أثار القانون الأمريكي الجديد لحماية الاقليات الدينية والعرقية ومعاقبة الدولة الاسلامية لاعمالها الوحشية ضدهم شكوك لدى الأقليات العراقية حول كيفية تنفيذ القانون والضمانات القانونية له.
وقع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” على “قانون الإغاثة والمسألة للإبادة الجماعية لعراق وسوريا” يوم 11 من ديسمبر. تضمن القانون تعليمات للحكومة الفدرالية لوضع اولوية في تقديم المساعدات والدعم لضحايا الأقليات الدينية في سوريا والعراق، من الذين تضرروا بسبب اعمال الإبادة وأعمال ضد الإنسانية وجرائم الحرب لتنظيم داعش. ويقدم القانون ايضا مساعدات مالية وتقنية لمؤسسات وكيانات غير حكومية للقيام بتحقيقات وتطوير مهارات محلية وجمع ادلة ضد مرتكبي الجرائم.
وقد وصف “مراد إسماعيل” المدير التنفيذي لمؤسسة يزدا الدعم الثابت الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة للأقليات الدينية بكونه مبدأ رائعا، وأضاف “يسرّ المجتمع الايزيدي بان الأمل من شواطئ أمريكا قد وصل إلى أقلية صغيرة مضطهدة مثل الايزيديين الذين عانوا بشكل قاسي من قبل تنظيم داعش”. مراد الذي ظهر مع الرئيس ترامب أثناء توقيع القرار عبر عن تقديره لدعم الرئيس الإميركي المباشر لضحايا تنظيم داعش من الأقليات الدينية من الايزيديين والمسيحيين من خلال التمويل المباشر لبرنامج وكالة التنمية الامريكية لتمكين الناس من إستعادة حياتهم الطبيعية، وقدم شكره لجميع المنظمات والأفراد الذين ناصروا مشروع القانون، وشدد “مراد” خلال حديثه مع المونيتور على إن “يزدا” ستبقى ملتزمة باستعادة الحياة الطبيعية والآمال للايزيديين وجميع الأقليات بعد مرور أربع سنوات من الإبادة.
وعلى صعيد ذي صلة بين الناشط “كامل زومايا” مسؤول العلاقات الخارجية لمنظمة شلومو للتوثيق، خلفية إصدار القرار، مبينا للمونيتور إنه كان تتويجا لمسار جهود جماعية بذلت منذ الوهلة الاولى لحصول الإبادة الجماعية ضد المسيحيين والايزيديين، وخص بالذكر جهود جمعية فرسان كولومبس الكاثوليكية في الولايات المتحدة، ومنظمة الدفاع عن المسيحية في واشنطن دي سي، والرابطة الدولية لعلماء الجينوسايد، وأضاف زومايا في حديثه مع المونيتور: لقد ذكرت هذه الجهود الدولية على سبيل المثال، إذ كانت هناك جهود عراقية لشخصيات رفيعة مثل المطران “بشار وردة” رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية في أربيل، والمؤسسات السياسية التي تمثل مسيحيي العراق، والمدافعين عن حقوق الانسان الذين كان لهم دورا كبيرا في ابراز معاناة ضحايا الإبادة الجماعية على المستوى المحلي والدولي معا. وفي ما يتعلق بالشأن الداخلي، أكد زومايا على أن على الحكومة العراقية الاتحادية وحكومة اقليم كردستان العراق إلتزاما ايجابيا للتفاعل مع هذا القرار من خلال إصدار التشريعات القانونية لأنصاف الضحايا والعمل على تطبيقها بشكل عملي، وعلى نحو يحقق حماية للأقليات في مناطقها التاريخية التي تقطنها حاليا، ويسهم في اعادة ثقة أفرادها بالمساواة من خلال ازالة التجاوزات وعمليات التغيير الديموغرافي لممتلكاتهم ومناطقهم التاريخية الحالية.
من جانب أخر، كانت لممثلي بعض الأقليات الأخرى التي لم يرد أسمها في القرار تحفظات على حصر الحماية التي يقدمها بالمسيحيين والإيزيديين، إذ يرى الناشط المندائي “نزار الحيدر” نائب رئيس مجلس الأقليات العراقية، والمقيم حاليا في الولايات المتحدة، إن المندائيين لا يجب أن يكونوا رقما مهملا في معادلة حماية التنوع الديني في السياسة الأميركية، وكشف الحيدر عن إن “90% من الطائفة المندائيين قد غادروا العراق بسبب الخطر والتهديد نفسه الذي اصاب المسيحيين والايزيديين، فإن داعش لم تكن تميز بين مسيحي وايزيدي ومندائي، مضيفا إن هذه الاقليات الثلاثة كانت وقودا للصراع الطائفي السني الشيعي”. ووضح الحيدر أعتراضه على عدم أدراج المكون المندائي ضمن قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، موضحا إن افتقار المندائيين الى لوبيات دولية ضاغطة يجب أن لا يضعهم خارج حسابات الربح والخسارة على مستوى الحضارة الإنسانية، مبديا أمله من أن تضع السياسة الأميركية وصناع قرارها نصب أعينهم المساواة بين المسيحيين والمندائيين والايزيديين كأقليات دينية مضطهدة، في وقت لم يتبق سوى ستين ألفا من المندائيين في العالم موزعين على اكثر من عشرين دولة، ولم يتبق داخل العراق سوى 10% من مجموع المندائيين في العالم.
من جانب أخر، ترد مخاوف من إن يعكس القرار موقفا أميركيا متفردا بعيدا عن معالجة الأمم المتحدة لتحديات الأقليات الدينية في العراق، لا سيما في ضوء سياسة الرئيس ترامب الآحادية، فقد أعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2379 في جلسته 8052، المعقودة في 21 أيلول/سبتمبر 2017، وتضمن طلبا لإنشاء فريق تحقيق، برئاسة مستشار خاص، لدعم الجهود المحلية الرامية إلى مساءلة تنظيم (داعش) عن طريق جمع وحفظ وتخزين الأدلة في العراق على الأعمال التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها جماعة (داعش) الإرهابية في العراق.
وفي هذا السياق أبدى الدكتور علي البياتي عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق قلقه من التعارض بين قرار مجلس الأمن والقرار الأميركي مبينا إنه “من الضروري عدم زج القانون والمشاريع المتعلقة والناتجة من هذا القانون بالصراعات الدولية والاقليمية والمحلية، لإن ذلك من شأنه جعل الأقليات ضحية مرة اخرى للمصالح الدولية المتنازعة في المنطقة، لا سيما، وإن التوجه الأميركي الحالي للابتعاد عن منظومة الامم المتحدة واتخاذ قرارات وخطوات فردية لن يكون في صالح بلدان وشعوب تواجه صراعا ونزاعا دوليا واقليميا، مثل العراق”.
واذا كانت هذه المخاوف تعكس قلقا من إستخدام القرار لصالح حماية المصالح الأميركية في المنطقة، وهو ما قد يجر الأقليات الى مساحة صراع جديد هي في غنى عنها، فإنه يعكس مأزقا داخليا يتمثل بعدم قدرة الحكومة العراقية على تلبية مطالب الأقليات العراقية، الأمر الذي اضطر ممثلي هذه الأقليات لطلب مساعدة المجتمع الدولي والولايات المتحدة بشكل خاص.