الأربعاء, يناير 8, 2025
Homeالاخبار والاحداثالكرافة.. "أخوة دم" أيزيدية عابرة للأديان

الكرافة.. “أخوة دم” أيزيدية عابرة للأديان

 

شيخ أيزيدي خلال عملية دفن جماعية لرفات بعض من ضحايا قرية كوجو في قضاء سنجار، في 6 فبراير 2021. وأعيدت حينها بقايا 104 من سكان كوجو الذين قتلهم تنظيم داعش لدفنهم في القرية.
شيخ أيزيدي خلال عملية دفن جماعية لرفات بعض من ضحايا قرية كوجو في قضاء سنجار- تعبيرية

الكرافة من العادات الاجتماعية القديمة والفريدة من نوعها لدى أتباع الديانة الأيزيدية، والتي ساهمت في نشر التعايش السلمي بينهم وبين باقي الأديان في العراق منذ مئات السنين عبر “أخوة الدم” التي تقضي تقديم الحماية والدعم بين مختلف المكونات.

ويتوزع أتباع الديانة الأيزيدية على مناطق متعددة في شمال العراق، أبرزها منطقة جبل سنجار والقرى والبلدات التي تحيط بها، حيث كان يقدر عددهم قبل احتلال داعش للمنطقة، في أغسطس 2014، بأكثر من 270 ألفا. ويتوزع العدد المتبقي، والذي يتجاوز 250 ألفا، بين منطقة شيخان حيث يوجد معبد “لالش” المقدس لدى أتباع الديانة، ومجمعات شاريا وقرى أخرى في محافظة دهوك.

وتتميز الأيزيدية بأنها غير تبشيرية لا يسمح بانضمام أفراد جدد إليها، إلا من ولد لأب وأم أيزيديين، ولها نظام طبقي ديني ثلاثي لا يسمح فيه بالزواج فيما بين طبقاته.

يقول الباحث الأيزيدي شكر خضر مراد لـ”ارفع صوتك” إن “الكرافة تمثل عادة اجتماعية غير دينية لدى الأيزيديين. وترجع المصادر اسم الكريف إلى اللغات القديمة وتعني الأب الثاني أو أخوة الدم ولا يقل الكريف أهمية عن أي فرد من أفراد العائلة”.

وتهدف الكرافة إلى “ترسيخ العلاقات الأخوية بين الطبقات الاجتماعية الأيزيدية، ومع المكونات الدينية في المناطق التي يسكنها الأيزيديون من مختلف الديانات. يلتزم على أساسها الطرفان بحماية بعضهما البعض و الوقوف مع بعضهما في السراء والضراء”.

كانت خدعة خبيثة، ما سمعته النساء والأطفال في المدرسة لم يكن صوت إطلاق رصاص على الكلاب السائبة، بل عملية قتل رجال القرية. لم يكن في نية التنظيم إجلاء الرجال إلى الجبل أبدا، بل فقط خدعة ماكرة لفصلهم عن النساء والأطفال وقتلهم في مكان بعيد.

من هو الكريف؟

تتم الكرافة بأن يختار شخص أيزيدي رجلا من ديانته أو أية ديانة أخرى، ليشاركه في عملية ختان ابنه. يحمل الرجل الطفل الأيزيدي في بين يديه، وبمجرد أن تنزل نقطة دم على ثوب الرجل، يصبح “كريفا” أو “أخ دم” لأب الطفل.

تتضمن الطقوس الختان “ارتداء الطفل والكريف أثواباً بيضاء اللون فيما يرتدي والد الطفل ثياباً غالية الثمن كتعبير عن الامتنان”. ويكون واجب الكريف خلال الاحتفال “وضع الطفل المختون في حضنه لحظة ختانه فتنزل قطرة أو أكثر من الدم على ثوب الشخص الأبيض ليتم بعدها دعوة والدي الطفل للدخول إلى المضافة التي يُمنع تواجدهم فيها خلال عملية الختن”.

وبعد دخول والدي الطفل إلى الغرفة المخصصة، “تأخذ الأم ثوب الرجل الأبيض الذي نزلت عليه قطرات الدم لتغسله وتسلمه له وبالمقابل يمنحها الكريف مبلغاً من المال هدية لها”.

وما إن يتم الانتهاء من هذه الإجراءات “حتى تبدأ الاحتفالات بعزف الموسيقى ورقص الدبكات التراثية وقد تستمر الاحتفالات لدى البعض لثلاثة أيام، ويتم خلال تلك الأيام رفع علم من ثلاث أو أربع قطع قماش مختلفة الألوان فوق الدار” يقول شكر خضر.

ويضيف أن طقوس الكرافة لا تنتهي “إلا بعد أسبوع من الختان، حيث تتبادل العائلتان الزيارة مصطحبين معهم الهدايا تعبيراً عن الامتنان والتقدير لبعضهما البعض”.

وبحسب الباحث الأيزيدي العراقي، فإن أبناء الديانة الأيزيدية ينقسمون إلى ثلاث طبقات دينية هي الشيخ والبير والمريد. ويُحرم الزواج بين طبقاتها، ويُسمح باختيار الكريف بين طبقة وأخرى ويُفَضل أن لا يكون الكريف من الطبقة الدينية ذاتها. وهذا يعود إلى أن “الكريف يصبح أخاً للعائلة الأيزيدية ويُحرم عليه وعلى عائلته الزواج منها لسبعة أجيال كاملة لأنهم أخوة في الدم”.

نظام اجتماعي متين

تفرض فكرة الكرافة بحسب الباحث الاجتماعي محمد الحيالي على الكريف “أن يعامل كريفه من الديانة الأخرى معاملة الأخ الحقيقي وأحيانا تكون العلاقة أقوى احتراماً لهذه العادات والتقاليد المتوارثة”.

أما أهم ما يميزها فهي أنها “علاقة اختيارية وليست مفروضة على أي أحد مثل الأخوة بالولادة حيث يكون الإنسان حريصا جداً خلال اختيار الكريف الذي يمتلك مواصفات خاصة تؤهله ليكون جديراً بالثقة الكبيرة التي يتم منحها له”.

هذا النظام “تمكن لعقود طويلة من المحافظة على التماسك والاحترام داخل المجتمع. لذلك كان واحدة من أكثر الاشياء المؤلمة للأيزيدين أن بعض الكرفان ساهموا في اضطهاد أو انتهاكات ضد عائلة الكريف الأيزيدي لأنه كان يعرف ممتلكاته وعائلته حق المعرفة”.

وفي المقابل، وجدنا “قصصا للكثير من الكرفان اللذين كانوا على قدر المسؤولية وقاموا بحماية كرفانهم من الأيزيديين بعد ادعائهم أنهم من أقاربهم، وأحيانا وصل الأمر إلى ادعاء أمور وهمية مثل إقامة عرس لتهريب كرفانهم في ظل بطش هائل من داعش لكل من يتعاون أو يخبئ الأيزيديين”.

حين ألقى داعش بظلاله على التقاليد

عَقد جمال شنكالي وهو مسلم من أهالي سنجار كرافات متعددة مع الأيزيديين حيث ختن في حضنه 15 طفلاً لعوائل أيزيدية مختلفة.

يقول لـ”ارفع صوتك” إن “الكرافة تخلق حالة تعايش فريدة من نوعها بين أتباع الديانة الأيزيدية وبين باقي الأديان والمكونات في سنجار. فعندما تختن طفلاً في حضنك تصبح فرداً من أفراد العائلة وأي مشكلة تحصل لأي طرف فإن عليهما الوقوف بجانب بعضهما ويتشارك الجميع الأفراح والأحزان على حد سواء”.

ويشرح: “خلال اجتياح داعش لمناطق الأيزيديين وقتل واختطاف الآلاف منهم، حصلت ردة فعل أثرت سلباً على عادة الكرافة”، مستدركاً أن الأمر “عاد إلى طبيعته بعد عامين من ذلك التاريخ، والسبب في ذلك مواقف الكثير من الكرفان المسلمين تجاه الأيزيديين”.

فالكرافة كما يقول شنكالي “حمت الكثير من العوائل الأيزيدية. إحداها عائلة كريفي الذي توجهتُ لإنقاذه من محنته في ذلك اليوم المشؤوم الذي كنا نظن أن ما يحصل مؤقت وأن داعش لن يتمكن من احتلال المنطقة”، إلا أن ذلك “لم يحصل وبدأ الناس بالهروب فتوجهت إلى عائلة كريفي في سنجار بسيارتي”.

وفي منتصف الطريق إلى منزل الكريف “وجدت سيارتهم عاطلة، وطلب الرجال مني إنقاذ النساء أولا والوصول بهن إلى بر الأمان عند جبل سنجار، ثم عدت لإنقاذ الرجال فحملتهم في السيارة وأوصلتهم إلى الجبل وقررت العودة إلى منزلي لإخراج عائلتي من المدينة”. لكن ما حصل بعدها “أن كريفي رفض تركي أعود إلى المدينة لوحدي وقال إما أن نموت معاً أو ننجو معا”.

يقول جمال إنه تمكن من إنقاذ عدد من الأيزيديين في ذلك اليوم. ويوضح لـ”ارفع صوتك” :”هناك الكثير من القصص المشابهة ظهرت بعد التخلص من داعش، منها قصة الشيخ أحمد الجربوع مختار قرية القابوسية المسلم الذي أنقذ خالد مراد شقيق نادية مراد الناجية الأيزيدية التي حصلت على جائزة نوبل للسلام بعد أن أخفاه بين نساء بيته”.

التقدم التكنولوجي مقابل الموروث الاجتماعي

يشير الباحث شكر خضر مراد إلى أن هناك تراجعاً ملحوظاً في إدامة الموروث الاجتماعي من قبل الشباب الأيزيديين.

و يُرجع السبب في ذلك إلى “تراجع رغبة الشباب في الالتزام بهذا الموروث الاجتماعي الذي كان قبل عدة قرون معمولا به بكثرة، بسبب التقدم التكنولوجي والانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي والهجرة إلى الدول الأوربية والغربية”.

كل هذه الأمور، يقول، “إذا أضفنا لها العامل السياسي وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي وتزايد مستوى الفقر والرغبة بتقليل تكاليف الاحتفال والهدايا التي يتعين على الشخص تحملها، سنرى أن الجيل الجديد لا يهتم كثيراً بهذه التقاليد”.

ويفضل الشباب اليوم “الختان السري دون احتفال أو كريف عن طريق الذهاب إلى المستوصف أو المستشفى لإجراء عملية الختان بعد أن كانت العملية تجرى في البيوت باحتفالات كبيرة وعلى يد ممرضين شعبيين”.

ميادة داود

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular