معارضة بوزن الحكومة
.
لا أحد يستطيع السير بهدوء وسط الضجيج، ولا يمكن التماسك وسط الإنهيار، ومن الصعوبة تشخيص المباديء القويمة وسط المتاجرات، ومن حق المواطن أن لا يثق بأغلب الطبقة السياسية. معظمهم ساستنا، يبحثون عن مجد دون تهيئة المقومات، وجل إعتمادهم على تزعم مفترض مبني على تكثيف ظهور إعلامي، ومناكفة خصوم، ومع دوام الممارسة السياسية يزداد التعلق بالسلطة، بل وصل الإعتقاد على أن بعض العوائل من نسل يتوارث السياسة.
المسؤولية قدرة على إصدار قرار مناسب وقدرة على التنفيذ، والتضحية في سبيل القرار الصائب، بما في ذلك الإستقالة أو الذهاب للمعارضة البناءة، والقيادة معناها مصلحة العامة وإيثار.
التعلق بالسياسة دون مقومات، تأخذ من الشخص أكثر مما تعطيه، وهي فن ممكن وموهبة تحتاج لإبداع، وصقل دائم وعمق شخصية ترتبط بتاريخ، يُحاكي الحاضر ويستثمر تجارب الشعوب، وإلا تعرض التكلس ثم الإندثار والاضمحلال، والمسؤولية قرار قابل للتنفيذ، والتضحية في سبيل القرار الصائب، بما في ذلك الإستقالة والذهاب للمعارضة، وأهم صفات القيادة تقديم مصلحة الآخرين على المصلحة الشخصية.
تعد بعض القوى أن الذهاب للمعارضة كارثة لسببين؛ لطمع بالسلطة وعدم ثقتها بغيرها، وفي الأولى إعتقاد بأهمية مكسب السلطة لما يرافقه من واردات، وقدرة على إستغلالها للتسلط وتمرير ما هو غير مشروع، وهذا ما يبرر القول الشكلي: أن عدم المشاركة خسارة لقوى تعتقد الوطنية والمشروعية بنفسها فحسب، والمعارضة تنصل من المسؤولية في تصورها ويؤدي الى فشل الحكومة، وسماح لقوى تلتئم على أساس التقاسم، لتأخذ زمام الأمر وتهمش الآخر، فيلتحق بركب المشاركة وأن كان شكلاً.
هنالك مطالب شعبية تقابلها طموحات سياسية، منها الشخصي والحزبي، وآخرى ترى الإصلاح ملحاً، وتغيير أساليب إدارة الدولة، إلاّ أن معظم القوى تضع في أولوياتها في مفاوضات تشكيل الحكومة شخصية رئيس مجلس الوزراء والمواقع المهمة، ومستعدة للتنازل للحصول على مآرب تحققها من خلال السلطة، وأن كانت الإتفاقات مرحلية تنفرط بعد تشكيل الحكومة بفترة وجيزة.
تصدم الإصلاحات بطبيعة تقاسم السلطة، ومقاومة مؤسسات تشهد نفوذاً حزبياً، وسيطرة أرباب فساد بحماية مؤسسات حكومية.
تشكيل حكومة لها معارضة بوزنها، سيعيد هيبة الدولة، وتأخذ السلطة موقعها، بوجود توزيع أدوار بين مشاريع لا تتوائم، فتتنافس بين حكومة ومعارضة يمكن أن يكون دورها أهم، لإزاحة اتفاقات جذرت الفساد ووفرت له حماية حزبية ومقايضات، وعدم الإشتراك في منظومة غير منتجة، خير من الإلتحاق بمشاريع يؤطرها الظلام.
وفي تاريخ العراق الحديث بعد 2003م، لم يفرز المجتمع ولا القوى السياسية؛ طبقة سياسية منها الحاكم والمُعارض، والتبادل أشبه باللاسلمي للسلطة، وخلال هذه السنوات تكرست معظم الأفعال السياسية، على السير بعيد عن الواقع المجتمعي، وإفتقد العراقيون هيبة الدولة وقيمة الديموقراطية، التي تعطي للمعارضة وزن بوزن الحكومة.