أسمع كثيراً مَن يتحدث عن الإنسان وكرامة الإنسان، وأن احترام الإنسان هو أن يكون كريماً، وفي مجتمع كريم، وأفراده يكونون كريمين….لكن الذي يشغل بالي كثيراً، وأنا أسمع مثل هذه الأقوال في أمكنة كثيرة، ومن أناس عاديين، وأناس يحملون شهادات عالية كذلك، هو: كيف يفهم هؤلاء الكرامة؟ كيف يربطون بين الحياة والكرامة، وليس الكرم طبعاً؟ ماذا يعني أن يكون الإنسان كريماً؟ سؤال واحد، يتكرر بأشكال مختلفة، وأجد نفسي متأثراً بمثل هذا الموقف، فأحاول توضيح هذه العلاقة، لأقول بالشكل التالي، وفي الوقت الذي أحترم أي إنسان كان، في مجتمع كمجتمعنا بتنوعه الكبير، الذي يدل على غناه الإنساني، وأتمنى أن يكون أغنى وأفضل، بمقدار ما يحترمون بعضهم البعض .
بالنسبة للإنسان، لا يمكن أن يكون متمتعاً بالكرامة، إلا إذا شعر بحريته الشخصية، وفهمَها جيداً، ليعرفها، وهو يميّزها عن الآخرين، وهم محترَمون لديه. فلا تكون الحياة كريمة دون حرية فعلية للإنسان، مهما كان مذهبه، أو معتقده، أو وضعه الاجتماعي.
في الحالة هذه، وكما أرى:
لا يكون الإنسان حراً، إذا لم يفكّر بعقله، ويتقبل أفكار الآخرين بعد أن يدرسها، ويقلبها على وجوهها.
إن أي تبعية، مهما كانت بسيطة، لأي كان لغيره، ودون تفريق، في مختلفة الأمكنة، تعني تجريده من كونه إنساناً، وما أكثر الحالات التي نجدها في مجتمعاتنا، حيث الناس كثيراً يتصرفون في تبعيتهم لآخرين، لأسباب مختلفة، دون أن يعرفوا حقيقة ما هم عليه.
إن وجود كم كبير من الناس يتأثرون عاطفياً بما يقال لهم، كما هو القطيع المشهور، يعني أنه من الصعب أن يتمكن مجتمعهم من التقدم أو التطور. فكلما زاد وعي الناس، كان المجتمع أرقى .
هذا الكلام لا يعني أي طرف أو أي شخص، أو أي مسؤول، إنما يعنينا جميعاً. فليس من مصلحة المسؤول في دائرة أن يجعل من موظفيه يطيعونه في أوامره، وليس أن يتقيدوا بالتعليمات. الفرق كبير جداً، بين أن يعرف الموظف حقوقه وواجباته، وما يكون منقاداً بشكل أعمى، وراء مسؤوله.
والفرق كبير جداً، بين أن نشهد تحت اسم” مظاهرات حاشدة ” للذين يملؤون الشوارع بالهتافات والشعارات، فقط لأن الذين يُعتبَرون زعماءهم وقادتهم هم الذين يوجهونهم، دون أن يعرفوا ماذا وراء هذه المظاهرات، وإلى أن يمضون كذلك .
أن يكون المجتمع متقدماً، أو أن يكون متخلفاً، يعني وجود الوعي الذي يرتبط بالحرية والتي تكفل للجميع الحقوق، وتكون لهم واجباتهم، ويستطيعون الدفاع عن وجودهم في المجتمع، والدفاع عن وطنهم بالفعل، لأنهم يعرفون ماذا يفعلون ولماذا يفعلون هكذا، في الحالة الأولى. وليس لديهم أي فكرة حين يتم تحريكهم في هذا الاتجاه أو ذاك، وليس لديهم أدنى وعي بحريتهم، في الحالة الثانية .
الإنسان الواعي، والذي يعرف مكانته، ومكانة الآخرين من حوله، يكون مواطناً، وينتمي إلى الوطن، وهو الذي يكون معروفاً بحدوده، وكله حماس في الدفاع عنه، لأن كرامته محفوظة.
فنجد أنفسنا في واقعنا، تجاه ما يجري من حولنا، من مشاهد خراب ودمار، وهتك حقوق للناس، وسلبهم أموالهم، واعتقالهم بدون أدنى سبب، وإذلالهم بالمقابل، استناداً إلى سلطة يتحكمون بها، أي هؤلاء الذي لا يتوقفون عن خداع مجتمعهم، وباسم ” الجماهير” وهم في الواقع ” رعاع ” وكيف تتم تربيتهم على الطاعة العمياء، ويمكن العثور على كل ما له علاقة بالبؤس، وانتشار الأمراض، والمحسوبيات، والشللية، وهي تكون ضد القانون.
من المؤكد أن دفاع الإنسان عن حريته بوعي، هو دفاعه عن مجتمعه، وعن بلده، وعن كل ما هو موجود في بلده، لأن هناك مصير واحداً، يهم الجميع، وعلينا ألا نلوم من يكونون في السلطة أو الحكم دائماً، بأنهم يغتصبون حقنا، وهم بعيدون عن العدل، إذا كنا نحن أنفسنا نسكت على أي حق من حقوقنا، ونقدّم ولاء الطاعة لمن يكونون سبباً لكل ما هو سلبي ومذل لنا ولمجتمعنا وبلدنا كذلك.