الناصرية 6/1/1951 مسرحية “فتح الأندلس بقيادة طارق إبن زياد” قدمتها مدرسة
فيصل الأول. في الوسط المربي علي الشبيبي وعلى يساره عبد الوهاب البدري
وخلفهم صالح مهدي. ومن التلاميذ الممثلين الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي،
والدكتور محمد موسى الأزرقي، والاستاذ كامل العضاض وسهيل علوان
غادرنا اليوم الاثنين 20 مارس الروائي والقاص عبد الرحمن مجيد الربيعي (1939-2023) بعد معاناة مع المرض. آلمني خبر وفاة الروائي عبد الرحمن الربيعي لأني لم أتمكن من اللقاء بالفقيد استجابة لرغبته، فكلما أحل في العراق لا يصادف وجوده في الوطن أو أن أوقاتنا لا تتناسب في تحديد موعدا للقاء لأننا نقيم في مدن متباعدة. كانت رغبته -طيب الله ثراه- كما رغبتي قوية في ان نلتقي وخاصة عندما عرف أني منكب على تجميع كتابات ومذكرات الوالد لنشرها وان الوالد قد أشار في مذكراته لموقفه الوفي حين التقاه في اتحاد الأدباء، وأرسلت له نص ما كتبه الوالد عنه مستفسراً منه إن كان لا يمانع في نشره، وطبعا وافق على النشر دون تردد.
وبهذه المناسبة الأليمة أنشر ما كتبه الوالد متفاخرا بتلميذه الوفي الراحل عبد الرحمن مجيد الربيعي، وما قاله الراحل ذاته بحق والدي لمجلة “الزمان الجديد” بعددها السابع/ منتصف مايو 2000.
كتب الوالد في مذكراته (ذكريات التنوير والمكابدة) في موضوعة (مدرسة الحسين) صفحة 560/ طبعة دار المدى، فكتب:
[وقد لمست ثمر نهجي هذا، حين التقيت بعد حقبة من الزمن وعن طريق الصدفة ببعض طلبتي، وقد أصبحوا من حملة شهادة الدكتوراه، أو من الأدباء البارزين في فن القصة والرواية. أحدهم التقى بي في اتحاد الأدباء وقدمني متباهيا لنخبة من الأدباء، تحلقوا حول طاولة. فرد عليه أحدهم: لم تقدم لنا من لم نعرف أو نجهل، إنه صديقنا وزميلنا وعضو في الإتحاد ….! ولكنه راح يسرد لهم حكاية تأثيري فيه، ويذكر بإعجاب: إني ما أزال أعتبر إن بعض حكاياته هي التي دلتني على الطريق اللاحب. أذكر منهم الدكتور صلاح مشفق، واعتقد أنه ليس من أهالي الناصرية ولكن أخاه موظفا فيها، ومنهم القاص النابه “عبد الرحمن مجيد الربيعي” كان أبوه شرطيا وكان يهتم بابنه اهتمام عارف، ويتفقد سلوكه في المدرسة، وكان هو مؤدبا ومجدا.
أمثال هذا كثيرون، لست بحاجة إلى ذكر أسمائهم. وإني لفخور بهم وباعتزاز. وحتى بعض الذين كانوا مستهترين وفشلوا أخيرا في الدراسة، وبعضهم اعتدى عليّ، التقيت بهم رجالا قد أدركوا خطأهم. وكفروا عن تقصيرهم فانخرطوا في صفوف العمال المناضلين. فليت لي حولا وقوة لأواصل رسالتي في أداء خدمة بلدي. ولست آسفا أبدا إنا نحن المعلمين كالجسر يعبر عليه الألوف ثم تبلى أخشابه، فلا تعود تذكر على لسان. إن بعضهم يقول: إنهم شموع تحترق لتنير الطريق للآخرين. هذا لطف من صاحب الكلمة، ولعله معلم أيضا].
وقد تطرق الروائي الراحل عبد الرحمن مجيد الربيعي عن تأثير والدي عليه في حواره مع مجلة “الزمان الجديد” حيث كتب الراحل عام 2000:
[… تلك هي الدروس الأولى التي اقترنت كلها بالعقاب البدني والتي كونتني بشكل آخر. لكن الدرس الذي قادني إلى الأدب كان على يد معلمي العظيم المرحوم علي الشبيبي الذي كان رجل دين نزع العمامة وارتدى الملابس المدنية. وكان رجل أدب وشعر وهو شقيق المرحوم الشبيبي الذي اعدم مع فهد مؤسس الحزب الشيوعي، وقد علمت هذا لاحقاً لأنه لم يرد إثارة هذا الموضوع وقتذاك.
ويمكنني القول دون تردد أن معلمي علي الشبيبي هو “مكتشف” موهبتي الأدبية عندما أنتبه إلى كتاباتي في درس الإنشاء وكنت آنذاك في السنة الرابعة من الدراسة الابتدائية. وصار يمدني بتوجيهاته واذكر أن هديته لي عندما نجحت -الأول- في الامتحان النهائي كانت مكونة من أربعة كتب مازلت أتذكر أن احدها لمحمود تيمور والآخر لعبد المجيد لطفي الذي كان يحظى باحترام كبير نظرا لشجاعته ومواقفه الوطنية التي قادته للسجن مراراً.
وعندما يأتي من ينتبه إلينا، إلى قدراتنا، ويمنحنا الثقة، ويضعنا في أول الطريق الموصل ولا يتركنا نتخبط فإننا نكون بهذا من المحظوظين. فتحية إجلال لذكرى معلمي الجليل علي الشبيبي أبو كفاح وهمام الذي لولاه لما اختصرت المسافة إلى الكلمة. لما كنت ما أنا عليه بكل ما قدمت وبعناد واعتداد لابد منهما لكل من يدخل عالماً مكتظاً وعجيباً أسمه “الأدب” فيه من الذئاب والأفاعي أكثر مما فيه من الحمائم والغزلان].
لا أجد أفضل مما كتبته أعلاه لمواساة عائلة الفقيد، فهذا الموقف النبيل والوفي منه لمعلمه في الابتدائية وهو يتذكره ويرى في معلمه هو من قاده الى الأدب ووجهه الوجهة الصحيحة وشجعه. فمثل هذا النبل والوفاء قل مثيله في عراق اليوم. نم قرير العين يا أبن الناصرية الوفي هاهم أصدقاؤك والمؤسسات التي عملت ونشطت فيها في العراق وخارجه -تونس ولبنان- يفتقدوك وينعوك بحزن وألم، لروحك السلام والطمأنينة ولعائلتك ومحبيك الصبر والسلوان.
محمد علي الشبيبي
كربلاء/السويد 20-03-2023