“القتل داخل العائلة أصبح مرعبا”، هذا ما قاله أحد جيران عائلة شهدت قتل أبيها، الذي راح ضحيَّة إطلاقة نارية استقرت في رأسه، ببغداد، بعد أن أطلقها ابنه صوبه وأردى والده قتيلا.
الجريمة تلك حدثت بسبب “خلاف عائلي، تطور من الكلام إلى التهوَّر باستخدام السلاح”، وفق ما يقول رعد حسين (30 عاما)، مشيراً إلى أن “العائلة وضعها مستقر، ولم تشكُ منها المنطقة سابقاً، ليترك ما حصل، فاجعة هزت من سمع بها”.
حسين، يكمل حديثه لـ “العالم الجديد”: “عند الاستقصاء عن الحادثة، اكتشفنا أن الأب دخل في خلاف مع ابنه، بسبب قضية عائلية، ثم بعد ذلك، راح الأب يشتم ابنه ونهض عليه ليضربه، وبعد ذلك، ارتكب الابن الجريمة، وسحب سلاحاً كان قريباً منه، وأطلق رصاصته تجاه رأس والده”.
هذه الجرائم كثرت مؤخراً، وأرّقت من يستمع إليها، فإنها تحدث إما بسبب مشاكل على الإرث وتوزيعه، أو خلافات عائلية، أو تلك التي تحدث بفعل تأثير المخدرات، حين يقتل الفرد أسرته، والمخدرات تعميه عمّا فعل، بحسب ما يروي حمزة صلاح (28 عاما)، جريمة حدثت في منطقتهم بوقت سابق.
يقول صلاح لـ “العالم الجديد”، إن “شخصاً يعمل في البناء، وخرج إلى عمله في الخامسة صباحاً، وعاد إلى بيته بعد الظهر، ليتفاجأ بذبح والدته وزوجته وأبنائه الثلاثة، وبقيَ مصدوماً، حتى تذكّر فعلته، التي حصلت تحت تأثير المخدرات”.
ويكمل: “هذه الجريمة حصلت في حي الضباط بمنطقة البلديات شرقي بغداد، وعلى إثرها اعتُقل الجاني، وروى للأجهزة الأمنية ما حصل، وكيف ثبّت (المطرقة) برأس والدته، وكيف ذبح زوجته وأبناءه بواسطة (الطبر)”.
يشار إلى أن الأسبوع الماضي، شهد العديد من الجرائم المروعة، تمثلت بنحر رجل لزوجتهفي محافظة ديالى، فضلا عن قتل رجل آخر لزوجته وهو مخمور في محافظة بابل، ومن ثم أضرم النار بجسدها، وهذا إلى جانب إقدام زوجة على قتل “ضرتها” زوجة زوجها الثانية (سورية الجنسية) عبر طعنها ومن ثم إحراق الشقة في بغداد.
الخبيرة في الجرائم الجنائية، بشرى العبيدي، ترى أن “الأسباب التي رفعت نسبة الجرائم العائلية، هي غياب الرادع، المتمثل بالقانون، لأنه لا يوجد لدينا قانون رادع يحمل عقوبات شديدة لا تقبل مطلقاً التنازل أو الإفلات منها، وغياب هذه النصوص يشجع على هذه الجرائم”.
وتقول العبيدي لـ”العالم الجديد”، إن “قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، لا قيمة لنصوصه المتعلقة بالجرائم العائلية، لأنها مبنية على الشكوى الشخصية، والعقوبات الموجودة في هذا القانون تافهة، وهي تسمح بالإفلات من العقاب”.
وتضيف، أن “هناك مشكلة أخرى تواجهنا، وهي العشائر، حيث يتحرك أطراف منها، سعياً للصلح بينهما، إذا كان العنف مثلاً بين الزوج وزوجته، ويتدخلون من أجل منع تحريك أي شكوى، ولا يكون هناك أي رادع، الأمر الذي يكرر الجريمة”.
وتوضح، أن “السياسة الجنائية، هي الردع والإصلاح، الردع يكون بجزئين، العام والخاص، الأول يتمثل بعقوبة شديدة، التي ستجعل البقية يخافون من أن يرتكبوا مثل هذه الجريمة، أما الثاني فهو الجاني نفسه، فعندما يعاقب على جرم مخالف للقانون، لا يمكن أن يكرر فعله مرة أخرى”.
وتبيَّن، أنَّ “الإصلاح، يفترض أن يكون بالمؤسسات الإصلاحية التي تعيد تأهيله إلى مواطن صالح بالمجتمع، ولا يمكن أن يعيد جرائمه.. مؤسساتنا الإصلاحية ضعيفة جدا في التأهيل والإصلاح بسبب غياب البرامج الحقيقية المبنية على أسس علمية حديثة”، مؤكدةً أن “القانون الرادع هو الذي سينهي العنف الجرائمي العائلي، فلا يمكن أن يتحقق العلاج من دون الردع القوي، إضافةً إلى التوعية التي لا تحقق أي نتيجة إيجابية لوحدها”.
وما زال المجتمع يعاني من فقدان ثقافة التوجه للقضاء أو مراكز الشرطة، وخاصة بقضايا العنف الأسري أو العنف الذي تتعرض له النساء، فضلا عن التحرش الجنسي، فهناك تخوف كبير من أن تسوف القضية أو التخوف من “الفضيحة”، وهذا إلى جانب عدم وجود ثقة بالأجهزة الرسمية وخاصة الأمنية، ودائما ما يتردد الأهالي من تقديم شكوى ضد فرد من العائلة.
وزارة الداخلية، وعبر المتحدث باسمها، اللواء خالد المحنا، تؤكد أن “جرائم العنف العائلي، ارتفعت في الوقت الأخير داخل المجتمع العراقي، والسبب يتعلق جزء منه، بالحالة الاقتصادية وتردي سوق العمل والبطالة”.
ويقول المحنا لـ “العالم الجديد”، إن “جزءا من القتل والعنف العائلي، يعود إلى الخيانات الزوجية، وكذلك الابتزاز”، مشيراً إلى أن “الداخلية مهتمة بهذا الموضوع، لأن اتساعه يهدد نسيج المجتمع، لذلك نشرت مديرية حماية الأسرة والطفل في مناطق البلد، لتتولى قضية الدفاع عن التصدي لجرائم العنف الأسري”.
وكانت وزارة الداخلية، أعلنت سابقا، أن العام 2022 شهد 10 آلاف و143 حالة عنف أسري في العراق.
الباحث النفسي أحمد الذهبي يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجرائم العائلية، ظاهرة خطيرة، وينفذها وحوش على هيئة بشر، ولا نكاد أن نصحو في يوم إلا ونسمع هذه الجرائم الأسرية التي تهدد بنية المجتمع وتماسكه، من دون الالتفات الى القيم والأخلاق”.
ويرى الذهبي، أن “اسبابها، التفكك الأسري، وأسلوب الحياة، والمطلوب منا اليوم، حالة نفير حقيقية، لإنقاذ ما تبقى، وإعادة بناء المجتمع على أساس سليم”.
ويكمل: “الجرائم التي تحدث تعود إلى الخواء الروحي، ونحن اعتدنا على عادات أصيلة واستبدلناها بمفاهيم لا تمت لثقافتنا بأي صلة، خلو المناهج التربوية من التحذير من هذه الأمور، له سبب بعدم الوعي”.
ويشير إلى أن “إحصائيات الجرائم العائلية كبيرة جداً، ولم نحصل على إحصائية دقيقة”، مضيفاً: “نلاحظ قتل اكثر من 150 فتاة سنوياً، بحجة ما يسمى بغسل العار”.
ويؤكد أن “المجتمع بحاجة الى مصحة نفسية، ويجب أن يكون في كل زقاق هناك مختص وباحث نفسي، وهو مقترح أقدمه الى وزارة الداخلية، ليتواصل أصحاب المحلة مع هذا المختص من أجل حل مشكلاتهم، وهو ما سيتحقق، ويحد من المشكلات التي تصل إلى جريمة القتل، وتحول المجتمع إلى مهدد بالقتل”.
ويستذكر الذهبي قائلاً: “في السنوات الستينيات والسبعينيات لم نجد مثل هذه المشاكل، التي تهدد النسيج الاجتماعي، وتُحوَّل العيش إلى غابة ضمن نطاق وحشي، حين يمارس الوحش جريمته، تحت تأثيرات عدة، منها المخدرات، وما يعانيه القاتل”.
وبين فترة وأخرى، يثار الجدل حول بعض مواد قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، ومن المؤاخذات على القانون، هو الأحكام المخففة لـ”جرائم الشرف” التي تصل عقوبتها بالحبس لأشهر عدة، ووفقا للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإنها أكدت سابقا أن الأحكام التشريعية في القانون الجنائي العراقي، تنص على عقوبات مخففة لما يسمى بـ”جرائم الشرف”، معتبرة أن تلك الأحكام ما تزال تمييزية ضد المرأة العراقية في الوقت الحالي، ويجب على العراق مراجعة تشريعاته المحلية لإلغاء أو تعديل الأحكام التي تسمح بالعنف ضد المرأة.
زينب الحسن، محامية وأستاذة السلوك الجنائي في الجامعة الأميركية، تقول إن “الجرائم العائلية تكثر في المناطق التي تقع ضمن النطاق العشائري والديني المتعصب، وتلك التي تعاني من الكبت، ولا تستخدم النقاش”.
وترى الحسن خلال حديثها لـ “العالم الجديد”، أن هناك “جرائم تحصل بسبب خيانة زوجية، والعامل الاقتصادي والفقر، وكذلك تعاطي المخدرات، لأن متعاطيها هم الأكثر إقدامًا على القتل”.
وتضيف، أن “الإعلام له دور أساسي ومن واجبه أن ينشر التوعية والثقافة بين المجتمعات، والدعوة إلى أساليب حوار منفتحة، والوصول إلى حل للمشكلات”، مشددة على ضرورة أن “تكون هناك دورات تثقيفية للمناطق التي تشكو من انخفاض المستوى التعليمي”
وتوضح، أن “تطبيق القانون بالمناطق العشائرية، يكون ضعيفاً، ويجب أن يكون هناك قوانين رادعة لهذه الجرائم”.
وكانت “العالم الجديد”، كشفت عن نسب تعاطي المخدرات بين الشباب “ذكورا وإناثا” في العديد من المحافظات وآخرها كركوك، حيث بلغت نسبة التعاطي فيها 5 بالمائة، فيما كشفت أيضا الصحيفة عن طريق وصول المخدرات إلى كركوك، ومن ثم طريقها نحو بغداد.
وضمن ملف المخدرات الذي أعدته “العالم الجديد” وشمل محافظات عديدة، فان نسبة تعاطي المخدرات في محافظة كربلاء، ذات الطابع الديني، تراوحت بين الشباب بين 3– 5 بالمئة خُمسهم نساء، وسط تعكز كبير على مركز واحد لمعالجة الإدمان من المؤمل أن يفتتح قريبا داخل “المستشفى التركي“.
فيما كشف الملف، عن تفاصيل وأرقام صادمة بتعاطي المخدرات في واسط وذي قار والأنبار، حيث بلغت نسبة التعاطي بين شباب ذي قار 20 بالمئة، بينهم 5 بالمائة إناث، فيما استفحل التعاطي بين الاناث والذكور أيضا في واسط، وبنسبة مرتفعة بحسب المختصين، دون تحديد الأرقام لافتقار المحافظة إلى مراكز مختصة، وفي الأنبار بلغت 10– 15 بالمئة، بحسب مسؤولين فيها.