حملت لنا الانباء مع اعياد الميلاد و بدء العام الجديد عدداً من الأخبار الأليمة كان في مقدمتها خبر وفاة المناضل الصلب المعروف ” ابو ناصر ” طه صفوك العلكاوي، الذي كان خسارة كبيرة للقوى الديمقراطية و اليسارية . .
منذ اواخر الستينات و حين كنّا طلاّباً و نشطاء في “اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية” ، كان المكان شبه الوحيد لعقد الموسعات و السفرات الطلابية هو بستان عائلة ابو ناصر في ” جديدة الشط ” العائدة لمحافظة ديالى، حين كان الشاب ابو ناصر الكادر الطلابي و العضو النشيط في سكرتارية الاتحاد آنذاك و التي ضمّت المناضلين : محمد النهر، هناء ادور، يحيى علوان، حميد برتو و آخرين . . و كان لولب عائلته الثورية و اخوانه حين كان مستعداً على الدوام لتوفير المكان و بحماية عائلته، في وقت تكّلف فيه بمهام سرية متنوعة لنشاط الحزب الشيوعي العراقي في مواجهة السلطات الدكتاتورية.
و رغم اننا التقينا صدفة حين اضطررت للاختفاء في كردستان في قرية برسرين بتوجيه حزبي اثر الضربة القاسية للمنظمات اليسارية و خاصة الحزب الشيوعي عام 1971 . . التقينا صدفة اثناء قيامي بتلقيح الانصار ضد الكوليرا حين كان كادراً سرياً ملتحقاً بالانصار و كان مسؤولاً سياسياً لإحدى الفصائل الانصارية الشجاعة في برزيوة ـ واركون عند سفوح جبل هندرين . .
و بعد مرور سنوات سمعت الكثير عنه و عن مناقبه في التضحية و التحدي في العمل السري في بغداد و في محافظات المنطقة الوسطى ( ديالى، الانبار، صلاح الدين، واسط . . ) حتى صار مسؤول محلية ديالى للحزب في اواخر السبعينات في وقت كانت فيه حملات القمع تتصاعد، فيما استمرت فيه روح الشهامة و الكرم و روح النكته و الفكاهة في احاديثه و التي لم تفارقه . .
لتتواصل و تتطور الاحاديث عن نشاطه في لبنان في صفوف المقاومة الفلسطينية و اللبنانية اثر الهجمة الوحشية لدكتاتورية صدام على الحزب الشيوعي و القوى و الشخصيات الديمقراطية و اليسارية و تسببت باستشهاد و ضياع اخبار و تشريد عشرات الالاف من المناضلين و المناضلات و من الشباب الواعد، و في زمان الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
التقيته فعلاً للمرة الاولى في القاعدة المنظّمة الاولى لأنصار الحزب الشيوعي في نوزنك عام 1980 مع مجموعة من الشباب المتحمسين للنشاط في صفوف الانصار قادمين من لبنان منهم الشهيد لاحقاً النصير البطل ” ابو فيروز ” معاون آمر سرية رواندوز، و كان ابو ناصر مسؤولهم، و شكّل مجيئه مع المجموعة الشابة الاولى من الخارج دعماً معنوياً عالياً للانصار هناك و شعروا للمرة اولى بأنهم برعاية الحزب و ان الحزب لم ينساهم.
ليكون مسؤول احد الفصائل السبعة هناك، الفصيل الذي كان عامراً بانواع النشاطات و التدريبات ثم العمليات الانصارية، و تدرج بالمهام حتى صار المسؤول السياسي لفوج مقر القيادة في نوكان وبدأ بنسج شبكة التنظيمات السرية في مناطق محافظة ديالى و انتقل لقيادتها الى مقر قاطع بهدنان ثم الى عضوية قاطع السليمانية .
كان ابو ناصر من الكوادر المتأنية و رغم انواع المخاطرات الاّ انه لم يكن مغامراً و كان يجهد في الحفاظ على وحدة الرفاق و الانصار و الحفاظ على ارواحهم، في وقت كان يبدي استعداده الدائم لمساعدة و خدمة المحتاجين منهم . . منه تعلّمت الطبخ في خفارات الخدمة الرفاقية و تعلّمت منه غسل الملابس سواء بوجود صابون او بدونه، اضافة الى النكات مع الفقيد ابوعادل الشايب التي كانت تصعّد المعنويات في تلك الحياة القاسية ولاتزال في الذهن نكات ” قطقوطي ” الاسم الذي اطلق على جرو صغير حينها، و ” اخ اخ اخ انشلع كلبي ” التي كان يرددها رفيق غرفته تعبيراً عن معاناته و غيرها (يتبع)
28 / 12 / 2018 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الشهيد جمال عاكف حمودي ابن العائلة الثورية المناضلة المعروفة .