رغم كل المعاناة القاسية والمريرة على مدى عقود عجاف، ورغم الحروب والغزو والموت للبشر والنخيل، لم تصل معاناة أهل البصرة، كما هي عليه منذ 15 عاماً بالتمام والكمال. منذ أن تسلّم الإسلاميون السياسيون الطائفيون الفاسدون سدَّة الحكم في بلاد الرافدين. فأهل البصرة، ومعهم الغالبية العظمى من شعب العراق، يعانون من ظلم واضطهاد وحرمان من خدمات وبطالة مجحفة وعيش رث وإساءات مستمرة، منذ أن نصَّبَ المحتلون الأمريكيون والبريطانيون القوى والأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية على رأس السلطة في العراق وفرضوا نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيتة على نظام الدولة السياسي والاجتماعي، وداسوا بأقدامهم الدنسة على مبدأ وهوية المواطنة العراقية، ودعوا في الوقت ذاته للهويات الفرعية القاتلة لتتقاتل، ومارسوا في الوقت ذاته وبإصرار وعناد جامحين سياسات التمييز العنصري الأهوج ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى وضد القوميات الأخرى، وجلبوا معهم، ومنذ اليوم الأول الفساد والإرهاب للبلاد، ثم الموت والخراب والحرمان للغالبية العظمى من بنات وأبناء العراق. ولم يكن ما حصل في الموصل وعموم نينوى وقبل ذلك في الأنبار وصلاح الدين سوى النتيجة المنطقية لسياساتهم في وأد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي العراقي والخضوع لإرادة الأجنبي.
البصرة، ميناء العراق الوحيد وعاصمته الاقتصادية وأرضها الغنية بالثروات ولاسيما النفط والغاز وثغره صوب العالم الفسيح، تعاني من البؤس والرثاثة والخراب، تعاني من البطالة والحرمان، وأهلها الطيبون يعانون من محاولات جادة ومتواصلة لإذلالهم بتكريس هيمنة الحرس الثوري الإيراني بملابس شبه عسكرية عراقية رثة وأسماء عراقية، لتعتقل وتعذب وتسجن بسجون سرية أو تنقل المنتفضين إلى إيران ليجدوا مقبرة مفتوحة لهم في إحدى زوايا إيران. إنها المحنة الكبيرة التي يعاني منها أهل البصرة، ومعهم أغلب أبناء وبنات وادي الرافدين. عرفت البصرة بإضراباتها العمالية وانتفاضاتها الشعبية منذ الخمسينيات من القرن العشرين ولقنت الحكام بصمودها ورفضها القهر والاضطهاد والاستغلال دروساً في النضال المجيد المعمد بالدم والدموع. ولم يسكت أهل البصرة على السياسات الاستبدادية للنظام البعثي المشين والعنصري وانتفضوا بوجه قوات النظام وسعوا لإسقاطه لولا غدر القوات الأمريكية الغازية في ربيع عام 1991 ومساومتها القذرة مع نظام البعث حينذاك وفي أعقاب هروب القوات العراقية من جحيم أحدث الأسلحة التدميرية ورصاصهم المشبع باليورانيوم المنضب.
ولم يسكت أهل البصرة، منذ أن استولت الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية على السلطة في البلاد في العام 2003/2004 حتى الوقت الحاضر، عن إعلان رفضهم للحكم الطائفي السياسي والفساد ونقص الخدمات والإرهاب والتدخل الخارجي في شؤون البلاد ومارسوا شتى أنواع النضالات المهنية والمعيشية والاجتماعية، ومن ثم السياسية اليومية، ليكسروا حاجز الخوف من إرهاب السلطة السياسة واستخدامها القوات المسلحة مرة، والحشد الشعبي مرة أخرى، والميليشيات الطائفية المسلحة مرة ثالثة، وكلها دفعة واحدة في مواجهة إضرابات ومظاهرات أهل البصرة. لقد سقطت حتى الآن كوكبة من الشهداء الأبرار واعتقل والكثير من المتظاهرين وعذبوا بوحشية، كما اختطف البعض الآخر واغتيل آخرون من المدنيين الديمقراطيين من النساء والرجال أثناء الانتفاضة الشعبية. وها هم أهل البصرة يتظاهرون مرة أخرى بسبب عدم استجابة الحكم بمطالبهم العادلة والمشروعة، ومرة أخرى تبدأ القوات الأمنية والمليشيات المسلحة بمختلف مسمياتها بضرب المتظاهرين وقتل بعضهم واعتقال أو اختطاف البعض الآخر، مما ألزم تنسيقية التيار الديمقراطي في البصرة إلى إصدار التصريح التالي بشأن أوضاع البصرة:
“اقدمت القوات الامنية في البصرة على تفريق المتظاهرين بأسلوب عنفي قاتل و ذلك باستخدام الرصاص الحي مما ادى الى استشهاد عدد منهم و جرح آخرين و الذي طالما استنكرناه و حذرنا منه و الذي سينفتح على تطورات تنذر بمخاطر تهدد امن و استقرار المحافظة و النسيج الاجتماعي و الممتلكات العامة و الخاصة …
– نطالب الحكومتين المحلية و الاتحادية بالتحرك المسؤول و الفوري لإيقاف هذا الاعتداء الغاشم على المتظاهرين و نحملهما مسؤولية ذلك.
– نطالب قيادة عمليات البصرة و الاجهزة الامنية كافة القيام بواجباتها الدستورية و القانونية بحماية المتظاهرين و توفير الاجواء الآمنة للمتظاهرين للتعبير عن آرائهم و مطالبهم بحرية تامة .
– نطالب بتوفير الخدمات كافة و الاستجابة الفعلية لمطالب المتظاهرين المشروعة دون مماطلة او تسويف.
المجد لشهداء الحركة الاحتجاجية و الشفاء للجرحى
تنسيقية البصرة للتيار الديمقراطي
البصرة تغلي اليوم لأن الحكام المحليين والاتحاديين لا يريدون الاستجابة لمطالب الشعب العادلة والمشروعة، فهم صم بكم عمي لا يفقهون. هذا الغليان المستمر بالبصرة لا يمكن أن يبقى بالبصرة وحدها، فما يعاني من أهل البصرة يعاني منه أيضاً أهل بابل والنجف وكربلاء والديوانية والعمارة والناصرية وبغداد، والموصل والأنبار وصلاح الدين وسامراء والمدن الكردستانية، وبالتالي سيفجر المنتفضون قريباً الأرض تحت أقدام الطائفيين الفاسدين الذين يرفضون فهم ما يطالب به أهل العراق، فهم عن شعبهم ساهون وفي غيهم سادرون مستهترون..
وفي هذا الفترة التي تستوجب لحمة العراقيات والعراقيين بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وقوميتهم، يطلع علينا أحد الشيوخ المسلمين الشيعة في البصرة ليعلن من على منبر المسجد المركزي موقفه البائس والمعادي لاحتفال أهل البصرة وجنوب العراق عموما من مسلمين ومسيحيين بأعياد ميلاد السيد المسيح، نبي المسيحيين، ويدعو بذلك غل ى الكراهية والبغضاء ويتبع بذلك أيضاً ما صرح به مفتي السنة في الجمهورية الشيخ مهدي الصميدعي بدعوة المسلمين عدم المشاركة في احتفالات المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح. إنها دعوات لا تختلف عن سلوك داعش وتوجهاته التكفيرية العدوانية المناهضة للوحدة الوطنية والتضامن بين أتباع جميع الديانات والمذاهب في العراق. إنها فتوى ظالمة ودعوة معادية للوحدة الوطنية يجب رفضهما ورص الصفوف في مواجهة الطائفية والفساد والإرهاب في العراق، في مواجهة الحكم الطائفي المحاصصي ومن أجل الإصلاح والتغيير والاستجابة الحقيقية لمطالب