قد يمرّ العديد من الأزواج بفترة حنين إلى حياة العزوبيّة، أي إلى تلك الحرية المطلقة، حيث لا ارتباطات ولا التزامات عاطفيّة ولا واجبات أو مسؤوليّات، فيما ضغوط الحياة أقلّ بكثير، ولا شيء يبدو مستحيلاً: وقتنا لنا، نخرج متى نشاء ونعود متى نريد، نسهر، نرقص، نغازل من نشاء، نخوض تجارب جديدة ونعتني بأنفسنا.
كم أتمنى لو أعود عزبةً
“أحتاج إلى بعض الوقت مع نفسي”؛ هذا ما قالته ديما، البالغة من العمر 35 عاماً، في حديثها إلى موقع رصيف22، وتشرح: “أحياناً أنظر إلى نفسي في المرآة، فأرى أنني كبرت وتغيّرت، ولم أعد تلك الفتاة المشاغبة التي تعشق الحياة والسهر وتجربة أماكن جديدة ومطابخ فريدة”.
وأكلمت الشابة المتزوجة منذ 5 سنوات: “فقدت الشغف بالحياة، وأصبحت مثقلةً بالهموم، وفقدت سحري وجاذبيتي ولم أعد أعرف من أنا”.
قد يمرّ العديد من الأزواج بفترة حنين إلى حياة العزوبيّة، أي إلى تلك الحرية المطلقة، حيث لا ارتباطات ولا التزامات عاطفيّة ولا واجبات أو مسؤوليّات، فيما ضغوط الحياة أقلّ بكثير، ولا شيء يبدو مستحيلاً: وقتنا لنا، نخرج متى نشاء ونعود متى نريد، نسهر، نرقص، نغازل من نشاء، نخوض تجارب جديدة ونعتني بأنفسنا
وتابعت بتنهيدة: “كم أتمنى لو أعود عزبةً من جديد، وحرّةً طليقةً، ومسؤولةً فقط عن نفسي، دون قيود والتزامات، فأنا اعتدت العيش بمفردي لسنوات طويلة، أنظّف شقتي متى شئت، وأتركها مبعثرةً متى أردت. أما اليوم فكلّ شيء مختلف”. وتشدد على أن هذا لا يعني أنها لا تحب زوجها وتريد الانفصال عنه نهائياً: “ولكنني أحتاج إلى استعادة حريّتي. أحتاج إلى أخذ استراحة لبعض الوقت مع نفسي”.
اشتقت إلى الشعور بأنوثتي
من جهتها، تحدثت نادين (27 عاماً)، عن علاقتها بزوجها واختلاف الطباع بينهما: “تزوّجنا أنا وكريم عن حبّ، كنّا نعشق بعضنا إلا أنّ طباعنا كانت مختلفةً جداً، فأنا امرأة شغوفة، ناشطة جنسياً، أحبّ المغامرات في العلاقة، فيما زوجي رجل شرقي ومحافظ، يقيّد نفسه بالعادات والتقاليد والعيب، ويخاف من كلام الناس ونظرة المجتمع”.
وكشفت نادين أنها بدأت مؤخراً تشعر بالحنين إلى حياة العزوبية: “منذ بضعة أشهر، بدأت أحنّ إلى حياة العزوبيّة، والسبب زملائي في العمل، فأنا الوحيدة المتزوّجة بينهم، ما جعلني أفتقد تلك الأيّام التي كنت أنهي فيها عملي وأذهب مع زملائي لاحتساء الكحول. اشتقت إلى الوقت الذي كنت أغازل فيه من أشاء وقتما أشاء دون الشعور بالذنب. اشتقت إلى الشعور بأنوثتي بدل الانتباه إلى ما يجب أن أرتديه ومدى ملائمته لكوني امرأةً متزوّجةً”.
وأضافت: “لا شكّ في أنّ حياتي اختلفت كثيراً بعد الزواج، وهذا الحنين إلى العزوبيّة لا ينفكّ يلاحقني، ولكنني أحاول قدر الإمكان ضبط أفكاري لأنني أحبّ زوجي ولا أريد خيانته، ولكنّ لا شكّ في أنني أتمنى لو يعود بي الزمن إلى الوراء ولو قليلاً لأشعر بتلك النشوة من جديد”.
الصراحة
في المقابل، يعيش رامي (40 عاماً)، تجربةً مختلفةً مع زوجته، عنوانها الصراحة والشفافية المطلقة، وفق ما أخبر رصيف22: “علاقتي أنا وزوجتي غريبة ولا تشبه أيّ علاقة أخرى، فنحن عندما تزوّجنا كانت لدينا الكثير من التجارب الجنسيّة، وكنّا نعي سلفاً أن الحياة الزوجيّة تتطلّب تضحيات، لذلك أحاول قدر الإمكان منح زوجتي وقتاً كافياً لتعتني بنفسها، وتخرج برفقة أصدقائها، ولا أمانع أن ترتدي ما تشاء طالما أنّ ذلك يجعلها سعيدةً، لا بل أشعر بالفخر عندما نكون في سهرة ويقوم أحد الرجال بالنظر إليها، فأنا أعرف أنّ ذلك سيزيد من ثقتها بنفسها، كما أنّني أفتخر بأنّ زوجتي إمرأة جميلة”.
“تزوّجنا أنا وكريم عن حبّ، كنّا نعشق بعضنا إلا أنّ طباعنا كانت مختلفةً جداً، فأنا امرأة شغوفة، ناشطة جنسياً، أحبّ المغامرات في العلاقة، فيما زوجي رجل شرقي ومحافظ، يقيّد نفسه بالعادات والتقاليد والعيب، ويخاف من كلام الناس ونظرة المجتمع”
وتابع: “زوجتي بدورها ليست تقليديّةً في تفكيرها، فهي تحترم وقتي مع أصدقائي، وتثق بي… مررنا بفترة سيطر فيها الروتين على حياتنا خصوصاً بعد أن كبر أولادنا، إلا أننا أصبحنا نكرّس يوماً في الأسبوع لنخرج فيه ونسهر ونستعيد أيّام شبابنا، كما نعمد أن نسافر مرّةً كلّ سنة لتنشيط حياتنا الزوجيّة”.
وأشار رامي إلى أن البعض قد يستغرب طريقة تفكيرهما، غير أن الصراحة المتبادلة هي التي تسيّر حياتهما: “لا نقيّد حياة بعضنا البعض، فأنا أتساهل جداً في بعض المواضيع والمهمّ أنّ هناك صراحةً متبادلةً، فنحن نخبر بعضنا كلّ شيء ونعمل على حلّ المسائل معاً”.
الحنين إلى العزوبيّة أمر طبيعي
في حديثه إلى موقع رصيف22، أكد المعالج النفسي الدكتور أنطوان الشرتوني، أنّه من الطبيعي أن يشعر الأزواج بالاشتياق إلى العزوبيّة: “كلّ إنسان يشتاق إلى حريّته، أي إلى أن يخرج ويعود إلى المنزل وقتما يشاء، وأن يذهب برفقة أصدقائه من دون طلب إذن أو مواجهة معارضة، وألا يكون هناك من يلاحقه دائماً ويطالبه بالعودة مبكّراً، أمّا في الزواج فهناك مسؤوليات وواجبات، فالزواج مشاركة في العمل المنزلي وغير المنزلي، وطبعاً أمام كلّ هذه المسؤوليات سيصبح هناك نوع من الاشتياق إلى الحريّة التي كانت موجودةً أيّام العزوبيّة وتغيّرت بعد الزواج”.
وهذا الحنين أمر طبيعي جداً، برأي الشرتوني، لأنّ “كلّ إنسان يسعى إلى الحريّة والاستقلاليّة، إلا أنّ كلّ شيء في الحياة له ثمن، وعلينا تقديم التضحيات في سبيله، وللزواج قواعد وتضحيات”.
ولتجاوز هذا الحنين، رأى الشرتوني أنه يتعيّن على الزوجين عقد اتفاق على إعطاء بعضهما البعض مساحةً من الحرية، كأن يكون لكل ّمنهما أصدقاء مقرّبون خاصون بهما، وأن يكون هناك نوع من التفاهم.
“كلّ إنسان يسعى إلى الحريّة والاستقلاليّة، إلا أنّ كلّ شيء في الحياة له ثمن، وعلينا تقديم التضحيات في سبيله، وللزواج قواعد وتضحيات”
في السياق نفسه، أوضحت المتخصّصة في علم النفس الدكتورة لانا قصقص، أنّ “السبب المباشر للحنين إلى العزوبيّة هي الضغوط التي يعيشها الزوج/ ة خلال العلاقة نتيجة المسؤوليات والأولاد وكلّ ما حُرم منه المرء خلال الزواج، وكان متوفراً في فترة العزوبيّة. وقد يكون السبب الثاني هو ألا يكون الشخص المتزوّج سعيداً مع الشريك/ ة، وذلك قد يدفعه إلى التفكير في كيف كان يعيش قبل العزوبيّة حيث كان يتمتّع بحرية مطلقة”.
وبغية تخطّي هذه المرحلة، اقترحت قصقص “العمل على تحسين العلاقة بين الشريكين عبر تقاسم المسؤوليات، ما يخفف الأعباء الحياتيّة، ويساهم في كسر الروتين وتجديد الحياة الزوجيّة، بالإضافة إلى التوازن بين الاهتمامات العائليّة واهتمام الأفراد بأنفسهم: يجب على الأزواج أن يتذكروا دائماً أنه من حقّهم التطوّر مهنيّاً والاعتناء بأنفسهم، لكيلا تكون العزوبيّة وسيلة هروب من الواقع الذي يعيشونه كأشخاص مرتبطين”.
حنين المرأة vs حنين الرجل
رأت راوية عيتاني، وهي “ميتا كوتش” متخصصة في علاقة الصورة الذاتية، أنّ الحنين إلى فترة العزوبيّة خلال الزواج، أمر متعارف لدى الرجال أكثر من النساء، غير أنه يطال كلا الجنسين: “عندما يكون الشخص عزباً تكون حياته خاليةً من المسؤوليات أو على الأقلّ تتعلّق به وحده أو بعائلته، أمّا بعد الزواج فتصبح المسؤوليّة أكبر على عاتق الزوجين، ومن هنا يأتي العبء الكبير الذي يصيب المتزوجين، ما يخلق لديهم حنيناً إلى الماضي”.
ونبهت عيتاني إلى أن المسؤوليات وعدم التكافؤ في الأدوار، تدفع الزوجين إلى الحنين إلى العزوبيّة: “عندما يكون الزواج مبنياً على تنظيم الأدوار وتقاسم المهام والمسؤوليات، لا يكون هناك عبء كبير ملقى على الشريكين، ولا يكون هناك طرف مظلوم أو مهدور حقّه على حساب طرف آخر، لذلك فإن الوضع الذي يعيش فيه الشريكان يؤثّر كثيراً على فكرة الحنين إلى العزوبيّة، حيث يصبح الحنين نوعاً من الهروب من المسؤوليات”.
“الحنين إلى الماضي مرحلة طبيعيّة قد يمرّ بها كلّ المتزوجين، ولكن الخطر يقع عندما نستسلم لهذه الأفكار ونقول إنّه ليس في إمكاننا تقبّل حياتنا الحالية، والحلّ هو فقط في العودة إلى العزوبيّة. وهنا لا تكون المسألة محصورةً في رغبة الفرد بالهروب من واقعه بل في التخلي عن كلّ مسؤولياته”
والنقطة الثانية التي أشارت إليها عيتاني، هي توهّم الفرد بأنّ حياة العزوبيّة أجمل: “للأسف تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز فكرة أنّ حياة العزوبيّة خالية من الهموم، وأنّ العزب سعيد أكثر بحياته، ولكلّ هذه الأفكار تأثير مباشر على المتزوجين”.
ورأت راوية أنّ “الحنين إلى الماضي مرحلة طبيعيّة قد يمرّ بها كلّ المتزوجين، ولكن الخطر يقع عندما نستسلم لهذه الأفكار ونقول إنّه ليس في إمكاننا تقبّل حياتنا الحالية، والحلّ هو فقط في العودة إلى العزوبيّة. وهنا لا تكون المسألة محصورةً في رغبة الفرد بالهروب من واقعه بل في التخلي عن كلّ مسؤولياته، وفي هذه المرحلة يغيب عن بال الفرد أنّ حياته لم تكن أفضل عندما كان عزباً”.
وتابعت: “المهمّ في هذه المرحلة مشاركة أفكارنا بكلّ صدق مع الشريك/ ة ومصارحته/ ا بما نشعر به، لتقييم المرحلة والأسباب التي تدفعنا إلى الحنين إلى الماضي، إذ إن هذا الحنين قد يكون بسبب حقبة أو صورة من الماضي كنّا نحبّ أنفسنا فيها، لذلك يجب التحدّث عن العبء والمسؤوليات التي تزعجنا لإعادة تقسيم هذه المهام”.
وختمت راوية عيتاني حديثها بالقول: “أما إذا كان الحنين إلى شكلنا كما كان قبل الزواج، فهذا تذكير أو تنبيه بأنه علينا الاعتناء بأنفسنا من جديد”.
باولا عطية
رصيف 22