ان أزمة تشكيل الحكومة المركزية في العراق هي أم الازمات العراقية ان جاز القول، اذ بعد كل انتخابات تشريعية، تحتدم الخلافات بشأنه وتستغرق شهوراً تدار الامور خلالها من قبل حكومة تصريف الاعمال التي صارت أمراً واقعاً اذا علمنا انها تأخذ الربع من السنوات بين انتخاب برلمان واخر (4 سنوات). ومن اكثر الازمات خطورة في تأريخ تشكيل الحكومات المركزية في العراق، أزمتا عام 2010 و 2018 فأزمة تشكيل الحكومة المركزية للعام 2018 على عتبة الدخول في شهرها الثامن، ولا يستطيع أحد التنبؤ بحلها في مطلع العام الجديد 2019 وحتى الذي انجز منها محل طعن ونقد، فبين الوزراء ال 14 الذين تمت المصادقة عليهم وزراء يحملون شهادات مزورة أو متهمين بالفساد و الارهاب لذا فان الموافقة على الوزارات الثمان المتبقية والحالة هذه ستكون محفوفة بالمخاطر وعرضة للهزات، ويسمي بعضهم الحكومة الحالية بالعرجاء، فيما وصف اخرون حكومة البصرة المحلية ب (النصف ردن) اعود الى الازمة الحكومية الاولى والتي حلت بصورة مؤقته اثر مبادرة تقدم بها البارزاني عام 2010 وسميت مرة بمبادرة اربيل واخرى بمبادرة البارزاني، والتي نجحت ولكن على حساب ضرب اهم فقرة في الديمقراطية الا وهي ازاحة اكثرية علاوي وتنصيب اقلية المالكي، دع جانباً ضرب المطالب الكردية ال 19 وكذلك مطالب الاطراف الاخرى عرض الحائط فيما بعد اذ لم تتحقق اي من تلك المطالب، بالرغم من قيام الكرد فيما بعد باختزال مطالبهم الى 7 مطالب عام 2013 بعد زيارة قام بها نيجيرفان البارزاني الى بغداد، وكاد التأريخ ان يعيد نفسه فاثناء زيارة مسعود البارزاني الاخيرة الى بغداد الحت عليه اطراف كثيرة تقديم مبادرة، ولو كان البارزاني يوافق على مطالب تلك الاطراف، لكان التاريخ يعيد نفسه في التداعيات، اي تهميش المطالب كافة وصعود فئة متشددة موالية لايران الى الحكم. من تجربة مبادرة البارزاني لعام 2010 يتبين، ان المبادرات سيكون لها مفعول المسكن لاغير، وما يليها أمر وأقسى.
وليست أزمة تشكيل الحكومة المركزية بعد كل انتخابات تشريعية الازمة الوحيدة في العراق فهنالك ازمات اخرى مثل أزمة تشكيل حكومة اقليم كردستان ايضاً بالرغم من انها اخف وقعاً وضرراً من أزمة تشكيل الحكومة المركزية، فبعد مرور نحو 3 اشهر على الانتخابات البرلمانية الكردستانية في 25-9-2017 الا ان الحكومة لم تتشكل الى الان ومن الارجح ان تتشكل في العام المقبل 2019 وقد لا تتشكل في بدايته، والمخاوف من عودة الاقتتال الداخلي الى الاقليم تنمو وتتزايد جراء التأخير في تشكيلها، وتبقى ازمة تشكيل حكومة كردستان نتاجاً وانعكاساً لأزمة تشكيل الحكومة المركزية فسلبيات الاخيرة واشكالاتها تنعكس على حكومة اقليم كردستان وتتحمل الاخيرة قسطاً كبيرا منها، اذا علمنا انها تتقدم في الديمقراطية على الاولى مسافة زمنية تقدر ب 11 عاماً، ولكن بدلاً من ان يغدو النظام الديمقراطي في كردستان يحتذى به ويؤثر ايجاباً على نظام الحكم المركزي، فان الاخير بات يؤثر عليه بعد ان القى بفساده وخروقاته على الوضع في كردستان بعفوية وغير عفوية اذ لا بد ان تكون لبغداد وطهران اليد الطولي في احداث كردستان، فحكومة كردستان منذ تشكيلها تعاني محاصصة و لكن من نوع اخر وهو العمل بمبدأ المناصفة او الفيفتي فيفتي، واذا كان بعضهم يرد الازمات العراقية الى المحاصصة الطائفية والعرقية، فان الازمات الكردستانية ترد الى المناصفة التى نتج عنها اقتتال الاخوة 1994-1998 فبقاء الادارتين في اربيل والسليمانية غير موحدتين والقول نفسه بالنسبة لقوات البيشمركة، واخيراً اطالة تشكيل الحكومة الكردستانية التاسعة فهاهي حكومة تصريف الاعمال الكردستانية على عتبة الولوج في شهرها الرابع وعلى مشارف العام الجديد 2019 من غير ان تلوح في الافق بوادر تشكيل الحكومة، ولا اعتقد انها ستتشكل في وفت مبكر من العام المقبل، وان تشكلت فانها كما حكومة المركز تكون ( عرجاء) أو كما الحكومة المحلية في البصرة ( بنصف ردن) فالصراع بين الاطراف الكردية على أشده وسط الاكثار من المقولات: اتفقنا على وحدة الصف الكردي وكانت نتائج المباحثات مثمرة وو.. الخ وغالباً ما نجد انتقالاً لأزمات وامراض حكومة المركز الى حكومة كردستان مثال ذلك وجود عدد من الوزارات في الحكومتين تداروكالة. عداهذا النقص، هناك تناقضات عميقة تظهر بين حين وحين بين الحكومتين والبرلمانيين ( العراقي والكردستاني) مثال ذلك صوت البرلمان الكردي بالاجماع على نتائج الاستفتاء على استقلال كردستان في حين رفض البرلمان العراقي تلك النتائج، وقام البرلمان العراقي بالمصادقة على تخفيض حصة حكومة كردستان من الموازنة المالية العامة من 17% الى 12% في حين رفض البرلمان الكردستاني ذلك التخفيض بقوة وما يزال يصر على النسية الاولى 17% في وقت نجد للشعب الكردي ممثلين عنه في البرلمان العراقي، فتصوروا برلماناً ( برلمان كردستان) يعكس مطالب الشعب الكردي واخر ( البرلمان العراقي) يرفضها بالرغم من انه يعتبر ممثلاً عن الشعوب العراقية بما فيها الشعب الكردي.. الخ من التقاطعات الاخرى وليكن الله في عون شعب بين برلمانين يمثلانه، احدهما ضد الاخر!! تلي الحكومتين المتناقضتين في بغداد واربيل، حكومات المحافظات المحلية والتي تخضع شاءت ام ابت الى التأثيرات السلبية للحكومة المركزية فقط، ولنا على ذلك امثلة كثيرة فأسباب الصراعات في حكومات البصرة ونينوى وبغداد.. الخ من المحافظات الاخرى هي الاسباب عينها للصراعات في الحكومة المركزية، ففي حكومات المحافظات، كما في حكومة المركز، بيع وشراء للمناصب دع جانباً الفساد والشبهات حول اعضاء حكومات المحافظات من شهادات مزورة وفساد واتصال بالارهاب، والصراع في حكومات المحافظات غالباً ما يكون اشد من الصراع داخل الحكومة المركزية، ويوهم من يعتقد ان السرقات الكبرى تحصل في الحكومة المركزية فقط والاصح انها في حكومات المحافظات، وكلما ابتعدنا عن العاصمة حيث حكم القانون افضل الى حدما وتوجهنا الى خارجها نجد عداً تنازلياً لحكم القانون في مراكز المحافظات واالاقضية والنواحي ليس هذا فحسب بل ان الازمات التقليدية نجدها حاضرة حتى في مجالس الاقضية، فعلى سبيل المثال بلغ التناطح على منصب قائمقام المقدادية في محافظة ديالى حد الاحتكام الى السلاح واطلاق النار على دار القائمقام واعضاء في مجلس القضاء وانتشار المسلحين في كل مكان هناك.
لن تحل الازمات باستكمال كابينة عادل عبدالمهدي ولا تخلي محافظ البصرة عن منصبيه كما يعتقد بعضهم وبسذاجة ولن يستتب الامن والاستقرار بنصب اكثر من 120 الف الة تصوير في شوراع بغداد ولا ببناء جدار عازل طوله اكثر من 600 كيلومتر على الحدود مع سوريا. ولن تستقيم امور العراق الا بتقسيمه على 3 شعوب: شيعة وسنة وكرد، واذا لم يتم حل الاشكالات وفق رؤيتي هذه فما على العراقيين الا الاستعدادات لانقسامات اكثر وحكومات اكثر ومظالم ومأسي اكثر.