتطلب إعادة بناء الإنسان الكردي ورفع مستوى وعي الجماهير والاستجابة لحاجاتهم وتطلعاتهم والاستفادة الفعلية من دروس الماضي من خلال العمل على تغيير بنية الاقتصاد الكردستاني، ولاسيما التصنيع وتحديث الزراعة وتطويرها، وتغيير بنية المجتمع الطبقية وتأمين مستلزمات أساسية لتحقيق الأماني والأهداف التي يتطلع لها الشعب الكردي. كما لا بد من انتهاج سياسة تؤكد وحدة النضال ضد الاستبداد والتطرف والطائفية التي تمارس من جانب الحكومة الاتحادية وضد كل القوميات، ومنهم العرب. إن كسب ثقة الشعب الكردي من جانب القوى السياسية والاستجابة لحاجاته وتطلعاته هي الضمانة لوحدة نضاله وانتصاره على من يقف ضد طموحاته وتطلعاته العادلة والمشروعة. فلا بد من تجاوز أخطاء الفترات السابقة في العمل المشترك بين القوى والأحزاب السياسية في إقليم كردستان، كما لا بد من التعلم من الأخطاء الحكومية في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية وأهمية وسبل استخدام الموارد المالية المتوفرة في عملية تنمية إنتاجية عقلانية توفر الأرضية الصالحة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي وتنمي الثروة الوطنية وتحسن مستوى معيشة وخدمات بنات وأبناء الشعب في كردستان العراق. ومع قرب حلول العام الجديد أرجو لهذا الشعب عبور الأزمة والنجاح في تحقيق الوحدة الوطنية ومواجهة الواقع الجديد والاحتفاظ بالأمل والعمل من أجل تحقيق الأهداف العادلة والمشروعة.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular