الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتمحطات في النضال الوطني في الرواية القصيرة جداً ( القداحة الحمراء )...

محطات في النضال الوطني في الرواية القصيرة جداً ( القداحة الحمراء ) للأديب  حميد الحريزي : جمعة عبدالله

 
  أن ساحة الابداع في الفن الروائي الحديث واسعة جداً , في آفاق التحديث في الفن الروائي مهما كان حجم الرواية طويلة أم  قصيرة , فأن  الباب مفتوحاً لبراعة الأديب  في قدرته في  التحديث واختيار الصيغة واسلوبية الطرح الحدث السردي , بما ينسجم مع ضرورات العصر , الذي يهتم بالسرعة والمباشرة في تناول ,  دون إطناب زائد  في منصات الحبكة الروائية . ولا ينكر احداً بأنه في السنوات الاخيرة ,  جرت محاولات تجريبية تكللت بصيغة حديثة  بالابداع في شكل الصياغة الفنية  , ومقومات البناء الروائي في المتن السردي  في الرواية القصيرة , لهذا شهدنا جنس جديد أو الوليد الجديد والحديث في الجنس السردي  , هو الرواية القصيرة جداً , هذا يدلل أن  آفاق الابتكار والخلق , هي علمية جارية لم تتوقف  في تهذيب الشكل الفني أو الصيغة الفنية , التي  تعتمد على الاختزال والتكثيف والتركيز الشديد في منصات سرد  الحدث الروائي , لذلك خرج هذا  الجنس الجديد والحديث غير مألوف في الاوساط الثقافية والادبية , هو ما يسمى الرواية القصيرة جداً ( Very Short  Novel ) والذي اشتغل عليه الاستاذ ( حميد الحريزي ) في مجهره الابداعي , بما يملك من  كفاءة وخبرة طويلة في منصات السردي الروائي , ان يهتم بهذا الجنس الروائي الوليد  , في الابتكار المبدع , بدون شك ان للاديب الحق في اختيار الصياغة في الشكل والمضمون بما يملي ذوقه الادبي , وبما يختار من حدث سردي ساخن في رؤيته الفكرية العميقة الدالة ان تصل الى القارئ مباشرة ,  دون الاسهال في الاطناب الزائد  , ان يبسطه بجمالية الصياغة الحديثة  , في اعطى زخم مضاعف في المدلولات التعبيرية والفكرية الملتهبة, التي تحمل معنى ومغزى ورمزية عميقة , في الوصف والتصوير المركز والشديد  , وفي هذا المجال أصدر لحد الآن أربع روايات تحت مسمى  , الرواية القصيرة جداً وهي :
  1 – المقايضة
2 – القداحة الحمراء
 3 – أرض الزعفران
 4 – المجهول .
 يؤطر هذا الجنس الأدبي الجديد , بما يحمله من   مقومات جمالية في اللغة الرشيقة , التي تجذب القارئ والمتابع الى الاهتمام والقراءة , وتأثير النفسي  في المنطلقات الفكرية المعبرة  , لأنها  تعبر عن معطيات الواقع ومفرداته الفعلية  , في مدلولات المعنى والمغزى والرمز , في الاتجاه الواقعية الحديثة . وهذه الرواية القصيرة جداً ( القداحة الحمراء ) , مشبعة في جمالية الشكل الفني والمضمون الفكري , وهي تتحدث عن حقبة سياسية في زمن سلطة البعث , ونهجه وسلوكه الارهابي بالقمع والاضطهاد , في الارهاب السياسي والفكري لقوى اليسار العراقي , رغم أنه مرتبطاً معهم في جبهة وطنية آنذاك  , لكنه اتخذها كغطاء لتصفية اليساري العراقي , وإخراجه من المعادلة السياسية ,   وتشديد  قبضته الحديدية على عموم الشعب عامة  , عرباً وكرداً وأقليات , أي أنه لا يترك أية بذرة للتعبير  السياسي وحرية الرأي , ويتوغل الحدث السردي بظواهر الواقع السياسي والاجتماعي في تلك الحقبة المشؤومة , في تهديد كل مواطن بالعواقب الوخيمة , إذا  رفض الدخول في اسطبل البعث , هكذا كانت السلطة الشمولية تدير دفة الصراع السياسي في ادارة الدولة  , والواقع يغوص في الإهمال والحرمان والمظلومية ,  وخاصة سكنة الاهوار , يعيشون حالة البؤس والفقر , ولكن رغم اسلوب التنكيل والبطش , فأن الصراع السياسي لم يتوقف , بل أخذ أشكال متنوعة من النضال ولم  يستسلم لارادة السلطة الشمولية  ( نعم يا ( عاصف ) هذا طريق النضال , فهو ليس معبد بالورود هذه طبيعة الصراع الطبقي )  . ويتحدث الحدث السردي الى تلك الاساليب الارهابية  , من خلال شخصيتين تدير  دفة الأحداث السردية  وهما:   (عاصف ) الموظف الصحي  والمبعد السياسي  الذي رفض الدخول في اسطبل البعث ,   و( كاكه حسن ) المهجر من مدينته ( زاخو ) في أقصى الشمال ,  يبعد الى اقصى الجنوب في محافظة ذي قار ( الناصرية ) في ( ناحية الفهود ) ويعين كناس في البلدية . بعد انهيار الثورة الكردية عام 1975  عقب اتفاقية الجزائر الموقعة بين صدام وشاه ايران , ارتبطا بعلاقة صداقة حميمة كأنهما احدهما يكمل الآخر , أو مثل ما يقول المثل : الغريب للغريب نسيب , ولكن في الرواية يكون المنطق الأصح : المنفي للمنفي  رفيق .
هذا الارتباط الحميم بين عاصف و كاكه حسن في تجوالهما اليومية وفي الاهوار أو في الناحية  , أو من خلال تواجدهم في المقهى والمطعم الوحيدان في ( ناحية الفهود )   , يثيران  استغراب الناس وازلام البعث بالريبة  والتساؤل والاستغراب , فعاصف موظف ( معتبر ) و ( كاكه حسن ) كناس في البلدية بائس , فما الذي يجمعهم ؟! .
       ×× أحداث السرد :
  الحدث السردي يمتلك واقعية فعلية , فهو من صلب تلك الحقبة السياسية المشؤومة . من هذا المنطلق فأن الشخصيتين ( عاصف ) و ( كاكه حسن ) يجمعهما قاسم مشترك واحد  الابعاد والتهجير , ونفس التربية والثقافة الثورية اليسارية , ونفس الروح  النضالية التي  تقاوم تداعيات الواقع  القاهرة ,  في المعاناة والاضطهاد , الأول رفض الدخول في اسطبل البعث فكانت عاقبته الابعاد , والثاني ضمن سياسة التهجير التي مارستها سلطة البعث , في تهجير الأكراد من مناطق سكناهم من اقصى  الشمال الى اقصى  الجنوب , كعقاب جماعي بعد انهيار ثورتهم , وممارسة تشتيت العوائل حتى تفتيت  العائلة الواحدة , كل واحد منهم في مناطق مختلفة بعيدة عن الآخر , ويستغرب (عاصف) من العناق الحار والشوق المرهف حينما يلتقي الاكراد  احدهما بالآخر . كأنه وجد روحه ورئته في الاخر , ويوضح ( كاكه حسن ) عن هذا الحب الذي يجمع الكرد المهجرين والمشردين من مناطقهم ,  كأنهم عائلة واحدة  ( كاكه هؤلاء الكرد من عائلة واحدة, فرقتهم الاحداث ولا يعلم أحدهم  بمصير الآخر , عندما سفرتهم السلطة ووزعتهم على المناطق الجنوبية , ووضعهم في صرائف من القصب والبردي أعدت لهذا الغرض )  وكان نصيب ( كاكه حسن ) التهجير من اقصى الشمال ( زاخو ) الى اقصى الجنوب في محافظة ذي قار ( الناصرية ) في ( ناحية الفهود ) ويعين كناس في شارع البلدية , تقبل الأمر  برحابة صدر , وكان يتفانى في تنظيف شارع البلدية حتى يستمر بالتنظيف ما  بعد الدوام , وكان يصحب مكناسته على الدوام , وكان معجباً في بيئة الاهوار,  وخلال تجواله في بيئة  الاهوار بصحبة ( عاصف ) ويرى وجود الأضرحة والمقامات الدينية الكثيرة  والمنتشرة , ويراقب حركة الطيور فوق الماء الاهوار, وصيد الصيادين وهم يعودون في الغروب وهم يحملون رزقهم اليومي من الصيد . وينبهر في هالة  الغروب حين يطل قرص الشمس على الاهوار ( يغط الصديقان في صمت طويل كالمسحورين , وهما يراقبان مغيب الشمس عند الغروب , ويبدأ باقتراب  قرص الشمس من سطح الماء رويدا رويدا ) هذا المنظر الخلاب جعل ( كاكه حسن ) يعشق بيئة الاهوار, التي تملك ارث ثوري , هو انتفاضة الاهوار بقيادة الثائر ( خالد احمد زكي ) . رغم أن ( كاكه حسن ) لا يعرف القراءة والكتابة , لكنه يحمل عقلية منفتحة على الثقافة والوعي الثوري , يملك الحس الذي في تمييز الأشياء ببصيرة ذكية , كأنه مترس بالوعي والخبرة والذكاء  , فكان يسرد الحكايات والاساطير , منها حكاية كاوه الحداد الذي هشم رأس الملك الضحاك , وحكاية جلجامش وبحثه عن عشبة الخلود التي سرقتها الافعى منه  , ويذكر بكل احترام وتبجيل العادات والتقاليد الثورية التي يحملها  الشعب الكردي , ويهتم في شكل خاص بالتحضير  بالفرح الغامر في عيد نوروز ,  يلبس الملابس الكردية  الجديدة  , ويشعل النار في قداحته  الحمراء , الغريبة الشكل والنوعية ويرقص حول النار مبتهجاً بقدوم  العيد . و(عاصف ) يشعر أنه امام مثقف كبير مشبعاً بالثقافة الثورية , وليس في حالة كناس بائس , أو كأنه ( الفيلسوف الكبير المسحور في لباس كناس بائس ) , لذلك تراوده المقارنة الثورية بين شخصية الثائر ( خالد احمد زكي ) جيفارا الاهور , وبين ( كاكه حسن ) كاوه الاهوار , هذه المفارقة لها طعم في التذكير بأن أرواح الثوريين تتناسل  و تتشكل في اشكال مختلفة , ولكن هدفهم واحد هو التحرر والحرية من سلطة الاستبداد والطغيان  . وفي يوم ممطر فقد ( عاصف ) صديقه الحميم , وفتش عنه في كل مكان فلم يجد له أثر , راوده القلق على حياة ومصير رفيقه  ( كاكه حسن ) ربما تعرض الى اختطاف أو قتل من قبل  ازلام البعث , و بدأت تساوره الكوابيس القلقة على حياته , عندما تطول الأيام الغياب  ولم يعثر على صديقه , لا في ( ناحية الفهود )  ولا في المقهى والمطعم الوحدين في الناحية ولا في الاهوار , , ولكنه عرف بعد ذلك من الصيادين , حيث وجدوا ( البلم ) والمكناسة  المرتبطة بسلسلة ( البلم ) وقداحته الحمراء الغريبة , احتفظ بها لصون الأمانة الثورية , ولم يجدوا ( كاكه حسن ) وضاعت اخباره, ولم يسلم جثته الى احد افراد عائلته , وهذا ما يثير الحزن والقهر في نفس ( عاصف ) فقد اعز صديق ورفيق , بهذه النهاية المأساوية .

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular